مرت 10 شهور على أسوأ حرب تشهدها المنطقة.. حرب لا رحمة ولا إنسانية فيها، يشنها كيان محتل متعطش للدم ينفذ إبادة جماعية فى قطاع غزة لشعب تمسك بأرضه ورفض الخضوع لسياسات تفرض عليه لتنفيذ أجندات لا تسد جوعه ولا تؤمن له العيش بسلام.
على مدار أكثر من 300 يوم عانى الفلسطينيون فى غزة ويلات الحرب العسكرية الإسرائيلية، التى سجلت مجازرها أبشع جريمة ضد الإنسانية، ويتساقط الشهداء فيها على مدار الساعة، نساء ثكلي، وأطفال، وبيوت دمرت، وأسرى انتهكوا فى معتقلات سيئة السمعة.. أمام آلة حرب لا تخضع للقوانين الدولية ولكنها تجد من يساندها فى المحافل الدولية بحق «فيتو» أمريكى يكيل بمكيالين .
ومنذ أول يوم ومصر موقفها واضح. رفضت بحسم مخطط تهجير الشعب الفلسطينى وسعت بكل السبل لايقاف الحرب وحماية وحقن دماء الأبرياء. لكن الاحتلال يصر على مواصلة جرائمه متوهما أنه بذلك يحقق انتصاراً، لكنه انتصار وهمي، يقود المنطقة إلى الحرب الشاملة وربما الفوضي.
انتصارات نتنياهو الوهمية.. تستهدف
ضرب مفاوضات التهدئة والحوار بين إيران وأمريكا.. فى مقتل
التنصل من مسئولية الهزيمة والإفلات من قضايا الفساد.. ودفع واشنطن لحرب إقليمية
كتب ـ أحمد عبدالفتاح:
أقدمت إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسى لحماس إسماعيل هنية فى طهران، بعد ساعات فقط من تنصيب الرئيس الايرانى فى إيران مسعود بزشكيان، فى خطوة تستهدف إشعال شرارة حرب أكبر يمكن جر الولايات المتحدة إليها، وهو الهدف الذى يرنو إلى تحقيقه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة.
ورغم أن إسرائيل نفسها سوف تدفع ثمناً باهظاً جراء توسيع نطاق الحرب فى منطقة الشرق الأوسط برمتها، فإن من شأن هذه السياسة الإجرامية أن تخدم مصالح نتنياهو والتى يمكن أن نسميها لطفاً «انتصارات وهمية» لمهزوم فشل فى أن يحقق أياً من أهداف حربه البربرية ضد قطاع غزة.
ويتصل الهدف الأول بضرب مفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيلى فى مقتل. فقد عارض نتنياهو باستمرار أى اتفاق من شأنه أن ينهى الحرب. وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن نتنياهو تعمد بالتزامن مع الجولات السابقة من المفاوضات، تسريب معلومات حساسة إلى وسائل الإعلام من أجل إفشالها. ويجمع العديد من المحللين أن التوصل إلى الهدنة وما يستتبعها من تبادل للرهائن سيؤدى حتما إلى انهيار حكومته وإنهاء حكمه كرئيس للوزراء. ومن المرجح أيضًا أن يعنى ذلك تعجيل محاكمته الجارية فى قضايا الفساد والتى قد تقوده فى نهاية المطاف إلى السجن. وبالتالى فإن اغتيال الطرف الآخر فى محادثات التهدئة، وبحجم وثقل هنية سوف يؤدى حتما إلى وأدها بالكلية.
ويتعلق الهدف الثانى بالسعى لتوريط المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة كامالا هاريس وربما النيل من شعبيتها لصالح خصمها الجمهورى دونالد ترامب ولا سيما بعدما طلبت من نتنياهو صراحة إنهاء الحرب خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة. وفى حين ألقت إدارة بايدن اللوم باستمرار على حماس فى الفشل فى التوصل إلى اتفاق، هناك إشارات تشير إلى أن هاريس قد تتبنى نهجًا مختلفًا تجاه إسرائيل. وهو ما تأكد لنتنياهو من خلال لغة جسدها الباردة، وتعبيرها عن التعاطف مع معاناة الفلسطينيين، واستعدادها للإشارة علنًا إلى التعتيم الإسرائيلي.
وعلى نفس المنوال أدى اغتيال هنية أيضًا إلى ضرب المفاوضات المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، ولا سيما بعدما أسهم فوز مسعود بيزيشكيان برئاسة إيران فيفتح نافذة صغيرة لإعادةالحوار بين الجانبين، لكن التصعيد الذى أشعلته عملية الاغتيال أدى إلى تقويض فكرة التواصل برمتها. علاوة على أن طهران تعتقد أن إسرائيل تصرفت على هذا النحو بمباركة إدارة بايدن. ففى رسالته إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كتب سفير إيران لدى الأمم المتحدة أن الهجوم «لم يكن ليحدث لولا تفويض ودعم استخباراتى من الولايات المتحدة».ونظراً لمعارضة إسرائيل القديمة لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فليس من قبيل المصادفة اختيار اغتيال هنية فى وقت تنصيب بيزشكيان.
