الأكاديمية العسكرية .. وبناء الشخصية المتكاملة

ربما يخرج علينا البعض بتساؤلات قد تكون بريئة لعدم الفهم أو خبيثة ومغرضة ومعادية تسعى إلى تزييف الوعى واستمرار المشكلة.. من هذه التساؤلات ما هى علاقة الأكاديمية العسكرية المصرية بتدريب وتأهيل الأئمة والدعاة أو الملتحقين بالنيابة والسلك القضائى أو المعلمين أو غيرهم؟.. والحقيقة الساطعة ان هذا الأمر حيوى للغاية ويعالج ثمة أمراض شخصية فى طرق التفكير ويبنى الشخصية السوية التى تتحلى بالعقلانية والحكمة والرشد والانضباط وتمتلك آفاقاً واسعة لأساليب التفكير وعدم اتخاذ مواقف استباقية مثل إعمال العقل والمنطق والتفكير الصحيح الذى يرتكز على حالة متسقة من الفهم والوعى والإدراك والدفع نحو دراسة الأمور من كافة أبعادها مثل إصدار الأحكام أو طرق التعامل مع الآخرين والتنشئة الصحيحة أو ترسيخ لغة الحوار.. والبحث عن الحقائق.. كل ذلك يؤدى إلى بناء شخصية تتمتع بالحكمة والعقلانية والثقة وتجيد تحقيق النجاح فى التخصص وكيفية افادة الآخرين وتحقيق الرسالة والأهداف.
من وجهة نظرى ان هذا الأمر هو تدريب الائمة والمعلمين والملتحقين بالسلك القضائى أو حتى الدبلوماسية من أهم الخطوات والقرارات التى تمثل قيمة مضافة للشخصية المصرية وتحقيق فاعلية ونتائج عظيمة فى هذه الرسالات من خلال بناء صحيح لأصحابها وأهلها ولا ينعكس ذلك فقط عليهم ولكن مع كل المتعاملين معهم والفئات المستهدفة من أعمالهم ورسالتهم ويبعث فى النفس الهدوء والثقة والطمأنينة والتريث قبل إصدار الأحكام والانطباعات.. ودعونا نعترف ان هناك بعض الفئات تعانى من التهور والاندفاع الفكرى بما يشبه مراهقة فكرية وهؤلاء نطلق عليهم شخصيات «موتورة».. لذلك من أهم أهداف تأهيل وتدريب الكوادر المصرية فى مجالات مختلفة فى الأكاديمية العسكرية المصرية هو تمكينهم من الفهم والوعى الشامل والمعرفة المتسعة لبناء شخصية متكاملة تجيد أداء رسالتها وقادرة على استيعاب كافة المواقف.. وتوفر الأكاديمية العسكرية فى هذا السياق البناء الشخصى والفكرى العام والقدرة على تقدير المواقف وفهم مختلف وكافة أبعاد القضايا.. فالأئمة والدعاة فى حاجة إلى فهم ما يدور حولهم من قضايا وظواهر وتحديث دائم مستمر لطريق الفهم والوعى حتى يمكن ربط الدنيا بالدين ونخرج بصياغة مهمة ومطلوبة تساهم فى بناء مجتمع على اطلاع واسع وفهم كامل لمختلف أبعاد وزوايا جميع القضايا.. ولذلك فإن مستجدات ما يدور حولنا من تحديات أمنية وعسكرية وأيضاً ظواهر فرضتها حالة التطور المتسارع بسبب التكنولوجيا واختلاف المجتمعات طبقا لاختلاف العصور يتطلب كل ذلك بناء شخصية تمتلك أدوات الفكر الصحيح والشامل والتعاطى معه والخروج بتجديد للخطاب الدينى لا يمس الثوابت ولكن يعالج حالة التحجر والتجمد الفكرى التى يرفضها الدين.. فالإمام والداعية والمعلم الذى على إلمام واطلاع وفهم لكافة ما يدور من حوله من قضايا هو الأكثــر تأثيــراً وفهماً لايقـاع التطـور وهو ما أكـد عليــه الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة مواكبة التطور دون المساس بالثوابت وبما يحمى الحرية والوطن ولا يتعارض مع صحيح