هناك العديد من الصفات التى يمكن ان تطلقها على دولة ما فى وقت ما بسبب موقف ما أو توجه سياسى محدد ، فهناك دولة مارقة وأخرى معتدية وثالثة مزعجة ورابعة طامعة وخامسة منبطحة وسادسة بدون ملامح ، ولذلك يمكن تقسيم الدول إلى ثلاثة تقسيمات ، الأولى : دول ظالمة حيث تمارس احتلالا أو ابتزازا أو استقواء أياً كان شكله عسكريا أو اقتصاديا أو حتى ثقافيا ، الثانية : دول مظلومة حيث يُمارس عليها كل ماسبق ، الثالثة : دول عادية لا تظلم ولا تُظلم وليس لها حضور على مسرح الأحداث.
ووفق هذه النظرة ماذا عن مصر ؟ بيد أن مصر وسياستها الخارجية ودوريها الإقليمى والعالمى وسلوكياتها السياسية فى المحافل الدولية يخرجها من التصنيفات الثلاث سالفة الذكر ، فلا نحن دولة معتدية ولا معتدى عليها وكذلك لسنا دولة عادية ، الحق أقول إننى فكرت مليا فى هذا الأمر فلم أجد أدق من هذا التعبير « مصر دولة مستقيمة « فكما نصف شخصا ما أنه « شخص مستقيم « حيث يلتزم بالأصول والقواعد ويحرص على إحقاق الحق ومناصرته دون إفراط أو تفريط.
هكذا أرى الدولة المصرية لا تنحاز إلا للحق ولا تصمت على باطل ولا تقود مؤامرات أو تشارك فيها ، فالمبدأ العام الذى يحكم السياسة الخارجية المصرية كان ولا يزال عدم الانحياز مع أو الانضمام إلى أى أحلاف عسكرية أو أمنية أو حتى سياسية، وانطلاقا من هذا المبدأ التاريخى الذى تتبناه وترعاه وتحافظ عليه الدولة المصرية وتتخذه سبيلا وحيدا لإدارة علاقاتها الدولية، بيد أن تفعيل هذا المبدأ الإستراتيجى القاطع فى ظل هذه التحديات الدولية والتعقيدات الإقليمية التى خلقت حالة غير مسبوقة من الاستقطاب الحاد،
من هذه النقطة تحديدا أراقب عن قرب مسارات وتحركات السياسة الخارجية المصرية على كل الأصعدة، لقد حافظت مصر على علاقاتها الإستراتيجية مع كل الأطراف رغم ما بينها من تناقضات وتباينات وربما صراعات، فالعلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوروبى وبريطانيا تتميز بالإستراتيجية والنموذجية رغم بعض التباينات فى بعض القضايا، كذلك تأتى العلاقات بين مصر وكل من روسيا والصين فى نفس سياقات الصداقة الإستراتيجية رفيعة المستوى وعلى كل المستويات.
كما أن العلاقات المصرية مع الهند واليابان وإستراليا والأرجنتين والبرازيل وكوريا وكل الدول الآسيوية يحيطها جميعا الدفء والاستقرار والتعاون، ومن نافلة القول إن العلاقات المصرية- الأفريقية علاقات عضوية فإفريقيا الدولة المصرية لا تخطئها عين، وتعتبر الدولة المصرية دائما ان القارة الأفريقية هى الحضن الإستراتيجى الدافئ للدولة المصرية على مر التاريخ، أما العلاقات المصرية- العربية فهى علاقة الشقيقة الكبرى بأشقائها وشقيقاتها دون زيادة أو نقصان، وتبقى الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: تعتبر مصر دولة محورية مؤثرة فى النظامين الإقليمى والدولى
ثانياً: تعتبر مصر الدولة المركزية الأهم والأكبر فى الإقليم فلا سلام ولا استقرار بدونها.
ثالثاً: مصر بموقعها الجغرافى هى الضمانة الأساسية للحفاظ على الأمن ليس فى الإقليم فقط وإنما فى أوروبا خاصة فى قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
رابعاً: مصر هى الراعى الصادق الواعى للقضية الفلسطينية عبر تاريخها وتحملت حروبا ودفعت العديد من الفواتير ومازالت هى الخاسر الأكبر فى تحمل تداعيات ونتائج تلك الحروب المتتالية.
خامساً: تتحمل مصر دون غيرها تداعيات ونتائج الصراعات فى كل من ليبيا والسودان واليمن وما تحمله هذه الصراعات من مخاطر انهيار الدولة الوطنية والجيوش الوطنية ومخاطر تقسيم ما هو مقسم وتفتيت ما هو مفتت.
سادساً: ترى مصر أن المليشيات والجماعات المسلحة من دون الدول هى أخطر ما يواجه المنطقة والإقليم برمته.
سابعاً: ترى مصر التعاون والتكامل من أجل حق الشعوب فى الحياة ودفع حركة النمو والتنمية المستدامة إلى المكانة التى تستحقها.
ثامناً: ترى مصر أن الحروب لا تحل المشاكل والصراعات، لكن الحوار وإدارة الأزمات بحكمة بالغة هو السبيل الوحيد للاستقرار، هذه لمحة سريعة عن الدبلوماسية المصرية والمبدأ العام الذى يحكمها وهو « الاتزان الإستراتيجي» لذلك فهى دولة مستقيمة.