على مدى عقدين من الزمان، سعى نتنياهو إلى دفع الولايات المتحدة إلى خوض حرب مع إيران. وقد واجه آخر أربعة رؤساء أمريكيين ضغوطاً من إسرائيل لمهاجمة إيران. ورغم أن التركيز كان ينصب على البرنامج النووى الإيراني، إلا أن هناك رغبة إسرائيلية فى شن هجوم أمريكى مباشر بحيث يستهدف ما هو أبعد من تخصيب اليورانيوم.
فإسرائيل لديها اعتقاد راسخ بأن إيران تهدد الترتيب الإقليمى الذى يوفر لإسرائيل أقصى درجة من القدرة على المناورة، بحيث تتمكن من ضرب أهداف فى سوريا ولبنان دونما أى رد أو عقاب أو حتى مساءلة. ويعتقد الإسرائيليون أن الاتفاق النووى الذى يمنع إيران من بناء قنبلة لن يُمكن تل أبيب من أن يكون لها اليد الطولى فى المنطقة. والواقع أن تخفيف العقوبات المفروضة على النظام الإيرانى بموجب الاتفاق النووى الذى أبرمه أوباما من شأنه أن يؤدى على الأرجح إلى تعزيز القدرات العسكرية التقليدية لإيران. وتؤمن تل أبيب أن القدرات العسكرية الإسرائيلية لن تتمكن وحدها من الحفاظ على هذا التوازن، فهو يتطلب عقوبات اقتصادية قاسية وعملًا عسكريًا أمريكيًا.ويبدو أن اغتيال هنية والذى جاء أيضاً بعد اغتيال قائد عسكرى كبير لحزب الله فى لبنان .
والحقيقة أن الحرب البربرية التى شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة قبل 10 أشهر، كشفت النقاب عن حماقة نهج كلا من بايدن ونتنياهو، فلم يكن هناك أى دعوات لضبط النفس ولا جهد للتفكير فى عواقبها. وبدلاً من ذلك، أيد بايدن وحلفاؤه الأوروبيون الهجوم الشامل الذى تشنه إسرائيل على غزة. وحتى مع ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين بوتيرة غير مسبوقة، وتفاقم حدةالكارثة الإنسانية يوما تلو الآخر،وإدانة حكومات الكثير من دول العالم والمظاهرات الحاشدة التى هزت مختلف أرجاء العالم للمطالبة بوقف إطلاق النار، لم يُبد بايدن أى استعداد للتدخل لوقف إراقة الدماء.
وفى الوقت نفسه، تشى المناوشات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية والغارات الجوية التى تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع الحوثيين فى اليمن وعلى الميليشيات المدعومة من إيران فى العراق إلى أن الصراع فى حالة تصاعد. خرج بايدن من السباق الرئاسى ولكن سيُذكَره التاريخ بأنه مجرد رئيس أمريكى آخر قلل من قيمة حياة العرب، وبشر بالديمقراطية بينما دعم القمع والعنف الإسرائيلي. الحقيقة المرة أن منطقة الشرق الأوسط اليوم أقل استقرارًا مما كان عليه فى أى وقت فى تاريخها الحديث، وهو نتيجة حتمية لسياسة التدخلات الأمريكية الحمقاء فى شئون دولة والعبث بمقدراته والسطو على ثرواته، والتى استعدت بموجبها شعوب المنطقة وهو بدون شكك الإرث الذى سيستمر لأجيال عديدة.
إسرائيل ترتكب جرائم الحرب.. والفيتو الأمريكى الداعم لها
المجتمع الدولى غير منصف للقضية الفلسطينية .. وقرارات مجلس الأمن حبر على ورق
واشنطن تصف الوضع بالكارثى .. وتعترض على قرارات وقف إطلاق النار
كتب ـ حازم سمير :
مع استمرار عمليات الإبادة الجماعية التى يقوم بها الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة، كان لابد أن يتخذ المجتمع الدولى إجراءات فورية لوقف المحرقة الفلسطينية، من خلال اصدار قرارات ملزمة للكيان المحتل بوقف العدوان، لكن تحيز بعض الدول وعلى رأسها أمريكا، أوقف كافة المساعى والجهود لإنهاء هذا القتل الممنهج لسكان غزة الذين ينتظرون الموت إما بالقصف أو المجاعة.
منذ بداية العدوان الإسرائيلى فى السابع من أكتوبر الماضي، اجتمع مجلس الأمن أكثر من مرة لمناقشة الوضع الكارثى فى القطاع، خارجاً بقرارات يمكن وصفها بأنها حبر على ورق بالنسبة لاسرائيل، التى تعلم تماماً أن أى قرار ضد مصالحها يكون مصيره الفيتو الأمريكي. ومن هنا أصبح هذا المنبر – المسئول عن صون السلم والأمن الدوليين – عاجزاً أمام الرغبات السياسية لأمريكا وإسرائيل.
