الوفد المصرى أمام المحكمة: الاحتلال ينفذ عمليات التهجير للفلسطينيين تحت ذريعة أوامر الإخلاء
يعيق وصول المساعدات الإنسانية من أجل تجويع المدنيين

قدمت مصر مرافعة شفهية أمام محكمة العدل الدولية امس، وذلك اتصالاً بطلب الرأى الاستشارى المُقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة بشأن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، مَثَل مصر أمام المحكمة كل من السفير حاتم عبد القادر، مساعد وزير الخارجية للشئون القانونية الدولية والمعاهدات، والمستشارة د. ياسمين موسي، المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية.
شدد الوفد المصرى على أن إسرائيل انتهكت القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان بالأراضى الفلسطينية المحتلة.
مشيراً إلى أن هذه السياسة مُثبتة بالتصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسئولين الإسرائيليين وكذلك تشريعات الكنيست، فضلاً عن الاجراءات الإسرائيلية المستمرة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتجفيف مصادر تمويلها، بهدف عرقلة حق العودة للشعب الفلسطيني، والذى يشكل ركناً أساسياً من حقهم فى تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وأوضح الوفد المصرى أن ذلك تزامن مع مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات الإخلاء القسرى والتهجير المتكرر تحت ذريعة ما يسمى بـ»أوامر الإخلاء»، مما أدى إلى نقل الفلسطينيين قسراً إلى مناطق لا تتمتع بالمقومات الأساسية للمعيشة، وعرقلة وصول الإمدادات والخدمات الأساسية اللازمة للحياة، وذلك ضمن سياسة ممنهجة لخلق ظروف تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة.
وأشار الوفد المصرى خلال المرافعة إلى أن إسرائيل دأبت منذ أكتوبر 2023 على استخدام سياسة التجويع والحصار الكامل على غزة كسلاح موجه ضد المدنيين بالقطاع، وأمعنت إسرائيل فى استخدام ذلك السلاح بإغلاقها كافة المعابر إلى غزة بشكل متعمد وتعسفي، مما حال دون دخول الغذاء والمياه الصالحة للشرب والوقود والإمدادات الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، ويأتى ذلك فى ظل استئناف إسرائيل لعدوانها الوحشى على غزة، والذى أسفر عن مقتل 52,000 مدنى بريء منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال، وذلك مع استمرار استهداف إسرائيل للمدنيين والبنية التحتية الضرورية لبقاء السكان الفلسطينيين على قيد الحياة، يُضاف إلى ذلك تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلية لهجماتها ضد العاملين فى المجالين الطبى والإنساني، الأمر الذى دفع بغزة إلى كارثة إنسانية.
وركزت المرافعة المصرية على استعراض الدفوع القانونية التى تُثبت وجود التزامات على عاتق إسرائيل كدولة عضو فى الأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك الاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات أجهزة الأمم المتحدة، فضلاً عن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بضمان وتسهيل توفير الإمدادات والمساعدات العاجلة دون عوائق، وفقاً للقانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، وأكد الوفد المصرى أن إسرائيل أخلت بالفعل بالتزاماتها بموجب القانون الدولى سواء بالسياسة الممنهجة لاستهداف المدنيين وممثلى المنظمات الإغاثية، أو بالإمعان فى فرض عقبات قانونية وإدارية تعيق وتقيد وصول المساعدات الإنسانية، وتوجيه هجمات مباشرة على البنية التحتية الإنسانية، بما فى ذلك قصف معبر رفح الحدودى بهدف تعطيله عن العمل والاستيلاء على الجانب الفلسطينى من المعبر، وما تبعه تنفيذ إسرائيل هجومها العسكرى على مدينة رفح الفلسطينينة، التى كانت ملاذاً لأكثر من مليون فلسطيني، ومركزاً رئيسياً لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما ألحق أضراراً جسيمة بالعمليات الإنسانية وزاد من تفاقم الوضع الإنسانى الكارثي، ومع اضطرار الوكالات الإنسانية إلى الانسحاب حفاظاً على سلامة موظفيها، توقف وصول المساعدات الإنسانية من معبر رفح، والذى كان شريان الحياة لقطاع غزة.
اختتم الوفد المصرى المرافعة بطلب قيام المحكمة بالإعلان فى رأيها الاستشارى بالتأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلى الممتد للأراضى الفلسطينية يمثل انتهاكاً مستمراً للقانون الدولي، وأن الالتزامات الإسرائيلية كقوة قائمة بالاحتلال تستمر فى جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين انتهاء الاحتلال، كذلك إقرار المحكمة بالتزام إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بجبر الضرر الذى أحدثته وذلك من خلال رفع الحصار المفروض على غزة بشكل فورى وغير مشروط، وضمان وصول الإمدادات الأساسية للمدنيين بقطاع غزة على نطاق واسع وبشكل آمن عبر كافة المعابر المؤدية للقطاع، دون معوقات أو قيود، والتنفيذ الفورى لقرار مجلس الأمن رقم 2735، والتوافق حول خطة إغاثة عاجلة للمدنيين الفلسطينيين، وتيسير تنفيذها بكافة السُبل المتاحة، والامتناع عن إعاقة وجود ونشاطات الأمم المتحدة ووكالاتها، بما فى ذلك الأونروا، وكذلك الدول الثالثه التى تقدم المساعدات الإنسانية، وإلغاء القوانين غير المشروعة المتعلقة بالأونروا التى أقرتها إسرائيل، واحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، وضمان حمايتها، فضلاً عن إعلان المحكمة أن حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير يشمل حقه فى السعى لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرضه، بما فى ذلك الحق فى تلقى مساعدات التنمية من أجل التعافى المبكر وإعادة الإعمار، وعدم تهجيره أو طرده من أرضه.
