يجمع المؤرخون على أن الملك المصرى «سنوسرت الثالث» كان أول من فكر قبل ثلاثة آلاف عام تقريبا فى شق قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، ثم توالت المحاولات لإعادة شق القناة على مدى قرون عديدة حتى تمت عملية حفر قناة السويس بشكلها الحالى والتى بدأت بفرمان الامتياز الأول، وما تلاه من فرمانات وصولاً إلى عملية الحفر التى انطلقت فى 25 ابريل 1859، حيث ضُربت الفأس الأولى فى أعمال قناة السويس فى مدينة «فرما» موقع بورسعيد حاليا بمشاركة نحو 20 ألفاً من العمال المصريين الذين أدوا واجبهم فى ظروف إنسانية بالغة القسوة.
ومنذ افتتاحها فى 17 نوفمبر 1869 مرت القناة بمراحل تاريخية وشهدت تطورات وأحداثا كبرى كان من أبرزها قرار التأميم الذى أعاد الحقوق لأصحابها، وتعرضها للإغلاق بعد حرب عام 1967، ثم افتتاحها فى يونيو 1975.
تذكرت ذلك وأنا أتابع ما أثير حول قناة السويس، تعليقاً على التصريحات الغربية بل الشاذة التى جاءت على لسان الرئيس الأمريكى ترامب بأنه طلب من وزير خارجيته البدء فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمرور السفن الأمريكية من قناتى السويس وبنما مجانا، مدعياً كذباً وبهتاناً أنه لولا أمريكا ما كانت القناة.. الأمر الذى آثار غضب الملايين من المصريين، بل وغير المصريين وسخروا من هذه التصريحات، التى تكشف جهل ترامب بالتاريخ، الذى يؤكد كما ذكرت فى البداية أن بدء التفكير فى شق القناة منذ آلاف السنين فى حين تاريخ إنشاء أمريكا أو اكتشافها لا يتعدى 300 عام، علاوة على جهله بالجغرافيا أيضا.. فقناة السويس تقع على أرض مصرية، لذلك لا ولاية لأحد عليها سوى الدولة المصرية وفقاً للقوانين والاتفاقات الدولية.
كما ذكرت فى البداية، فإن أول من فكر فى ربط البحرين الأبيض والأحمر بطريق غير مباشر عن طريق النيل وفروعه، الفرعون سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة، وذلك بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب.. حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير فى النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التى كانت متصلة به فى ذلك الوقت.. ومازالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم فى جنيفة بالقرب من السويس.
وفى عام 641 ميلادية، أعاد عمرو بن العاص الملاحة إلى القناة وأطلق عليها اسم «قناة أمير المؤمنين»، وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأبيض والأحمر، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أثناه عن عزمه، اعتقاداً منه بأن شق مثل هذا البرزخ قد يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر.
وفى عام 760 ميلادية، ردم الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور القناة، حتى لا تستخدم فى نقل المؤن إلى أهل مكة والمدينة الثائرين على حكمه، وبذلك تعطلت الملاحة بين البحرين أحد عشر قرناً تقريبا.
وبالعودة الى تصريحات ترامب فوفقا لخبراء القانون الدولى فإن مطالبة الرئيس الأمريكى بمرور سفن بلاده عبر قناة السويس مجانا، تمثل انتهاكا صارخا للسيادة المصرية والقانون الدولى فقناة السويس جزء لا يتجزأ من الأراضى المصرية، وتخضع للسيادة المصرية الكاملة وفق مبادئ القانون الدولى المستقرة، وأى محاولة للمساس بهذه السيادة أو فرض استثناءات تمييزية لصالح دولة معينة يعد خرقا واضحاً لمبدأ المساواة بين الدول وللنظام القانونى الدولى المعاصر.
تخضع قناة السويس لمعاهدة القسطنطينية لعام 1888، التى أقرت حرية الملاحة فى القناة لجميع الدول فى زمن السلم والحرب، مع احترام سيادة مصر الكاملة على القناة وحقها فى فرض رسوم مقابل خدمات العبور التى تقدمها، وكذلك فإن النظام القانونى الذى يحكم قناة السويس يستند إلى مبدأين أساسيين، أولهما السيادة المصرية الكاملة على القناة، والثانى حق جميع السفن فى المرور الحر عبر القناة مقابل رسوم متساوية تفرض على الجميع دون تمييز وهذان المبدآن متوازنان ومتكاملان، ولا يمكن قبول الانتقاص من أحدهما بحجة الحفاظ على الآخر.
وفى هذا السياق يؤكد الخبراء أن رسوم العبور التى تفرضها مصر على السفن العابرة للقناة ليست ضريبة أو جباية استثنائية، بل هى مقابل خدمات فعلية تقدمها الهيئة المصرية لقناة السويس، بما فى ذلك صيانة القناة وتوسيعها وتعميقها وضمان سلامة الملاحة فيها، فضلا عن خدمات الإرشاد البحرى والقطر والإنقاذ وغيرها،