بحق السماء ما هذا العبث؟ هل مجتمعنا بات مستباحا إلى هذه الدرجة؟ هل وصلنا إلى تلك المرحلة التى يمكن أن يوجه فيها المجتمع أسوأ مَنْ فيه؟ والقيادة هنا تتم عبر القدرة على تحريك اهتمامات المجتمع والتحكم فى مزاجه العام، فيمكن ان يطلق احدهم شائعة محكمة التفاصيل بها قدر بسيط من الحقيقة فيقلب بها حال المجتمع، وهناك من يخرج علينا ببعض السلوكيات المشبوهة أخلاقيا فيثير متعمداً عاصفة من الفوضى المجتمعية بين التأييد والتنديد والهدف هو الوصول إلى التريند فقط، وهناك كثيرون يبحثون عن الشهرة فينتجون اللقطة ويركبون التريند على حساب القيم والأخلاق، وكثيرا ما تحدثنا وكتبنا وحذرنا من العبث المتعمد وربما المخطط بمزاج المجتمع المصري، لكن النقاش لم يصل إلى مرحلة النضج او حتى الاهتمام على مستوى المفكرين والمثقفين، لكن اليوم أشعر بالخطر الحقيقى الذى يستدعى التدخل العاجل على مستويات عدة، فالمجتمع المصرى يعانى من أزمة خطيرة يجب اولا ان نعترف بوجودها، فمناعة مجتمعنا الثقافية والفكرية والأخلاقية بدت ضعيفة وضعيفة جدا، وطالما ضعفت مناعة أى مجتمع فيمكن لكثير من الأمراض السلوكية أن تتسلل إلى جسد ذلك المجتمع بمنتهى السهولة واليسر، ناهيك عن المرور الآمن للشائعات ونموها وترعرعها حتى تحقق أهدافها التخريبية المخططة، اليوم أقف على ناصية الحقيقة وأعترف بأن المجتمع المصرى بلا مناعة كافية تحميه من هذه الأمراض التى تهاجمه بشكل مستمر، لقد أفزعنى حقا كيفية تناول وتداول قضية احد الأطفال عمره ست سنوات قيل انه تعرض للاغتصاب المتكرر من احد الأشخاص تخطى عمره ثمانين عاما، وتأتى تفاصيل هذه القصة بشكل مرعب ومخيف نظرا لارتباطها بمنظومة التعليم والتربية ووجود شخصيات أخرى متواطئة مع المتهم بالتسهيل والتستر وفقا للروايات المتداولة، القضية رغم بشاعة تفاصيلها وعدم القدرة على استيعاب الصور التخيلية إلا انها ليست الاولى ولن تكون الأخيرة فى مجتمعنا كما فى كل المجتمعات، لكن الجديد هو محاولة تصنيف أطراف القضية ليس كما المعتاد جانى ومجنى عليه، أو ضحية ومتهم إلى آخر هذه المسميات القانونية، لكن العابثين استطاعوا ان يمروا عبر ثغرات جهاز المناعة المجتمعى ووضعوا تصنيفاً جديداً على أساس الدين ! قالوا ان الجناة مسيحيون والمجنى عليه مسلم! وتابعت معظم الروايات على ورسائل التواصل الاجتماعى تميل إلى فكرة التصنيف على أساس ديني! وجدت المجتمع وقد تحول إلى الطائفية دون عقل او تعقل، كيف يمكن ان أضيف عبارة مسلم أو مسيحى أو حتى ملحد بعد اسم الضحية أو الجانى فى أى قضية، وهل يمكن ان نصل إلى ما وصلت اليه بعض الدول التى تصنف الناس بين شيعى وسنى ثم يصل البعض إلى شافعية وحنابلة ومالكية وحنفية، مثلما فعلوها سلفى وإخوان وجهاد وتكفير وداعش والقاعدة والنصرة إلى آخره، أعود إلى الفكرة الأساسية وهى ان مجتمعنا ضعيف المناعة ضد تلك الهجمات، والدليل هو التقاط الطعم الذى ألقاه البعض عن عمد ربما نجحوا فى إثارة فتنة طائفية، أنا هنا لا أتحدث ولا أتناول قضية طفل دمنهور، لكننى هنا معنى فقط بالتداعيات التى حدثت ومازالت تتسع دوائرها على صفحات العالم الافتراضى والتى تهدف إلى تصدير الصورة على غير حقيقتها، فالحقيقة – إن أثبتتها الإجراءات القانونية والقضائية – هى ان هناك حالة اغتصاب لطفل برئ من قبل رجل طاعن فى السن فى احدى المدارس مع تواطؤ بعض الأطراف فى ظل اصرار أسرة الطفل على المضى قدما فى القضية إلى النهاية، هذه القضية خطيرة جدا وتفاصيلها مثيرة للاشمئزاز حقا ،ويجب ان ينال المتهم حال ثبوت التهمة عليه أقسى العقوبات مع الازدراء المجتمعى الكامل له ولسلوكياته، لكن لدى سؤال بسيط جدا وارجو ان يجيب عنه كل من تناول الموضوع بصدق وتجرد على ان تكون الاجابة بينه وبين نفسه، هل لو كان المتهم والضحية كلاهما اصحاب ديانة او ملة واحدة، هل كان التناول والمعالجة ستكون بهذه السخونة والاستقطاب الحاد؟ لن اجيب نيابة عن احد، ولن أضع اجابات على لسان احد، بل اترك كل إنسان وضميره وتجرده، ربما فضحت الاجابة الحقيقية درجة العنصرية او الطائفية الدفينة فى قلوب البعض او فى ثقافات البعض الآخر، لكن تلك الإجابات لا تهمنى كثيرا بل يجب ان تكون فى قلب اهتمامات كل فرد فى المجتمع الذى تعيش فيه، لكن ما يشغلنى كما قلت واكرر كثيرا هو جهاز المناعة الثقافى والفكرى والأخلاقى والدينى للمجتمع المصري، والسؤال الذى يجب ان يشارك فيه الخبراء والمختصون بشكل معلن هو هل يعانى المجتمع المصرى من مرض مناعي؟ هل الجهاز المناعى للمجتمع ضعيف مما خلق هذه الاستباحة؟