فى ظل التحديات الاقتصادية العالمية التى قد تؤثر بشكل كبير على التجارة الدولية، تأتى زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى مصر فى توقيت بالغ الأهمية. تعد هذه الزيارة تجسيدا لرؤية استراتيجية تهدف إلى مواجهة التداعيات الاقتصادية التى قد تشهدها الأسواق العالمية فى الفترة القادمة، كما تعكس التزام البلدين بتعميق التعاون الثنائى وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا.
شهدت العلاقات المصرية الفرنسية تطورا ملحوظا منذ عام 2014، حيث لعبت الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين دورا محوريا فى تعزيز التعاون السياسى والاقتصادي. وتعتبر زيارة ماكرون استكمالا لهذا النهج خاصة فى وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية العالمية نتيجة الإجراءات إحادية من بعض الدول قد تهدد استقرار التجارة الدولية وتفتح الباب أمام الحروب التجارية المستقبلية وتصيبه بالجلطات. فى هذا السياق، لذا تقدم الزيارة حلولا عملية لتعزيز أفق التعاون بين البلدين بما يساهم فى مواجهة هذه الأزمات.
تعتبر الشــراكة الاستراتيجية التى تم الإعــلان عنــها بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الفرنسى خطوة هامة نحو فتح مجالات جديدة للتعاون بين البلدين فى العديد من المجالات الحيوية مثل النقل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، الأمن السيبرانى والصناعة، وغيرها تمثل هذه الاتفاقيات ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة فى مصر، خاصة فى ضوء اهتمام البلدين بتطوير البنية التحتية وتعزيز الاستثمارات الفرنسية فى مصر. وهذا التوجه يعكس العلاقة الاقتصادية المتنامية بين الجانبين والتى لا تقتصر على المشاريع الكبيرة مثل مترو الأنفاق والإسكان، بل تشمل أيضا دعم قطاع الهيدروجين الأخضر والتعليم الفنى والمهني.
تعتبر الاستثمارات الفرنسية فى مصر عنصرًا محوريا فى تعزيز التنمية الاقتصادية فى العديد من القطاعات الحيوية، حيث أسهمت الشركات الفرنسية فى مشروعات بنية تحتية ضخمة، مثل مشروع مترو الأنفاق، الذى يسهم فى تخفيف الازدحام المرورى وتحسين وسائل النقل العامة. كما أسهمت الوكالة الفرنسية للتنمية فى تمويل العديد من المشروعات فى مجالات الصحة التعليم، والبيئة، وهو ما يعكس اهتمام فرنسا العميق والمستمر فى دعم التحول الأخضر فى مصر.
أحد المحاور الأساسية التى تم التركيز عليها خلال هذه الزيارة هو تعزيز التعاون فى مجال الهجرة. حيث تدرك مصر أهمية التنسيق مع فرنسا فى هذا المجال، خاصة فى ظل كونها تستضيف أكثر من تسعة ملايين لاجئ. دعم مصر فى جهودها لمكافحة الهجرة غير الشرعية أصبح أمرًا بالغ الأهمية فى إطار الاستجابة للتحديات الأمنية والإنسانية التى يشهدها العالم فى هذه الفترة.
أيضا، من المهم الإشارة إلى أن هذه الزيارة تأتى فى وقت حساس للغاية من الناحية الاقتصادية والسياسية، حيث تشهد العديد من الدول أزمة اقتصادية قد تؤثر بشكل كبير على الاستقرار العالمي. ولكن من خلال هذه الشراكة الاستراتيجية، يسعى الرئيسان السيسى وماكرون إلى تقديم نموذج يعزز من التعاون الثنائى ويعكس قدرة مصر على مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية، تستفيد مصر من الخبرات الفرنسية فى مجالات الطاقة المتجددة، والنقل، والتكنولوجيا الحديثة، ما يعزز قدرتها على التحول إلى اقتصاد مستدام فى مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية.
على صعيد التعاون الأوروبي، تأتى هذه الزيارة فى سياق الإعلان المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبى لتطوير الشراكة الاستراتيجية بين مصر والدول الأوروبية. هذه الشراكة ستتيح فتح آفاق جديدة لمصر فى مجالات التجارة والاستثمار والتنمية. ومن هنا، يبدو أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا تمثل خطوة متقدمة نحو تحقيق الرخاء المشترك، وتعزيز قدرة مصر على التفاعل بفعالية مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.
تعكس زيارة الرئيس ماكرون إلى مصر ليس فقط قوة العلاقات الثنائية بين البلدين، بل أيضا دور مصر الريادى فى العالم العربى والإفريقى فى مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة. فمن خلال تعزيز التعاون بين مصر وفرنسا، يسعى البلدان إلى خلق بيئة اقتصادية مستقرة، تؤمن لهما مستقبلاً أفضل فى عالم يواجه تغيرات كبيرة فى كافة المجالات.