منذ اللحظة الأولى لبدء زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر، انطلقت الكثير من الرسائل المهمة، وهو ما أبرزته تدوينة الرئيس الفرنسى على وسائل التواصل الاجتماعى قائلاً «وصلنا برفقة طائرات الرافال المصرية فخورون برمز التعاون الإستراتيجى القوى بيننا»، وهو ما يكشف عمق وأهمية وإستراتيجية العلاقات التاريخية بين القاهرة وباريس، والتى وصلت إلى أوج توهجها وازدهارها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى لتشمل كافة المجالات منذ عام 2013 سواء الاقتصادية، أو العسكرية أو السياسية فى ظل تقارب الرؤى ووجهات النظر بين البلدين حول القضايا الإقليمية والدولية والتنسيق والتفاهم المشترك بينهما فى المحافل الدولية، بالإضافة إلى مجالات النقل والصناعة وتوطينها، والتعليم، والصحة، والثقافة وغيرها من المجالات التى تشكل أهمية للبلدين.
رسائل كثيرة انطلقت مع بدء زيارة الرئيس ماكرون، عكست ما تتمتع به مصر من قدرات وأمن وأمان واستقرار، واصطفاف والتفاف وحب المصريين لقيادتهم السياسية، وأيضاً القدرة الفائقة للدولة المصرية والثقة بالنفس على تأمين شخصية دولية مرموقة مثل الرئيس ماكرون، ولعل زيارة الرئيس السيسى يرافقه نظيره الفرنسى وجولتهما فى أحياء الحسين والجمالية وخان الخليلى حملت هذه المعانى والرسائل القوية، وجاء حديث الرئيس السيسى معبراً ومجسداً لأسمى معانى التعايش منذ عشرات السنين، فهنا كان يعيش الجميع مسلمون ومسيحيون ويهود وأرمن، على هذه الأرض الطيبة ولم تكن مصر يوماً بلداً للعنصرية أو التمييز أو الاضطهاد، بل التعايش والتسامح والسلام رغم اختلاف الأديان والثقافات والعقائد.
زيارة الرئيس الفرنسى للمتحف المصرى الكبير حملت أيضاً دلالات ورسائل مهمة أن مصر هى أرض الحضارة والتاريخ، وما يجمع بين البلدين من ميراث ثقافى وحضارى.
الحقيقة أن الزيارة والقمة المصرية ـ الفرنسية تأتى فى وقت شديد الدقة تمر به المنطقة والعالم حيث تشتعل التوترات والأزمات والصراعات والحروب العسكرية والاقتصادية، فالعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وحرب الإبادة والتطهير العرقى الذى يشنه جيش الاحتلال والضرب بعرض الحائط لقواعد ومبادئ ومعايير النظام العالمى، والقانون الدولى والإنسانى من أجل تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أصحاب الأرض وطردهم من أراضيهم واغتصاب حقوقهم المشروعة، وتهديد الأمن القومى لدول الجوار كل ذلك ينذر بمخاطر جمة، ترتبط بإشعال حرب إقليمية وأيضاً فى ظل الكشف عن نوايا أمريكية ـ إسرائيلية بتنفيذ هجوم على إيران لذلك فإن القمة الثنائية بين الرئيسين السيسى وماكرون أو الثلاثية بين مصر والأردن وفرنسا تمثل نقطة محورية من أجل التهدئة والوقف الفورى لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية فى ظل الأوضاع الكارثية والمأساوية التى يتعرض لها الفلسطينيون فى غزة، وتدمير كل شىء، واستمرار آلة القتل والإبادة، وتأتى أهمية هذه الزيارة للرئيس ماكرون أن هناك توافقاً «مصرياً ـ فرنسياً» حول ما يحدث فى قطاع غزة، وهو وقف العدوان، ورفض التهجير، وأنه لا سبيل عن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967 وتعرض الجانب الفرنسى والرئيس ماكرون لهجوم صهيونى كبير من حكومة المتطرفين بسبب موقف باريس الداعم للحق الفلسطينى وإدانة جرائم وانتهاكات دولة الاحتلال وهناك رسائل فرنسية خلال زيارة الرئيس ماكرون يوجهها إلى الفلسطينيين بالقرب منهم، رسالة تضامن، وإنسانية ورفض لحرب الإبادة ضد شعب أعزل.
