سنوات طويلة مضت والدولارالأمريكى يتحكم فى الاقتصاد العالمى من خلال قوته وتأثيره على الاقتصاد بشكل عام وبسبب تعامل غالبية الدول بالدولار من خلال صادراتها ووارداتها مما جعل العملة الخضراء تهيمن على الاقتصاد العالمى، والحقيقة الغائبة ان قوة الدولار الأمريكى لم تكن بفضل ما تنتجه أمريكا، بل كان بفضل ما تستطيع شراءه فقط، وهنا إذا توقفت الصين عن البيع فسيصبح الدولار مجرد ورقة ليس لها قيمة، وفعليا لم يعد العالم يصدق هذه الوهم الأمريكى، خاصة بعدما كشفته السياسة المالية التى يتبعها الرئيس ترامب وهو ما ينذر ببداية لتغيير كبير فى شكل الاقتصاد العالمى كله، وربما يصبح أشد قسوة مما حدث فى الأزمة الاقتصادية المالية عام 2008 لأن مايحدث هذه المرة يتعلق أيضا بسمعة الدولة الأمريكية نفسها.
وتصريح الملياردير الامريكى راى داليو مؤسس شركة بريدج وتر للاستثمار، كواحدة من أكبر صناديق التحوط فى العالم والذى توقع أزمة 2008 « ان أميركا على أعتاب كساد أسوأ من 1930 وان الاقتصاد الأمريكى يقف على حافة الهاوية ويعيش الآن تغييرات عميقة فى النظام الداخلى والعالمى تشبه إلى حد كبير ثلاثينيات القرن الماضى، هى تصريحات تثير القلق لأن تلك الفترة شهدت أكبر كساد اقتصادى فى التاريخ الحديث، والأخطر انه حذر من أن هناك قنبلة موقوتة تقبع فى قلب الاقتصاد الأمريكى، وهى الدين القومى الذى وصل إلى أرقام فلكية تتجاوز 36 تريليون دولار وستصل مدفوعات الفائدة على هذا الدين إلى 952 مليار دولار فى 2025، لترتفع إلى 1.8 تريليون دولار بحلول 2035، وهو ما وصفه داليو بـ»انهيار النظام النقدى» واصفا التعريفات الجمركية التى فرضها ترامب بـ»المضطربة للغاية» وتؤثر سلبًا على الثقة فى الاقتصاد الأمريكى.. فهل يا ترى نحن فعلاً على أعتاب تغيير تاريخى فى النظام الاقتصادى العالمى؟!
فى الجهة المقابلة أصبح اليوان الصينى خامس العملات الأجنبية استخداما بعدما كان فى المركز الثلاثين عام 2011 فى ظل الدعم الروسى واستخدام اليوان الصينى فى تعاملاتها بنسبة 23% بعدما كانت 3% العام الماضى، وكذلك فرنسا التى تتعامل مع الصين فى استيراد الغاز باليوان، وأيضا سمح صندوق النقد الدولى للدول بالاقتراض باليوان، والأمر المهم ان الصين قررت رسميا خفض الاعتماد على الدولار وبالتالى البنوك الصينية سوف تقلل تعاملاتها بالدولار،وتعتمد بدلا منه إما اليوان الصينى أو الذهب كبديل، والقرار الصينى فى هذا التوقيت مهم للغاية لأنه أول إعلان رسمى من دولة عظمى بهذا الشكل، وسابقا كان يتم تداوله على شكل مفاوضات فى البريكس، وإقرار ذلك فى عمليات تبادل تجارى منخفضة القيمة وبعيدة عن السوق الغربية، أما الآن فالوضع اختلف والصين رسميا أخدت قرارها بالتخلى التدريجى عن الدولار، وبالتالى الاقتصاد الصينى سوف يدعم هذا التخلى بقروض ومساعدات وإنتاج مضاعف وغزو للسلع الصينية لكل دول العالم ربما أكبر مما نشهده الآن، فالصين ملزمة بزيادة إنتاجها ليتم تعويض الفاقد من التبادل التجارى مع أمريكا، ولكى يكون التأثير السلبى فى اتجاه واحد بعيدا عن الشعب الصينى، ومن خلال ذلك نلاحظ ان الصين قد عزمت على منافسة العملة الامريكية باليوان.. وبالتالى علينا ان ننتظر هل سينجح الصينيون فى تدمير الدولار والذى سيتبعه تدمير الاقتصاد الأمريكى، أم أنها سياسة حافة الهاوية أم أنه سوف يحدث تدخل فى الوقت المناسب؟
كلمة فاصلة:
ببساطة.. الدولار كان أداة لفرض العقوبات والسيطرة الاقتصادية على دول العالم، وتقليص الاعتماد عليه يعنى ضعف قدرة امريكا على استخدام هذا السلاح مستقبلا، ولا ينكر أحد أن الصين مهدت لتلك الخطوة منذ فترة واتفقت مع بعض الدول ليكون التعامل بينها من خلال الصادرات باليوان، وربما فى المستقبل القريب ومع تجاوب غالبية الدول يكون التأثير مختلف اقتصاديا خاصة الدول التى تعتمد بشكل اساسى فى تعاملاتها على الدولار.