إعادة تأهيل النسيج العمرانى مع الحفاظ على الهوية الثقافية
أعشق كل ما هو قديم ، تبهرنى الأماكن الأثرية والمبانى القديمة ،التى تفوح بالأصالة وعلى جدرانها استلهم الحكايات التاريخية ،التى تمنحنى طاقة البقاء والقدرة على المعافرة ،للنجاة من الحرب التى تدخلنا فيها الأحداث المحيطة مكرهين ،وما أصعبها حرباً فقدرة تلك الأماكن على البقاء رغم محاولات العدوان والتشويه كفيلة بأن تمنحك الأمل لتبقى رغم كل شئ .
كثيراً ما كان يقتلنى مشهد تلك البنايات العتيقة، التى دفنت وسط الكتلة السكنية وهى تقف عاجزة عن البوح بأسرارها، والحكى عمن سكنوها، والأسباب التى دفعتهم لتشييدها، فالأماكن وحدها القادرة على حفظ التاريخ منزهاً عن أى هوى، وما حدث فى بعض الأماكن التاريخية هو قتل عمدى أرادوا من خلاله وأد التاريخ حياً .
ومع الجمهورية الجديدة، جاء مشروع إعادة إحياء القاهرة التاريخية بمثابة انتصار للقاهرة التى عانت لسنوات طويلة من العشوائية، وبات المشهد بشوارعها صادماً حتى كانت راية التطوير التى بعثت الحياة فى الأماكن من جديد، فها هو سور مجرى العيون يتخلص من عشوائية المدابغ التى طمست أثراً فريداً وكادت تغتال بقاياه ،وها هى منطقة السيدة زينب تلفظ العشوائية لتكشف عن جمال القاهرة الفاطمية بمبانيها الإسلامية ،ويمتد الأمر لمنطقة الفسطاط واحدة من عواصم مصر القديمة لتستعيد تاريخها بمجموعة من مشاريع التطوير تتكامل فيما بينها لتصنع حالة فريدة من الجمال ،كان من الصعب تحقيقها فى ظل العشوائية التى كانت تئن منها القاهرة .
وسط هذه الأجواء العظيمة تلقيت دعوة لحضور المؤتمر الخاص بالإعلان عن مشروع «بيوت الخليفة» والذين اختاروا له أثر «سبيل أم عباس» مكاناً لكشف تفاصيل المشروع الذى يشرف عليه المجلس الأعلى للآثار من خلال التعاون بين القطاع الخاص ممثلاً فى شركة مدينة مصر والمجتمع المدنى ممثلاً فى جمعية الفكر العمرانى لترميم المبانى الأثرية وإعادة تأهيل النسيج العمرانى مع الحفاظ على الهوية الثقافية وتحسين جودة الحياة لسكان شارع الركبية بمنطقة الخليفة ضمن مشروع تطوير مسار أهل البيت .
ويأتى مشروع « بيوت الخليفة « الذى يمتد على مساحة 3 آلاف م2 ليعيد تاريخ الأثر وغيره من المبانى الآثرية التى تزخر بها المنطقة حيث يتضمن ترميم مبنيين تاريخيين، وتجديد 19 واجهة لمبانيٍ حديثة، وتطوير المساحات العامة بمساحة 1200 م2 عبر التبليط والتشجير والإنارة بجانب إنشاء مزرعتين حضريتين يتم ريّهما بمياه جوفية تم جمعها من مشاريع خفض منسوب المياه الجوفية فى المواقع الأثرية، وتعزيز الصناعات التراثية، وتوفير فرص تعليمية ومهنية، فى إطار الحرص على تحقيق تنمية مستدامة والحفاظ على التراث المصرى وإبراز مكانة القاهرة كوجهة سياحية عالمية.
المشروع هو تواصل للدور الذى بدأته الدولة لاستعادة تاريخها ،وتجسيداً للمسئولية المجتمعية لدى القطاع الخاص لمساعدة أهالى المنطقة عبر تحقيق جودة الحياة فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى إزالة التراب الذى عشعش فى كنوزنا الأثرية لسنوات طويلة وآن الأوان أن تنفضه ،فتحية للمهندس عبد الله سلام على مبادرته العظيمة من خلال شركة مدينة مصر والتى أتمنى أن تمتد لغيرها من الشركات فنحن جميعاً شركاء فى بناء الجمهورية الجديدة من خلال إعادة إحياء تاريخ مصر القديمة .
وتحية خاصة للقائمين على جمعية الفكر العمرانى، برئاسة الدكتورة مى الإبراشى ،على ما يقدمونه من مساهمات فى إطار مبادرة « الأثر لنا « ،والتى نجحت بجانب إحياء تاريخ تلك المناطق فى تحقيق التمكين الاجتماعى والاقتصادى لأهالى المنطقة فى حالة يمتد معها أثر سبيل أم عباس .