على مدار سنوات طويلة عملت كمحررة حوادث وقضايا تابعت خلالها العديد من القضايا ووجدت متعة استكشافية فى قراءة محاضر الشرطة ونصوص التحقيقات والأحكام القضائية وحيثيات صدورها لاكتشاف الحقيقة الساطعة للعدالة فى العديد من الوقائع التى أثارت جدلاً وقت وقوعها بل تحولت فى كثير من الأحيان لقضايا شغلت الرأى العام لسنوات طويلة.
كان يستهوينى الاطلاع على ما سطره المحقق وهو يوجه للمتهم ما جاء فى محضر الشرطة من اتهامات والأخير يحاول نفيها بعبارة «محصلش» الأمر الذى كان يفرض فى كثير من الأحيان استدعاء الضابط محرر الواقعة لسؤاله عن ملابسات الواقعة وظروف الضبط ليستقر فى يقين المحقق ارتكابه للجريمة وهو ما كان يتكرر فى جلسات المحكمة فى بعض الأوقات خاصة فى الجرائم الكبرى.
«عنوانى معلوم لدى جهة عملى « إجابة كثيراً ما كانت تلفت انتباهى فى أوراق التحقيق عندما يكون السؤال موجهاً لأحد رجال الشرطة عن عنوانه وهو أمر حتمى لا جدال فيه حتى لا يكون الضباط عرضة للانتقام من الأخير هو أو أحد من أهليته ولنا فى شهداء الشرطة الذين سالت دماؤهم على يد الخونة والإرهابيين مثالاً بعد أن نجحوا فى الوصول لمحال إقامتهم وتتبعهم واقتناص الفرصة لإزهاق أرواحهم البريئة وفى بعض الأحيان يسقط بعض الضحايا من الذين يتصادف مرورهم وقت الحادث.. هذا الاحتراز الأمنى أمر غير مقبول المساس به ليس لرجل الشرطة فحسب ولكن لأى مواطن فى أى واقعة قد يكون بعدها عرضة للانتقام من المتهم أو أهليته فلا يجوز الإفصاح عن بيانات من كانوا سبباً فى ضبطه وتوجيه الاتهامات له وغالباً صدور أحكام قضائية بحقه.
وتأتى عبارة « تسليم أهالى « تعبيراً عن بعض الوقائع التى يتم فيها الإفصاح عن أماكن اختباء أحد المتهمين لرجال الشرطة من قبل خصومه للنيل منه والتنكيل به خاصة إذا جاء الأمر كنوع من الانتقام لكن هذا لا يمكن قبوله من رجال الشرطة أو جهات التحقيق.
فى شهر رمضان الماضى تعرض ابنى لواقعة سرقة بالإكراه هو ومجموعة من أقرانه وهو ما وجدت معه ضرورة إبلاغ الشرطة وبعد دقائق من الإبلاغ نجح أحد أولياء الأمور فى تتبع المتهمين والإمساك بأحدهم ليكون بعد ذلك دليل رجال الشرطة فى معرفة هوية باقى المتهمين وتتبعهم.. عودة حق ابنى وأصدقائه كان أمرًا مرضيًا بالنسبة لى حتى يتصرفوا فى حياتهم بشكل إيجابى ولا يفسحوا المجال لأى أمر سلبى يؤثر فى مسارهم فى الحياة حتى أننا تركناهم يخوضون تجربة تحرير المحضر بمفردهم .
المفاجأة التى لم تخطر على بالنا جميعاً هى قيام أهلية المتهمين بالاتصال بصغارنا والإلحاح عليهم فى العدول عن اتهامه لتبرئة أبنائهم ليتبين قيام المحامى الخاص بهم بتصوير المحضر من النيابة وهو إجراء قانونى والذى سطر فيه عناوين صغارنا وأرقام تليفوناتهم لنجد أبناءنا قد تم تسليمهم تسليم أهالى لأهلية المتهمين الأمر الذى أثار ذعرنا من رصد تحركاتهم وإلحاق الأذية بهم إزاء رفضنا طلبهم بالتنازل وهو ما فرض علينا عدم تركهم بمفردهم على الإطلاق.
الرعب الذى مازال يسيطر على حتى الآن كان من الممكن ألا يحدث إذا تم تسجيل بيانات أطفالنا لتكون طرف النيابة فقط ولا يتم منحها لمحامى المتهم وهو أمر يجب أن يطبق فى كل المحاضر والتحقيقات ومن هنا أرسل رسالتى للسيد وزير الداخلية والمستشار النائب العام لاتخاذ ما يضمن عدم تمكين المتهمين وأقرانهم من الوصول للمجنى عليهم حتى لا تكون محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة تسليم أهالى لكل من يقرر أن يكون شخصاً إيجابياً ولا يتوانى عن الإبلاغ عن أى خطأ فما أخشاه أن يكون هذا الإجراء سبباً فى عزوف الكثيرين عن اتخاذ ما يحافظ على حقهم.