القمة الثلاثية، المصرية ـ الفرنسية ـ الأردنية فى حضور الملك عبدالله الثانى بن الحسين ستكون لها أيضاً أهمية كبيرة.. فى التمسك بالمواقف الثابتة للقاهرة وعمان فى التأكيد على الرفض القاطع لمخطط التهجير.
الحقيقة أن باريس فى أشد الحاجة للقاهرة فى الكثير من الملفات، «وفرنسا ـ ماكرون» تسعى إلى استعادة شخصية فرنسا العظمى التى تبحث عن استقلالية القرار الأوروبى ومصالح القارة العجوز خاصة بعد مواقف وقرارات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، والحرب الاقتصادية التى أعلنها على العالم برفع الرسوم الجمركية للسلع والبضائع التى تأتى إلى أمريكا، كما أن التواصل والتقارب الأمريكى الروسى حول أوكرانيا وتجاهل أوروبا تماماً أثار حفيظة فرنسا والاتحاد الأوروبى، وهذا ليس رأيى ولكن واقع، كل ذلك يدفع ماكرون لاستعادة الدور الفرنسى، والأوروبى، بداية من الشرق الأوسط، ولأن مصر حليف إستراتيجى والدولة الأكبر فى الشرق الأوسط، وما يربط البلدين من علاقات تاريخية وإستراتيجية فى كافة المجالات، فإن مصر قادرة على تحقيق الاستفادة المتبادلة التى تصب فى مصلحة القاهرة وباريس، وإشهار الأوراق المؤثرة فى وجه محاولات الإضرار بمصالح البلدين من قبل قوى أخرى وعلى مدار السنوات الماضية شهدت علاقات البلدين تطوراً غير مسبوق، وصل إلى حد الشراكة الإستراتيجية على كافة الأصعدة الاقتصادية، ونراها فى مساهمة الشركات الفرنسية وخبراتها فى أكبر عملية تنمية شهدتها مصر، فى كافة القطاعات، والأحد الماضى كان الرئيس السيسى فى اجتماع مع رئيس مجلس إدارة الشركة الفرنسية «الستوم» ودورها فى توطين صناعة النقل والسكك الحديد، وأيضاً فى مجال مترو الأنفاق والخط السادس، وإدارة وتشغيل وصيانة المونوريل والمجمع الذى يحمل اسم الشركة العملاقة فى برج العرب، وفى هذه الزيارة المهمة، ستكون هناك آفاق أكبر للتعاون الاقتصادى والتنموى وتوطين الصناعة فى مصر، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات الفرنسية والتعاون فى مجالات الصحة والتعليم، والنقل، والطاقة والتنمية ودعم وكالة التنمية الفرنسية لكثير من المشروعات من هنا جاءت أهمية المنتدى الاقتصادى بين البلدين الذى حضره الرئيسان السيسى، وماكرون وهو ما يشكل نقلة كبرى فى مجال العلاقات الاقتصادية وجذب الاستثمارات فى ظل الفرص الكثيرة والواعدة التى تملكها مصر ـ السيسى بعد 11 عاماً من البناء والتنمية بشكل مخطط وممنهج يستند على رؤية وتهيئة كافة السبل لخلق اقتصاد مصرى واعد وقوى.. وترى فرنسا أن مصر باتت تمتلك البيئة المناسبة وهى الباب الرئيسى لدخول الأسواق الأفريقية، والآسيوية، فى ظل ما لديها من إمكانيات وموقع جغرافى وبنية تحتية عصرية والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لذلك فإن باريس تسعى إلى اللحاق بقطار المستقبل الواعد. أيضاً لدى فرنسا فرص وإمكانيات هائلة يمكن أن تقدمها لمصر، خاصة فى مجال التكنولوجيا، والاستثمارات والصناعة والصحة والتعليم.
من المؤكد أن زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر هى زيارة فريدة من نوعها فى خصوصية التوقيت، ودقته، وعمق الملفات والمجالات التى تشملها عملية ترسيخ الشراكة الإستراتيجية، لذلك أقول «ياسعد من ترضى عنه مصر ويخلص النوايا معها» والعكس لأن القاهرة فى عهد السيسى هى الضامن لتبادل المصالح والأمن والاستقرار، والنهوض لذلك فإن الزيارة تقدم للمصالح المشتركة والمتبادلة لبلدين ينظران إلى المستقبل وما يحمله من فرص.