دعم صناعة الاعلام والتدريب والتطوير
فى لحظة فارقة من عمر التعاون الإعلامى الإفريقي، وبروح من التكامل والتضامن، أسدل الستار فى القاهرة على فعاليات الدورة الـ60 لاتحاد الصحفيين الأفارقة، التى نُظمت بالتعاون مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وشهدت تنظيمًا محكمًا ومحتوى معرفيًا عميقًا يعكس إدراكًا حقيقيًا للتحديات التى تواجه الصحافة الإفريقية فى العصر الحديث.
لم تكن الدورة تقليدية أو مكررة، بل جاءت شاملة فى موضوعاتها، دقيقة فى طرحها، ومعاصرة فى رؤيتها، حيث ركزت بشكل مباشر على التحولات الكبرى التى تشهدها مهنة الصحافة، وخاصة فى ظل الطفرات التكنولوجية المتسارعة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، الذى بات عنصرًا أساسيًا فى أدوات العمل الإعلامي.
شهدت الجلسات النقاشية عروضًا تحليلية وتجارب واقعية حول الذكاء الاصطناعى فى الصحافة، من حيث الفرص والتحديات، وكيفية تأهيل الصحفيين الأفارقة للتعامل مع هذا التطور من موقع الفاعلية لا التبعية. كما تناولت الدورة قضايا الصحافة الإلكترونية، وأثر المنصات الرقمية على بيئة العمل الصحفي، وسبل مواجهة الشائعات والمعلومات المضللة فى زمن السوشيال ميديا وغيرها من الموضوعات المهمة فكرياً وثقافياً.
كان لافتًا خلال الدورة اهتمام القائمين عليها بتعزيز تبادل الخبرات بين المشاركين من مختلف دول القارة، وهو ما أضفى على الجلسات طابعًا تفاعليًا عابرًا للحدود، فتح المجال أمام مناقشات بناءة حول مستقبل الصحافة الإفريقية، والحاجة إلى خطاب إعلامى يعكس خصوصيات الشعوب ولا يستنسخ تجارب الآخرين.
إلى جانب الجانب الأكاديمى والنظري، شملت الدورة زيارات ميدانية كانت ذات دلالات عميقة ومقصودة، أبرزها زيارة العاصمة الإدارية الجديدة، التى تمثل رمزًا لمصر الحديثة ونموذجًا ملهمًا لما يمكن أن تحققه دول القارة عندما تمتلك الرؤية والإرادة، وزيارات متنوعة للمؤسسات القومية وأهم المناطق السياحية فى مصر.
كما تضمنت الجولة زيارة إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، التى تُعد إحدى أبرز المنصات الإعلامية فى الشرق الأوسط، وتمثل نموذجًا ناجحًا فى دعم صناعة الإعلام والتدريب والتطوير. ولم تغب الهوية الحضارية عن برنامج الدورة، حيث زار الصحفيون المشاركون متحف الحضارة المصرى الكبير، الذى يعكس الجذور العميقة لمصر، ويؤكد على أن الحاضر لا ينفصل عن التاريخ.
وإذ نختتم هذه الدورة النوعية، لا بد من الإشادة بالدور الريادى الذى قام به الأستاذ محفوظ الأنصاري، رئيس اتحاد الصحفيين الأفارقة، الذى أدار هذا الحدث بروح قائد يؤمن بأهمية دور الإعلام فى نهضة القارة..
لقد بعثت الدورة الـ60 برسالة قوية من القاهرة إلى سائر دول القارة: أن الإعلام الإفريقى يستطيع أن يكون متحدًا، متطورًا، ومؤثرًا، إذا ما وفرت له الإرادة، والدعم، والتدريب المستمر.. مصر، بما لها من ثقل إعلامى وتجربة متراكمة، تؤكد مجددًا أنها فى قلب أى مشروع يسعى لتطوير الإعلام فى إفريقيا.
ختامًا، فإن هذه الدورة ليست نهاية، بل بداية جديدة لمرحلة أكثر وعيًا وتعاونًا فى مسيرة اتحاد الصحفيين الأفارقة، الذى يواصل أداء دوره الحيوى فى دعم المهنة وتوحيد الصوت الإفريقى منذ إنشائه عام 1972.