تحل علينا هذه الأيام، الذكرى 29 ليوم الصحفي، وهو العيد السنوى لحرية الصحافة فى مصر، وحقا هى مهنة البحث عن المتاعب، فمؤخرا أصبح البعض من أبناء المهنة، يواجهون ضغوطا تفوق احتمال الرجال الأشداء، وراحت جماعات الضغط الصهيوأمريكية تهاجم الشرفاء، ممن يتمسكون بحق الفلسطينيين المشروع فى الاستقلال والدفاع عن أنفسهم، بكافة السبل التى تكفلها القوانين والمعايير الدولية، وراحوا يسعون لإسكات صوت الضمير وتشويه الحقائق.
يحاول المحتلون وأعوانهم النيل من عزائم الشرفاء، ويبذلون الجهد الحثيث لتشتيت مساعى الشرفاء لكشف الحقائق، ولكن لا ينال ذلك من عزائم الصحفيين نساء ورجالاً، فقد أدركوا أن الحق منتصر ولو بعد حين، ولن تستطيع ذيول الظلام صرف الانتباه عن القضية الفلسطينية، مهما حاولوا.
ليس ما يحدث بغريب على احتلال اغتصب الأرض، وهتك العرض، طوال عقود من الزمن، نتذكر آخرها فى يناير الماضي، عندما أعربت «منظمة المادة 19»، وهى منظمة دولية معنية بالعمل على تعزيز حرية التعبير، عن قلقها البالغ إزاء القيود المفروضة على دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، داعية إلى ضرورة السماح لهم بالدخول إلى القطاع، لبث تقارير مستقلة. وقطعا لم نشهد لذلك صدي، سوى أن العديد من الصحفيين استطاعوا الوصول للأراضى المحتلة – بكافة السبل الممكنة – فكان مصير العشرات بل والمئات منهم القتل العمدي، ودفع القتل المتعمد للصحفيين، فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخبراء آخرين فى الأمم المتحدة، إلى إصدار بيان مشترك يدين إسرائيل ويُشير إلى «النمط الخطير من الاعتداءات والإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين»، كما يُشير البيان، الصادر فى 1 فبراير 2024، إلى قصة الصحفى وائل الدحدوح، الذى فقد زوجته وطفليه وحفيده بسبب القصف الإسرائيلي، وتعرض لهجوم بطائرة بدون طيار أدى إلى مقتل زميله المصوّر الصحفي، قبل أن يفقد ابنًا آخر، والذى كان يعمل أيضًا صحفيًا.
ووفقًا لتقرير نشرته لجنة حماية الصحفيين فى يناير 2024، فقد قُتل 83 صحفيًا وعاملاً فى مجال الإعلام فى فلسطين منذ 7 أكتوبر، معظمهم فلسطينيون، وقد أشار المعهد الدولى للصحافة إلى أن معظم حالات القتل هذه متعمدة ومدبّرة بشكل إستراتيجى بغية القضاء على التغطية الموضوعية للأحداث، ويؤكد ذلك حقيقة أن عدد الصحفيين الذين تم اعتقالهم منذ أكتوبر 2023 قد جاوز الرقم 350 هذا بالإضافة إلى أولئك القابعين من قبل فى السجون الإسرائيلية. وفى العديد من الحالات جاء الاعتقال بدعوى الانتقام بسبب تغطيتهم للأحداث.
ويتضح ذلك أيضًا فى الأدلة التى قدمتها منظمة مراسلون بلا حدود، ومنظمات أخري، بهذا الشأن إلى المحكمة الجنائية الدولية، لاستخدامها فى تحقيقاتها الجارية حول الوضع فى فلسطين، وتذكر الأدلة أسماء العديد من الصحفيين الذين يُقال إنهم قُتلوا بنيران القناصة والهجمات المباشرة، ويأتى هذا إلى جانب حالات استهداف الصحفيين قبل عام 2023، مثل قصف مكاتب القنوات الفضائية فى مدينة غزة عام 2021، ومقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة عام 2022.
رغم أن الاستهداف المتعمد لطواقم الصحافة والإعلام خلال النزاعات المسلحة، يُعتبر انتهاكًا لقوانين الحرب التى تنص على وجوب حماية جميع المدنيين من الأعمال العدائية وعدم استهدافهم من قبل الأطراف المتنازعة تحت أى ظرف من الظروف، كما تشير المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافى الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949، بشكلٍ خاص، إلى وجوب حماية الصحفيين المنخرطين فى مهام خطيرة فى مناطق النزاع المسلح، إلا أن إرادة الاحتلال تظل مثالاً معادياً لكل القيم الانسانية ولكافة المواثيق الحقوقية والقوانيين الدولية، ويبقى أبناء المهنة الشرفاء قابضين على الجمر مساندين للحق أينما كان، مهما كانت الضغوط .. فالحق أحق أن يُتبَع.