بالنظر إلى استخدام حق النقض (الفيتو)، نجد الولايات المتحدة لعبت بهذا الحق لصالح حليفتها أكثر من مرة، لا سيما خلال العدوان الأخير على غزة، حيث اعترضت واشنطن على مسودات قرار تقدم بها أعضاء من مجلس الأمن، لوقف إطلاق النار فى غزة، متذرعة فى ذلك بحجة عدم ادانة حماس أوعدم ضمان أمن إسرائيل.
ففى إبريل الماضي، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع قرار جزائرى يوصى الجمعية العامة بقبول فلسطين عضوا فى الأمم المتحدة، بعد أن صوت لصالح هذا المشروع 12 عضواً من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، مع امتناع المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.
تعقيباً على الفيتو الأمريكي، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلى نيبينزيا، إن استخدام حق النقض أربع مرات «أظهر بشكل واضح ما يؤمن به الأمريكيون تجاه الفلسطينيين، الذين تراهم واشنطن أنهم لا يستحقون أن تكون لهم دولة خاصة بهم، كما تنظر أيضاً إليهم على أنهم عائق فى طريق تحقيق مصالح إسرائيل.
كانت واشنطن قد صوتت بالفيتو ثلاث مرات ضد وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، فيما استخدمت روسيا والصين نفس الحق ضد مشروع قرار أمريكى يهدف لنفس الغرض.
ودأبت واشنطن على رفض الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة سواء على المستوى الثنائى أو فى مؤسسات الأمم المتحدة، متعللة بأن قيامها لا يجب أن يتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
جاء هذا الاجتماع لأعضاء المجلس بعد حوالى 40 يوما من صرخات الفلسطينيين وشعوب العالم التى لم تستطع أن تغض الطرف على وحشية الاحتلال، حيث تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى على مستوى العالم، مقاطع فيديو وصور توثق عمليات التدمير والتجويع والقتل للفلسطينيين وخاصة الأطفال، والنساء، والعجائز، الأمر الذى من شأنه دفع مجلس الأمن إلى عقد جلسته واتخاذ هذه القرارات، لكن كالعادة لم تستجب تل أبيب لها إلا بالسماح فقط بدخول عدد قليل من المساعدات لا يكفى حاجة السكان فى هذا القطاع المدمر كلياً، حيث لفتت إلى ذلك منظمة الأونروا التى حذرت ولاتزال تدق ناقوس الخطر حول الوضع المأساوى للقطاع.
خلال الجلسة، أعرب المجلس عن قلقه الشديد تجاه الحالة الكارثية للقطاع، وآثارها البالغة على السكان المدنيين ولا سيما الأطفال، مشدداً على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لغزة بشكل كامل وسريع وآمن، دون أى عوائق، داعياً إلى توفير هدن وممرات آمنة لتقديم الغذاء والدواء والسلع الأساسية، وكذلك توفير الطاقة والوقود اللازم للمستشفيات التى تعانى عدم قدرتها على توفير الخدمات للفلسطينيين بسبب نقص المواد الطبية. ورفض المجلس التشريد القسرى للسكان بما فيهم الأطفال، معتبراً ذلك انتهاكا للقانون الدولي.
ونتيجة لعدم امتثال الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، لقرارات المجلس فى نوفمبر، عقد الأعضاء جلسة أخرى فى ٢٢ ديسمبر الماضي، ليؤكدوا من جديد ضرورة إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة لفترات ممتدة فى جميع انحاء القطاع من أجل القيام بجهود الإنقاذ، مشددين مرة أخرى على ضرورة الالتزام بدخول المساعدات الإنسانية من الغذاء والدواء والماء و الطاقة والمواد الطبية للقطاع بشكل عاجل ودون عوائق.
وفى هذه الجلسة، اعتمد الأعضاء على التقارير الواردة من كبار مسئولى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، التى أوردت تقارير بعثت القلق للأعضاء بخصوص الوضع فى غزة. كما وافق المجلس حينها على طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش بتعيين منسقاً للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار، حتى يكون مسئولاً عن تيسير وتنسيق جميع شحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى غزة. مع هذه القرارات والمناشدات ظل التعنت الإسرائيلى سيد الموقف مستنداً إلى الدعم السياسى والعسكرى من واشنطن التى ترفع شعار من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، على الرغم من تصريحات ادارتها الحالية بوصف الوضع فى غزة بالمأساوي.
أن ضعف الموقف الدولى والمنظمات الدولية تجاه إسرائيل كما كشفته القرارات المتتالية التى صدرت ولم تنفذ بل ولم تحترمها اسرائيل كشفته أيضا مصر سواء فى بيانات وزارة الخارجية المتوالية والمطالبة باتخاذ مواقف حاسمة ضد الاحتلال أو فى كلمة مندوب مصر بمجلس الامن والذى قالها صراحة إن مجلس الامن عجز عن أداء واجبه بوقف إطلاق النار أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة لشعب أعزل.