التكنولوجيا النووية هل هى مصدر سعادة ورخاء وتنمية للمجتمعات المتواجدة فيها ام لها اثار سلبية على البيئة والمجتمع والايدى العاملة وكيف كانت الاثار التنموية لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى ببدء تنفيذ مشروع الضبعة والبرنامج النووى المصرى بعد أكثر من 60 عاما من الاخفاقات وما النتائج التى تنتظر منطقة الساحل الشمالى من هذا المشروع؟ هذه الاسئلة اجابت عنها «الجمهورية» من خلال زيارتها لاحدى المنشات النووية الروسية الهامة لانتاج الكهرباء وهى نموذج مشابه كثيرا لمحطة الضبعة النووية المصرية الجارى تنغيذها بالساحل الشمالي.
الزيارة نظمتها شركة روساتوم المنفذة لمحطة الضبعة النووية إلى مفاعل كالينين الروسى الشهير والذى يعمل منذ الثمانينيات ويعطى قدرة كهربائية تبلغ أكثر من 4000 ميجا وات وهو مشابه لمحطة الضبعة النووية الا ان محطة الضبعة تتميز عنة فى امور فنية كثيرة تتعلق بالأمان سيتم عرضها فى السطور القادمة.
انطلقت الجولة بالقطار وبعد حوالى ساعتين وساعة بالاتوبيس وصلنا إلى موقع المفاعل النووى الروسى وكان فى استقبالنا روسلان اللييف كبير مهندسى المفاعل وقيادات المحطة حيث اصطحبونا فى جولة للتعرف على كل عوامل الامان والسلامة التى تتوافر بها تمهيدا لتطبيق هذه العوامل فى محطة الضبعة النووية المصرية مؤكدين ان المحطات النووية هى الاكثر امانا والجديرة بحماية البيئة وتحقيق صفر انبعاثات كربونية ووقف الانبعاثات الضارة وغازات الاحتباس الحراري.
بدات الجولة بزيارة مركز التحكم للوحدة الرابعة للمحطة حيث تتم مراقبة كل اعمال الادارة والتشغيل من خلال هذا المركز من خلال عمال مختصين لا يمكنهم ترك مواقعهم لمراقبة عمل المفاعل والتوربينات وتوفير كل المعلومات الدقيقة عن اعمال التشغيل ومراقبة كل جزء من اجزاء المحطة للتاكد من سلامة العمل حيث تتم كل الاعمال بدقة متناهية وبعد ذلك تمت زيارة التوربينات العملاقة التى تعمل بالبخار الناتج من تبخر الماء من خلال درجات الحرارة المرتفعة الصادرة من المفاعل لتشغيل التوربينات التى تبلغ القدرة القصوى للواحدة أكثر من 1070 ميجا وات وذلك لتشغيل المولد لانتاج الطاقة الكهربائية حيث تعمل كل هذه الأجهزة آلياً ودون تدخل من العنصر البشرى ومنها شاهدنا وسائل التى تتحكم فى تركيب وفك المعدات لاجراء اعمال الصيانة وبعد ذلك تم تفقد اجزاء من المحطة ليتم بعدها عقد مؤتمر صحفى لتوضيح كافة المعلومات حول الامان ووسائل تشغيل المحطه.
وكان السؤال الأول لـ»الجمهورية» عن معالجة المخلفات خاصة مياه التبريد وتوفير وسائل التبريد للمفاعل بما يضمن عدم تكرار حادثى تشرنوبل وفوكشيما الياباني؟
أكد روسلان اللييف كبير مهندسى المحطة، انه لا يمكن مقارنة التطور التكنولوجى ووسائل الأمان فى تشغيل المحطات الروسية بما حدث فى محطة فوكشيما خاصة وان الموثوقية متاكدة ومتعمقة فى التكنولوجيا النووية الروسية.. مؤكدا ان روسيا تستفيد من أى حادث نووى طارئ فى العالم لدراسته وايجاد سبل التعامل معه والدروس المستفادة منه لتطبيق اجراءات جديدة فى التصميمات الروسية بما يمنع حدوثه فى المفاعلات الروسية ومنها محطة الضبعة المصرية التى تم اضافة العديد من عوامل الامان التى لا تتوافر فى المفاعلات المشابهة لها حاليا وتشمل هذه الاضافات توفير وسائل اضافية لامداد المحطة بالكهرباء فى حالات الطوارئ وانقطاع التيار من خلال وحدات توليد تعمل بالوقود البترولى وكذلك توفير وسائل تبريد اضافية كما ان المحطة فى الضبعة تتميز بوجود المياه الكثيرة على ساحل البحر المتوسط مما يجعلها لا تحتاج لابراج تبريد وهذه الاجراءات تم وضعها فى التصميمات للمشروعات النووية الروسية المستقبلية والحالية واصبحت جزءا لا يتجزأ من تصميم محطة الضبعة.
وهناك العديد من الرقابة للتاكد من السلامة بما يضمن تشغيل المحطة بالطاقة القصوى وتجنب اى مشاكل وهناك قوانين داخلية فى كل محطة تعتبر ارقى واقصى صرامة على مستوى العالم لضمان امن المواطن وضمان توافر كل الاسباب التى تؤمن السلامة.