الدين.. ولذلك تجد فارقاً بين الشخصية المنفتحة ذات الأفق العقلى والفكرى الواسع والشخصية المنغلقة والفيصل فى هذا الفارق هو التعلم والإطلاع والثقافة والمعرفة وأساليب التفكير.. والمسألة ليست تحفيظاً أو حفظاً بقدر ما هى بناء نسق فكرى صحيح يمكن الشخصية من الثقة والحكمة والهدوء النفسى بعيداً عن الاندفاع والمتاجرات والتعصب.. وأيضاً تجعله قادراً على معالجة مثل هذه الظواهر لدى الآخرين خاصة الشباب أو التلاميذ فى سن الدراسة واكتساب هذه القدرات من صفات أهل العلم والتخصص يرقى بصاحبه إلى درجة الأستاذية.. فنحن أمام بناء شامل لشخصية المعلم أو الإمام أو الداعية.. لا تقتصر على علوم القانون أو الدين.. ولكن كيفية المزج الرشيد بين هذه العلوم وبين أساليب التفكير والمعرفة الشاملة والوعى الحقيقى والفهم الصحيح.. لذلك نتوقع مخرجات عظيمة ونتائج ايجابية لأصحاب هذه الرسائل أن تتعلم كيفية اتخاذ القرار فى مختلف الظروف الصعبة.. واسوأ السيناريوهات هذه قيمة مضافة وان تلم بأبعاد ما يدور من حولك والتحديات التى تواجه الأمن القومى وإدراك أهمية بناء مجتمع يرتكز على العلم والتسامح والتعايش والفهم الصحيح للدين وتبصير الناس بالتحديات والظواهر المستجدة التى فرضتها حالة التطور الرهيب فى العصر الحديث الشخصية المنضبطة والتى تمتلك الأساليب الصحيحة للتفكير وتتسم بالحكمة والعقلانية والقدرة على التواصل الصحيح مع الأخرين.. المرتبطة بشكل وثيق بتحديات الوطن وأهم مقومات نجاح الرسالة المنوطة بهذه الكوادر.. فقد يظن البعض ان عملية التأهيل والتدريب جافة تعنى البناء البدنى فحسب.. وهذا غير صحيح بالمرة.. ولكن بناء شخصية قويمة وأساليب تفكير عصرية تجيد التعامل مع كافة المواقف.. وتدرك طبيعة القضايا المطلوبة وما يدور فى المجتمع من تحديات والتواصل البناء والصحيح مع الآخرين.. لأن الناس فى حاجة إلى الحكمة وجوهر رسالة الأديان.. وما عليه الرسالة التعليمية والتطبيق الصحيح للقانون وروحه ورصد ما تعكسه بعض الجرائم من مخاطر على المجتمع والتوقف عندها بالبحث ودق نواقيس الخطر واخطار باقى المؤسسات المنوطة للعمل على علاجها قبل ان تتفشى.. والحقيقة ان الأكاديمية العسكرية المصرية وقواتنا المسلحة العظيمة هى مدرسة لبناء الشخصية السوية والمثالية التى تجمع بين الانضباط الشخصى والسلوك والمهنى والاحترافية فى أداء الرسالة والمهمة والمعرفة الشاملة والإلمام بكافة التحديات والتهديدات وأهمية الروح المعنوية العالية وكيفية مجابهة الأفكار المغلوطة والمعلومات الزائفة.. وبناء الشخصية القيادية والمؤثرة القادرة على التعامل مع كافة المواقف واتخاذ القرار المناسب.. ولذلك تشهد المؤسسة العسكرية أعظم النجاحات فى كافة المجالات.. ونحن كشعب نبدى الاعجاب والتقدير ونطرح السؤال الدائم: لماذا تنجح دائماً قواتنا المسلحة؟.. ولماذا تنجح الشخصيات التى تنتمى إليها أو ترتبط بها وكيفية بناء الشخصية المتكاملة وطنياً ونفسياً ومهنياً وسلوكياً وفكرياً وقيادياً.. لذلك هذه الدورات واجبة وحتمية وهى مقاربة حكيمة ورشيدة بين جودة التخصص والكفاءة وأساليب التفكير وبناء الشخصية الشاملة.