لا يختلف اثنان فى كون الخطاب الدينى كان مختطفا قبل ثورة 30 يونيو .. بعدما انتشرت مفردات القتل والتخوين والتشكيك والعنصرية والتعصب والتدين المظهرى ضمن مفردات المتحدثين فى الدين من جماعات التطرف والإرهاب.. وكاد المجتمع المصرى أن يدخل نفق الاقتتال نتيجة ممارسات الاقصاء التى قامت بها جماعة الإخوان وأذنابها ضمن مخطط أخونة مصر.. لكن القدر كانت كلمته العليا، حينما كشف للمصريين حقيقة تلك الجماعة وخداعها.. فخرجوا فرادى وجماعات فى ثورة 30 يونيو لإعادة التسامح المصرى الذى كاد يصل حد العداء الممزوج بالدم.
قيادات المؤسسة الدينية تحدثوا لـ «الجمهورية» عن جهود دولة 30 يونيو فى إنقاذ المجتمع من هاوية العدوان إلى ساحة المحبة والتعاون حيث أكد د. شوقى علام مفتى الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم أن الخطاب الدينى يعكس منهجية حركة الحياة لجميع العقائد والتشريعات السماوية، وإذا انحرف ذلك الخطاب عن طريقه فإنه يصيب الإنسان بحالة من التشوه السلوكى والأخلاقي، وينتج عن ذلك سلبيات مجتمعية، نتيجة غياب مفاهيم الورع والخوف من العقاب الإلهي، والإيمان بالحلال والحرام، فتكثر المفاسد التى تحول دون تحقيق التنمية أو الأمن المجتمعى مثل السرقة والرشوة والفساد والانحلال والإلحاد.
مضيفًا أن السَنَة التى حَكَمَ الإخوان فيها مصر رصدنا خلالها أن المجتمع كان يقف على شفا حرب أهلية لا محالة، نتيجة حرص جماعة الإخوان بكل طاقتها أخونة مؤسسات الدولة، فى ممارسة فعلية لعملية إحلال للمؤسسات الرسمية بكيانات بديلة؛ وهذا جعل الناس مشحونة، بعدما رفع الإخوان شعار إقصاء المخالفين سياسيًّا أو دينيًّا، إضافة إلى استفزاز المصريين جميعا عند محاصرة الكاتدرائية عبر أذناب الإخوان من المتسلفين، وبعدما تمكن اليأس من قلوب الجميع جاء نصر الله على يد شباب يعرف قيمة وطنه ومقامه لا يخافون فى الحق لومة لائم وأيدهم الله تعالى بنصر من عنده ليعيدوا التسامح إلى أرض المحروسة، لكن بعد نجاح ثورة 30 يونيو كانت بداية المواجهة التى تحملتها القيادة السياسية المصرية التى أجمع عليها المصريون لإنقاذ وطنهم من طريق الضياع المحتوم الذى كان يقوده إليه جماعات التشدد والانحراف، ومنذ عام 2014 بدأت المؤسسات الدينية المواجهة المزدوجة فى تفنيد أفكار العنف والتشدد، وبناء العقول بأفكار الخطاب المسالم المتسامح، وإعادة الناس إلى دينهم الصحيح، وقد حققت الدولة كافة الدعم للمؤسسة الدينية حتى تحقق أهدافها فى خطة تصحيح مسار الخطاب الديني
أشار د. علام إلى أن دار الإفتاء استطاعت بالدعم الذى حققه لها الرئيس السيسى فى إنشاء مراصد افتائية وفكرية لمكافحة التطرف والعنف وفضح المتشددين، مثل: مرصد الإفتاء لفتاوى التكفير، ومركز سلام، ومنصة هداية، وتطبيق فتوى برو باللغات المختلفة، كما تفاعلنا مع الفضاء الإلكترونى بإنشاء 18 صفحة بمجموعة لغات وقد بلغ عدد متابعيها قرابة 15 مليون، و تدشين صفحة فاعلة عنوانها «داعش تحت المجهر» بالإنجليزية والعربية، و تفاعلنا مع الشباب عبر الإنستجرام والتيك توك واليوتيوب، وحتى لا نقف عند حدود المركزية قمنا بإنشاء فروع لدار الإفتاء فى محافظات مصر بهدف تعزيز قنوات الاتصال مع الجمهور، والتيسير عليهم للحصول على الفتوى الصحيحة من أمناء الفتوى المتخصصين بدار الإفتاء، كما أطلقت دارُ الإفتاء وحدة إنتاج فنى وبثِّ مباشر على صفحتها الرسمية يوميًّا، حيث يجيب علمؤئها عن تساؤلات المتابعين، وكانت حصيلة هذا الجهد وغيره من الجهود أن دار الإفتاء استطاعت إصدار قربة 18 مليون فتوى خلال العشر سنوات الماضية، بما يعكس مدى ثقة المواطن فى مؤسساته الدينية وحرصه على معرفة دينه الصحيح بعيدا عن جماعة العنف والتشدد.