وأشار روسلان اللييف إلى ان المحطة تضم عدة اجزاء خلال مراحل الانتاج وكل جزء يخضع لقاعدة صارمة بالسلامة وكذلك المفاعل وهو كتلة موحدة لديه منظومة خاصة فيما يخص السلامة خاصة تلك التى تتعلق بالاشعاعات التى تضر العمال وهناك موانع تحمى من وصول أى جرعات اشعاعية وتتمثل فى خمس حواجز تخضع لمراقبة وصيانة دائمة طوال العام الاولى منها والمتعلقة بالوقود النووى حيث قلب المفاعل الذى تتم فيه عملية الانشطار وتوليد درجة حرارة عالية 99٪ من الاشاعات الضارة تحدث نتيجة الانشطار النووى وتظل داخل الوحدة دون ان تخرج منها حيث ان الوقود النووى متواجد وسط انابيب معدنية محمية والاشعاعات تظل داخل هذه الانابيب حتى نسبة الـ١٪ المتبقية تظل داخل هذه الانابيب دون ان تخرج للبيئة ثم تقوم الطاقة الحرارية بتحويل الماء الى البخار لادارة التوربينات ثم يعاد استخدامة مرة اخرى فى دورة مركبة لتوفير طاقة اضافية.
وهنا أشار اللييف إلى ان المخلفات والمياه الناتجة من عملية التبريد والتى لابد من التخلص منها يتم التعامل معها باقصى درجات الامان تحسبا لوجود نسب اشعاعية قليلة وحتى لا يتأثر السكان والبيئة المحيطة بالمحطة علما بأن المياه الناتجة عن التبريد لا توجد بها اشعاعات بنسبه 100٪ لكن يتم تطبيق المحاذير ولا يتم ارجاع هذه المياه لمصدر المياه الاصلي، بل يتم وضعها فى قناة خاصة حفاظا على الامان. اما الحاجز الثالث فيتمثل فى ان الوعاء الذى تحدث به العمليات الانشطارية وهو عبارة عن وعاء خرسانى قطرة 45 متر واقل سمك بة متر واحد وكل المعدات الموجودة داخل المحطة ليس هناك تواصل بينها وبين الخارج وهى محمية تماما، ولا تتأثر بالعوامل الخارجية مثل الزلازل والاعاصير ولا تتأثر بالحوادث مثل حوادث الطائرات او ما شابه.
وأضاف روسلان ان روسيا لا تستعمل الغاز لانتاج الكهرباء وان 82٪ من الطاقة الكهربائية المنتجة بها من المحطات النووية حيث ان هناك جدوى اقتصادية كبيرة من استغلال المحطات النووية لانتاج الكهرباء فالكيلو جرام من اليورانيوم يوفر طاقة كهربائية تعادل 100 طن من الفحم (أى ما يوازى وزن مكوك فضاء أثناء الطيران فى المدار) أو80 طن من الوقود أو 600 طن من الغاز. ويتم استهلاك 70 طنا من الوقود النووى لتشغيل المحطة لمدة عام ونصف، يتم خلالها توفير 7 ملايين طن فحم حجري، كما ان تكلفة الكيلو وات من الطاقة المنتجة من الفحم تبلغ واحد روبل مقارنة باقل من روبل للمحطات الحرارية البترولية بينما تبلغ تكلفة الكيلو ات من المحطة النووية أقل بـ95٪، كما يعمل بالمحطة النووية اكثر من 3400 عامل بصورة مباشرة بالاضافة إلى 6500 وظيفة غير مباشرة فى الصناعات المغذية والمكملة لعمليات التشغيل والادارة للمحطة، مما يؤكد على الجدوى الاقتصادية للمحطات النووية. .وهناك ايضا جدوى اجتماعية؛ فالمحطات النووية تساهم فى تنمية المجتمع المحيط وتوفير الخدمات الاساسية له فموقع هذه المحطة عندما تم اختياره لم يكن به اى منشآت سوى مدرسة واحدة، واليوم، اصبحت مدينة كاملة تضم أكثر من 28,000 نسمة وتتوافر بها كافة الخدمات نتيجة للجهود التى تساهم بها شركة روساتوم لتطوير المجتمع المحلى حيث تم رصد أكثر من مليار روبل خلال ست سنوات للخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والانشطة المختلفة فى هذه المدينة وهناك احد أهم مراكز العلاج بالطب النووى لتقديم الخدمات للمواطنين.
فى ختام تصريحاته لـ»الجمهورية» أشار روسلان، إلى ان استخدام الطاقة النووية هو الحل الوحيد للتغلب على التحديات البيئية والتخلص من التلوث حيث لابد من الوصول إلى مصادر نظيفة للطاقة وان الطاقة المائية لا يمكنها ان تلبى الاحتياجات المتزايدة للعالم من الكهرباء فمثلا محطة توليد كهرباء المائية بأسوان فى مصر لا تتوافر الظروف المناخية والجغرافية لتكرار هذه المحطة فى عدة مناطق وبالتالى لا يمكن ان تكون هناك مشروعات مماثلة لها كذلك الطاقة الشمسية التى تحتاج إلى الواح كثيرة ومساحات كبيرة من الاراضى وينتج عنها مشاكل فى التخلص من هذه الالواح بعد انتهاء عمرها الافتراضى وفى روسيا هناك قرار باضافة 25٪ من الطاقة التى تحتاجها روسيا حتى عام 2045 من المحطات النووية للتغلب على مشاكل المناخ.