هذه هى المقالة الثانية التى أتحدث فيها عن العلاقة بين الأمن والفن.. ومن المحتمل ألا تكون الأخيرة فكلما جاءت الدراما والمسلسلات والأفلام تحض على العنف والقتل والقيام بأعمال تؤثر فى أمن وسلامة البلاد والعباد فإن الضمير يحتم على أصحاب الفكر الرشيد والرؤية الوطنية أن يتصدوا لهذه الأعمال حتى ولو جاءت تحت ستار الإبداع الفنى فى حين إنها تمثل انفلاتاً أخلاقياً أو أمنياً وما يشجعنا فى ذلك تعليمات وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة أن تمس تلك الأعمال الفنية عقول الناس وقلوبهم قبل أن تدفعهم لتبنى أساليب العنف والخروج على القانون وإظهار القلة القليلة بل والنادرة من الشعب المصرى على إنها تمثل فئة لا يستهان بها من هذا الشعب المسالم.
لكن هناك إشكالية موجودة بالفعل يجب ألا نتغافل عنها وهى فئة الشباب البالغ من العمر عشرين عاماً.. هذه الفئة لم يكن يتجاوز عمرها فى أعقاب أحداث يناير 2011 «6» سنوات فقط وطوال الفترة حتى 2018 تقريباً لم يشاهدوا أو يسمعوا إلا عن أعمال العنف والبلطجة والإرهاب وتعاطى المخدرات ومقاومة السلطات والمشاركة فى لجان شعبية بعضها من المسجلين الجنائيين يعيثون فى الأرض فساداً.. وعلى الرغم من الجهود الجبارة التى قامت بها الدولة للقضاء على العشوائيات التى كانت أحد منابع الفوضى وإشباع رغبات بعض المخرجين الذين صدروا إلينا أفلاماً تسىء للمجتمع المصرى مثل «هى فوضى» التى تحض على كراهية الشرطة.. و«حين ميسرة» الذى تحض على استسهال التواجد فى الشوارع والحمل سفاحاً من بين أولاد الشوارع وغيرها من الأفلام التى كانت فى وقتها تسمى إبداعاً.. وعلى الرغم من كل ذلك فما زالت هناك أقلام وأفلام تنتشى بعرض تلك النماذج البالية من المجتمع المصرى.
لابد أن نتفق أن هناك اختلافاً فى المزاج العام لدى الشباب نتيجة تلك المرحلة التى مرت بهم وشهدوا خلالها أعمال البلطجة والقتل والنهب وبالتالى فإن أجهزة الأمن بكامل قطاعاتها لابد أن تدرك تلك الحقيقة وتتعامل باحترافية وهدوء للقضاء على حالة الاحتقان التى زرعت داخل الشباب بفعل الشائعات ونشر الكراهية والفتن والوقيعة بين الشرطة والشعب وكذلك لتفويت الفرصة على المتربصين لأى موقف سلبى يحدث هنا أو هناك لإشعال جذوة النيران بين هؤلاء وهؤلاء وليس أدل على ذلك ما شاهدناه فى أحداث يناير 2011 عندما اقتحم الأهالى مركز شرطة كرداسة والاعتداء على كل من كان به من ضباط وأفراد على الرغم من شهادة الجميع بحسن علاقتهم مع أهالى المنطقة إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية نجحت فى زرع الكراهية والعنف وساعدت البعض فى اقتحام المركز مما ترتب عليه استشهاد كل من كان فيه.
بطبيعة الحال فنحن لن نفرض على صناعة السينما أو الدراما أو الإعلام أفكاراً معينة أو محددة فلا شك أن هناك مبدعين حقيقيين تزخر بهم البلاد ويفخر بهم الوطن شاهدنا أعمالاً لهم هذا العام والأعوام السابقة كما سبق أن عشنا مسلسلات كانت الشوارع شبه خالية عندما كانت تذاع على شاشات التليفزيون مثل ليالى الحلمية ورأفت الهجان وغيرهما.. ومن هنا فإن المبدع الحقيقى هو الذى يستطيع أن يستخرج من داخلنا وقائع وقصصاً حقيقية وواقعية موجودة فى حياتنا الواسعة وليس فى مجرد فئة لا تمثل إلا نفسها.
على صعيد آخر فإننا يجب فى الوقت ذاته أن يكون لنا تواجد عالمى يتواكب مع التطور التقنى والذكاء الاصطناعى فى الأعمال الفنية التى تعرض لنا فى الخارج وفى المهرجانات العالمية وألا يكون القصد من حديثنا أن نعرض أفلاماً تاريخية أو وطنية بل بالعكس فإنه لا مانع بل إنه من الضرورى تناول قضايا للعنف والإرهاب والجريمة ولكن يجب أن يتم تقديم هذه الموضوعات بأسلوب لا يجعلها تبدو مبررة أو جاذبة للشباب بل ينبغى التركيز على الجوانب السلبية لهذه السلوكيات.
صحيح ليست كل القصص بحاجة الى النهايات السعيدة ولكن يجب أن يكون هناك على الأقل رسالة إيجابية تشجع المشاهد على التفكير والبناء والسعى نحو التغيير الإيجابى.. وكذلك الحال بالنسبة للقضايا التى تتناول الفقر أو الإدمان أو الاضطهاد بطرق سطحية بهدف إثارة التعاطف اللحظى وجذب المشاهدين دون تقديم معالجة حقيقية لهذه القضايا يجب أن نطرحها للمناقشة حتى لو كان ذلك داخل العمل نفسه لايجاد حلول واقعية لها بدلاً من استغلالها لإثارة الشباب بل والمرأة والأطفال فهى تصل إلى جميع الفئات العمرية وبالتالى فإنه من الضرورى مراعاة تأثيرها على الأطفال والمراهقين سواء من خلال اختيار الموضوعات المناسبة أو تجنب المشاهد العنيفة وغير اللائقة.