فيما أشار د. محمد الضوينى وكيل الأزهر إلى أن الخطاب الدينى ليس مجرد تعبيرات لفظية يتم ترديدها فى المنتديات العامة والثقافية، بل هو ترجمة فعلية لمنهجية الأديان فى السلوك البشرى بأن يكون الإنسان حريصا على محبة وطنه، وترجمة ذلك الحرص فى السعى الدوؤب على ما ينفع الوطن، وترسيخ أصول التدين الصحيح فى نفوس المواطنين بالابتعاد عن التشدد والعنف والتطرف والكراهية، ونشر التسامح عند الاختلاف، والتعاون حال الاتفاق، ودعم مبادئ البناء الوطنى والتعايش المشترك، مضيفا أن الأزهر الشريف به ملايين الطلاب الدارسين فى المعاهد والجامعة من داخل مصر وخارجها من الطلاب الوافدين الذين يمثلون 132 دولة من دول العالم، لذا فإنه قام بأقوى عملية تجديد فى الخطاب الدينى من خلال تحصين هؤلاء الدارسين وإعدادهم وإمدادهم بكل ما يحتاجون إليه حتى يقوموا بالدور المجتمعى فى السوشيال ميديا أو العمل الميدانى لتحقيق، كما استطاع الأزهر الشريف انشاء مرصد عالمى لمكافحة التطرف يعمل بجميع اللغات العالمية فى أوربا وآسيا وأفريقيا، إضافة إلى مركز الأزهر العالمى للفتوي، وإنشاء وحدة بيان، إضافة إلى جهود مجمع البحوث الإسلامية بما يملكه من وعاظ وواعظات ينظمون قوافل توعية فى جميع محافظات مصر ومدتها وقراها استطاعوا خلع جذور التطرف التى كانت تشبه خيوط العنكبوت، وهذا النجاح لم يأت مصادفة بل نتيجة تخطيط ورعاية من الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الذى يؤمن بأن الشرائع السماوية لا تعرف سوى التسامح المطلق بلا عدوان أو بغضاء.
فيما أشار د. هشام عبد العزيز رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف إلى أن التاريخ ذاكرته لا تَضِّل ولا تَنْسَى فقد جاء على مصر زمان اعتلى منابر مساجدها جماعات التطرف والانحراف الذين يملأون عقول الناس ويشحنون قلوبهم بالكراهية وللأسف سيطروا فكريا على قطاعات كبيرة من بسطاء الثقافة الدينية رجالا ونساء ولذلك دخلت وزارة الأوقاف معركة شرسة مدعومة من مؤسسات الدولة المختلفة لاستعادة المنابر ممن اختطفوها، وبعد العودة بدأ التطهير الفكرى من خلال تدريب الأئمة على الفكر الإسلامى الوسطى الحريص على الإنسان والأوطان، وتم انشاء أكاديمية الأوقاف الدولية لتصبح خلية عمل متواصل فى الارتقاء بمستوى الأئمة، كما انتقلت الأوقاف إلى حماية البيوت المصرية من الداخل فقامت الأوقاف بقبول واعظات على سبيل التطوع عقب إجراء اختبارات دقيقة مع تدريبهن على أسس الدعوة الحديثة وقد حققت الواعظات نجاحات خيالية بما يمكن من الوعى فمنهن الطبيبة والمهندسة والأستاذة الجامعية والمتخصصة فى المجال السياحي، وكثيرات من الواعظات يتحدثن لغات مختلفة مما ساعد على تحقيق الانتشار بين فئات شبابية متباينة الثقافة، مضيفا أن الأوقاف دعمت الفكر المتجدد من خلال العناية بالأطفال وفق برامج رعاية فى الصيف كما اغلقت الأبواب الخلفية لدعم أفكار التشدد فى صناديق التبرعات الذى كانت توضع خارج المساجد وداخلها، وتوحيد خطبة الجمعة منعا للشذوذ فى تناول الموضوعات من بعض الأئمة، وتم تنشيط لجان المتابعة لرصد أية مخالفة وتطبيق القانون الجازم على من تثبت مخالفته، وبعد جهد سنوات يمكننا القول: إن الخطاب الدينى أصبح يسير على طريقه الصحيح الذى يبنى ولا يهدم ويُعَمِّرُ ولا يُدَمِّر