وكانت محكمة العدل الدولية بدأت أمس جلسات الاستماع المنعقدة من 28 أبريل وحتى 2 مايو المقبل فى مقر المحكمة فى مدينة لاهاى فى هولندا.
فى مرافعتها قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية إن المنظمة تأخذ على محمل الجد الادعاءات بعدم حياد عدد من وكالاتها، وإن إسرائيل انتهكت التزاماتها باحترام حصانة فرق الأمم المتحدة وأكدت أنه لا يمكن لأى دولة أن تتدخل فى عمل أى منظمة تابعة للمنظومة الدولية، وإن على إسرائيل القيام بواجباتها بصفتها عضوًا فى الأمم المتحدة، وألا تعرقل عمل الأونروا أو غيرها من المؤسسات الدولية، فهى دولة احتلال عليها حماية الطواقم الطبية وتسهيل عمل فرق الإغاثة. ودعت إلى وقف اطلاق النار فى غزة وإدخال المساعدات الإنسانية فورًا، داعيةً «أطراف الصراع» بغزة إلى احترام التزاماتها الإنسانية.
أما وفد دولة فلسطين فقد اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينين فى قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية منذ أكثر من شهرين. وأضاف أن المخابز أغلقت وأن 90 ٪ من سكان غزة يشربون مياهاً ملوثة وأن منشآت المنظمات الدولية أصبحت فارغة.
قال السفير عمار حجازى، عضو الوفد الفلسطينى، إنّ الشعب الفلسطينى يتعرض للهجوم والقصف والنزوح من قوة محتلة غير قانونية، وإن الوضع الإنسانى فى القطاع أصبح كارثيًا. وأضاف حجازى أن إسرائيل قتلت آلاف الأطفال فى قطاع غزة كجزء من سياسة إبادة جماعية منظمة، كما استهدفت نحو 400 من العاملين فى مجال الإغاثة الإنسانية خلال العمليات العسكرية.
قال بول رايشلر، عضو الوفد الفلسطينى، إن إسرائيل تدمر الحياة فى فلسطين وتمنع المؤسسات الإغاثية من أداء مهامها الإنسانية وإن هذه الانتهاكات تتعارض مع القواعد التى حددتها المحكمة فى رأيها الاستشارى لعام 2024.
كما لفت رايشلر إلى تصريحات وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، التى قال فيها إن «إسرائيل ستفتح أبواب الجحيم على غزة»، وإنّ «عدو إسرائيل ليس فقط حماس بل كل سكان غزة بالكامل»، ما يدل على وجود نية مسبقة لاستهداف السكان المدنيين بشكل جماعى، فى مخالفة صارخة لقواعد القانون الدولى الإنسانى.
وطالب الوفد الفلسطينى المحكمة باتخاذ موقف واضح تجاه هذه الانتهاكات التى تؤكد نية الاحتلال الإسرائيلى تنفيذ سياسات تهدف إلى الإبادة الجماعية وتدمير مقومات الحياة الأساسية فى قطاع غزة.
من المقرر أن تقدم 39 دولة مرافعاتها منها المملكة العربية السعودية والأردن والجزائر وتركيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وإسبانيا وروسيا إضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الافريقى.
من جانبه اتهم وزير الخارجية الإسرائيلى، جدعون ساعر، محكمة العدل الدولية زعماً أنها «هيئة مخزية»، مؤكدًا أن بلاده قررت عدم التعاون معها فى مناقشات تتعلق بانتهاكات مزعومة للقانون الدولى من قبل إسرائيل. ووصف ساعر جلسات الاستماع «بالسيرك» وإن وكالة الأونروا والأمم المتحدة نفسها هم من يجب أن يُحاكموا. كما وصف وزير دفاع إسرائيل، يسرائيل كاتس، جلسات الاستماع بأنها إرهاب وإن على المحكمة أن تحاكم منظمة الأونروا بسبب ما وصفه بدعم حماس.
تأتى جلسات الاستماع بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر الماضى بناءً على اقتراح من النرويج يدعو محكمة العدل الدولية لإصدار رأى استشارى يحدد التزامات إسرائيل حيال تسهيل وصول الإمدادات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين وضمان عدم عرقلتها.
كان برنامج الغذاء العالمى قد طالب أمس بوصول المساعدات عاجلاً إلى القطاع، بعد أن نفدت إمدادات الغذاء لديه مع شح مياه الشرب.
كما أكد المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر بيير كرينبول أمس أن «شرارة جحيم جديدة» اطلقت فى غزة مع تجدّد الحرب الإسرائيلية فى القطاع. وقال كرينبول فى كلمة فى منتدى الأمن العالمى فى الدوحة عاصمة قطر إن غزة تعانى الموت والإصابات والنزوح والجوع لا سيما بعد استئناف إسرائيل حربها على القطاع.