النعمة هبة من رب العالمين فإن لم يحسن الموهوب التصرف بشكل سويّ مع هذه النعمة والتأقلم مع الحياة الجديدة وبما أنعم الله عليه من مال فهذه هى المصيبة فمن أصعب المراحل التى يمر بها البعض هى الغنى بعد الفقر فلا أتعس من محدث نعمة فتجده ينسلخ من جلده يحاول أن يقلد من سبقوه فى طريق الغنى فيأتى بالعجائب هو الصنف الذى عاش طويلاً يعانى ثم أصبح ذا نعمة وثراء فى وقت سريع فيتباهى بعرض ثروته ببذخٍ خالٍ من الذّوق ينمُّ عن تصنُّعٍ وغباءٍ مثيرَيْن للسُّخرية هناك فئة إذا ما دخل عليهم رزق بسيط حتى يعتقدوا أنهم قد أصبحوا يملكون الدنيا وما فيها فتراهم دائما كأنه لم يسبق لأحد أن امتلك غيرهم كما ملكوا هم فتجد محدث النعمة يتكلم عما قد اشتراه وما ملكه أما أولاد النعمة لا يتكلمون بهذه اللغة أو اللهجة بل إنها غير مهمة لأنهم أساسا معتادون على هذه الأشياء ولا حاجة لأن يعرف أحد أنهم يملكونها لأنها غير أساسية عندهم بل إنهم يحاولون جاهدين أن يتواضعوا لأبعاد صفة الكِبر عنهم على عكس حديثى النعمة يتفاخرون بأقل الأشياء ارتباط حداثة النعمة أو الثروة المفاجئة بالانجراف إلى الاستئثار والتبذير والإخلال بالصيغة العامة للحياة وإفساد العلاقات الاجتماعية المتوازنة وعندما تصير الثروة مقياسا لا يعود ثمة شىء آخر يمكن اللجوء إليه لتحقيق العدالة فالطريق الأوحد الذى يبقى هو أن يهرع الإنسان لامتلاك أكبر كمية ممكنة من الثروة حتى تكون له كلمة مسموعة وحتى يستطيع أن يفرض إرادته على الآخرين جميعنا يتعامل فى حياته اليومية مع أنواع وأشكال مختلفة من البشر سواء فى العمل أو فى الشارع أو فى الأسواق فيوجد من يترك أثراً سلبياً وأيضا من يترك أثراً إيجابياً فنرى الراقى فى أخلاقه وتعاملاته يسبقه رُقيه ونرى محدث النعمة لا رصيد لديه من الرقى الروحى والنفسى والإنسانى أيا كانت الطرق التى يتبعها محدث النعمة لإخفاء حقيقته فهى غير مجدية ومهما أخفى حقيقته تكون واضحة وضوح الشمس وهنا أذكر مقولة الإمام على )رضى الله عنه( قال: اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت فإن الخير فيها باقٍ ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت فإن الشح فيها باقٍ لابد أن نلتفت إلى أن الأهم من النعم المادية المذكورة النعم المعنوية إن من النعم سعة المال وأفضل منها صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب.. وعلى صعيد آخر نجد من لا يغيرهم المال بعد فقر فهى نفوس كريمة أصيلة لا تتغير بتغير الأحوال والأزمان من جهة التقوى ثابتة على مبادئها حتى وإن وصلت إلى أعلى المناصب أو بلغت ما بلغت من الأموال فيذكر قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَّّ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» إذن المال ابتلاء من الله وإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم وليس أكثرهم مالاً قال تعالى: «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَُّّه لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ» اتقى شر محدث النعمة فهو كالمفجوع يريد أن يلتهم كل شىء ويحصل على أكبر قدر، سهل تغييبه سهل توجيهه بلا مبادئ فاقداً للقيم. محدث النعمة أو الأغنياء الجدد مصطلحات تصف شخصاً جاء من خلفية اجتماعية متوسطة ثم أصبح ثريا، وفى الغالب إن هذا الثراء المالى لم يقابله ثراء ثقافى واجتماعى، حيث سيبذل محدث النعم جهودا جبارة لإظهار ثرائه من خلال السيارات الفارهة، والماركات العالمية، وأسلوب الحياة الباذخ، ويقطنون البيوت الكبيرة، أو بالأحرى )يرتدون أموالهم( حتى لا تخطئهم العين، وهم يفعلون ذلك للانتقام من أيام الفقر، ويختلف الأثرياء بطيبتهم عن حديثى النعمة فى كثير من الجوانب أهمها، أسلوب الصرف، فالأثرياء حريصون على عدم تبديد ثرواتهم، فهم يدخرون ويستثمرون أموالهم حتى يتركوها للأجيال القادمة تتوارثها جيلا بعد جيل، أما حديثو النعمة فإنهم يصرفون ببذخ، وتجدهم دائمى الحديث عن المال، فى حين من النادر أن تجد الأثرياء يتحدثون عن المال، حتى انهم لا يظهرون فى الإعلام كثيرا، عكس حديثى النعمة الذين قد يدفعون من أجل أن يظهروا على الساحة المجتمعية. وتجد ذلك حتى فى مناسباتهم، ففى حين يفضل الأثرياء خصوصية البيت، تجد حديثى النعمة ينتقلون من مطعم إلى آخر، يودون تجربة كل شىء، حتى لا يفوتهم شىء، وهم بالأحرى سيحرصون على التصوير والتوثيق والبث على شبكات التواصل الاجتماعى. اللهم لا تجعلنا من محدثى النعمة واجعلنا ممن يحدث بنعمة الله- عز وجل- ويعترف بها ويشكر الله عليها ثم يستخدمها فى مرضاة المنعم بها والاستعانة بها على طاعة الله جل وعلا.
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم