إذا كان «جنود الجيش الأبيض» هم الملجأ للمرضى ودرع الوطن فى مواجهة الأوبئة والكوارث الصحية، فإن نقابة الأطباء هى بيت هؤلاء الجنود، والتى تقدم لهم سبل الحماية والرعاية.. تتبنى مطالبهم وتحاسبهم أيضاً عند التقصير أو الخطأ الطبي، وتسعى دوماً إلى حل مشاكلهم وتقديم الخدمات لهم حتى يتفرغوا لرعاية المرضي. هذا ما يؤكده د. أسامة عبدالحى نقيب الأطباء ورئيس اتحاد المهن الطبية- فى حوار مع «الجمهورية» بمناسبة الاحتفال بيوم الطبيب المصرى اليوم تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذى يتم خلاله تكريم رموز الطب من كبار الأساتذة والطبيب المثالى بكل محافظة.
ويفتح د. عبدالحى خلال الحوار، الكثير من الملفات، ومنها مطالب ومشاكل الأطباء الشباب وأسباب هجرة عدد كبير منهم، وكيف يمكن مواجهتها.. وارتفاع أسعار المستشفيات الخاصة و»الفيزيتا» بالعيادات الخاصة، والتأمين الصحى الشامل، وكل من قانون المسئولية الطبية وتسجيل المنشآت الطبية.. وكل من مشروع العلاج والمعاشات بالنقابة.
> مشروع قانون المسئولية الطبية، أصبح حديث الساعة خاصة أن بعض الأطباء يقولون إنهم عند أى خطأ يقدمون للمساءلة كمجرمين.. ما رأيك فى القانون؟
>> نقيب الأطباء: الوضع الحالى فى غياب قانون المسئولية الطبية يساوى بين الطبيب والمجرم، لأن الطبيب يحاسب بقانون الجنايات والعقوبات لسنة ٤٥٩١، وفى حالة الإدانة يحكم على الطبيب بتهمة القتل الخطأ أو العمد، ولا يوجد توصيف غير توصيف مرتكب الجريمة.. وهو وضع غير مقبول، ومشروع القانون المعروض الآن تم مناقشته فى لجنة الصحة بمجلس النواب وبحضور النقابة وتم تعديله.
أى قانون مسئولية طبية يجب أن يشمل ثلاثة أشياء، أولاً تكون هناك هيئة تحت أى مسمى متخصصة لتحديد المسئولية الطبية، وأى مواطن يقدم شكوى طبية لشعوره بالتقصير أو الخطأ الطبى لأى جهة مثل النيابة أو غيرها، تحيل هذه الجهة الشكوى إلى هيئة المسئولية الطبية والهيئة بها لجان متخصصة للتحقيق مع الطبيب، وتضم اللجان قانونيين وإداريين بجانب الأطباء المتخصصين، وتحقق مع الطبيب أو المريض أو المنشأة الطبية المتهمة، وتحدد اللجان هل تقع المسئولية على الطبيب أم لا، أو نتيجة طبيعية للمرض أو إهمال المريض.. والاحتمال الثانى تقرر مسئولية مدنية أو مسئولية جنائية، والمسئولية المدنية تقع على الطبيب إذا كان متخصصا ويعمل بتخصصه وفى مكان مرخص وحدثت مضاعفات نتيجة خطأ منه، وعندما يرسل التقرير من هيئة المسئولية لجهة التقاضى تكون العقوبة هنا مادية «تعويضات» لجبر الضرر الذى حدث للمريض بسبب فعل من الطبيب.. أما المسئولية الجنائية فتقع على الطبيب إذا عمل فى غير تخصصه أو مكان غير مرخص أو مجهز أو إجراء غير قانونى وغير مصرح به مثل ختان الإناث أو الإجهاض.
النقطة الثالثة أن يكون هناك تأمين ضد أخطاء المهنة للحفاظ على حق المريض، فإذا أخطأ الطبيب ووقعت عليه المسئولية المدنية تقوم شركة التأمين بدفع هذا التعويض.
> المواطن المصرى الآن يعانى من سعر الفيزيتا «قيمة الكشف» التى أصبحت متروكة لهوى الطبيب يقدرها كيف يشاء، لماذا لا تفعل اللائحة الاسترشادية للأسعار وكيف نحل هذه المعضلة؟
>> نقيب الأطباء: سوف تنتهى هذه المشكلة مع تعميم التأمين الصحى الشامل، فإذا حدث توازن بين المنشآت الطبية الحكومية التى تقدم الخدمات الطبية وتكون على مستوى عال، ويدخل التأمين الصحى الشامل جميع محافظات مصر، وفى هذه الحالة يذهب المريض للمستشفى الحكومى لتلقى العلاج أو مستشفى خاص متعاقد مع التأمين الصحى الشامل وتقدم له الخدمة الطبية اللائقة، أو الذهاب للعيادات الخاصة، فالطبيب يلجأ للعمل فى عيادة خاصة لزيادة دخله لأن مرتبه ضعيف، والمريض يذهب للعيادة الخاصة لتلقى الخدمة المتميزة واللائقة.
إذاً الحل تقديم خدمة لائقة فى المستشفيات الحكومية ورواتب لائقة للأطباء مثلما يحدث فى التأمين الصحى الشامل، هنا تختفى العيادات الخاصة ولن يلجأ إليها المريض، إنما اللائحة الاسترشادية تابعة لوزارة الصحة وليست النقابة.
> قام اتحاد المهن الطبية بزيادة المعاش مرتين، رغم أن أحد أعضاء مجلس الاتحاد قال إن الزيادة دون خبير اكتوارى ستؤدى لخسائر كبيرة فى صندوق الاتحاد؟ ما رأيك؟
>> الزيادة الأولى كانت بدراسة اكتوارية، والزيادة الأخيرة من 1350 إلى 1500 جاءت فى الفترة الأخيرة بعد الزيادة فى الفوائد والتى وصلت إلى 23٪ مثل أذون الخزانة فترتب عليه زيادة فى دخل الاتحاد وهى تعوض الزيادة التى أقرت فى المعاش.. بالإضافة إلى أننا قدمنا مشروعاً لزيادة الدمغة وسوف يترتب عليه أيضاً زيادة أخرى فى كل شيء محسوب والصندوق موقفه قوي، وبعد اقرار زيادة الدمغة ستكون هناك زيادة أخرى للمعاشات.
> ما هى الخدمات الأخرى التى يقدمها الاتحاد للأربع نقابات «الأطباء ــ البيطريين ــ الأسنان ــ الصيادلة» غير المعاش؟
>> أهم الخدمات التى تقدم من الاتحاد للنقابات الأربعة المعاش والعلاج، وتم اختيار لجنة لتطوير مشروع العلاج وتنتهى خلال شهر من عملها، حتى يتم تطوير مشروع العلاج ليتماشى مع متطلبات الأعضاء.
> ما رأيك فى الوضع المادى للأطباء كفئة من المجتمع فى ظل الظروف الحالية؟
>> الوضع المادى للأطباء يحتاج إلى إعادة نظر وهو من ضمن أسباب هجرة الأطباء، لذلك طالبت النقابة الحكومة على الأقل تطبيق لائحة أجور التأمين الصحى الشامل فى هيئة الرعاية الصحية على باقى الأطباء فى مصر، وهى لائحة أفضل بكثير من لائحة الوزارة فمثلاً الطبيب الشاب فى محافظة دمياط يحصل على 6 آلاف جنيه وهو الحد الأدنى للأجور وزميله فى محافظة بورسعيد بالمحافظة المجاورة فى التأمين الصحى الشامل يحصل على 12 أو 14 ألفاً.
> هل هناك احصائية للأطباء الذين استقالوا واتجهوا للشغل الحر والهجرة؟
>> فى العام الماضى استقال من وزارة الصحة 5 آلاف طبيب تقريباً، واتجهوا للعمل الحر أو السفر للخارج.
> لماذا يتجه بعض المرضى للسفر للخارج للعلاج، رغم القاعدة الكبيرة للأطباء وتاريخ مصر فى الطب؟
>> من يسافر للعلاج للخارج فئة قليلة جداً تتجه للعلاج فى أوروبا وأمريكا، وهذا منذ زمن وليس بالجديد، لكن الأغلبية العظمى تثق فى الطبيب المصرى وتعالج هنا، وهناك مرضى من المنطقة العربية والأفريقية يأتون للعلاج هنا لسمعة الطبيب المصرى الجيدة.
> تحدثت فى أحد اللقاءات عن دعم وتطوير السياحة العلاجية، لتكون أحد روافد زيادة العملة الصعبة.. كيف؟
>> يجب الاهتمام بالسياحة العلاجية وتطويرها، فمصر كانت قبلة للمنطقة العربية والأفريقية للعلاج عند مشاهير الأطباء فى مصر، هذه الطريقة تغيرت فى العالم وأصبحت منشآت طبية، وهناك مثلاً مدينة الملك حسين الطبية فى الأردن بغض النظر عمن هو الطبيب المعالج، ولذلك يجب أن تكون لدينا منشآت طبية على هذا المستوى وعندها القدرة على جذب السياحة العلاجية، وكيف تأتى بالمرضى من أنحاء العالم.
ويجب أن يقوم ذلك على عمل مؤسسى ولدينا القاعدة الكبيرة من الأطباء الذين يستطيعون القيام بذلك، ومستشفى ناصر قام بمثل هذا فى فترة ما، كذلك يجب تطوير ودعم المستشفيات الكبيرة والخاصة فى هذا المجال، حيث تحتاج لدعاية وتنظيم لتقديم الخدمة من أول التواصل والتعاقد مع المريض فى بلده وتسهيل تأشيرة الدخول مثل أوروبا واستقباله فى المطار والوسيلة التى تنقله من المطار إلى المنشأة الطبية أى أننا نحتاج إلى منظومة متكاملة.
> ماذا تريد النقابة من الدولة للأطباء؟
>> نريد خطوات أخرى لدعم وحماية الطبيب، فمازال الأطباء يتعرضون للاعتداء عليهم فى المستشفيات ولذلك نريد خطوات لانهاء هذه الظاهرة السيئة، كما أن مرتبات الأطباء بها قصور ويجب دعمها.. ونريد سرعة اقرار قانون المسئولية الجنائية حتى لا يعمل الطبيب وهو خائف.
> يعانى المرضى فى الحالات الحرجة والمستعصية من أسعار المستشفيات الخاصة التى أصبحت فوق طاقة أى أحد؟
>> الحل الجذرى هو امتداد التأمين الصحى الاجتماعى «التأمين الشامل» على كل المحافظات، فتكلفة الخدمة الصحية ارتفعت فى الفترة الأخيرة فى العالم كله وليس مصر فقط، فكل شيء زاد مع زيادة الدولار وارتفاع الأسعار، فالطبقة المتوسطة والشرائح العليا منها لن تقدر على تكلفة الخدمة الصحية بشكل مباشر، لابد من تطبيق سياسة التأمين الصحى أو الدفع المقدم كاشتراك فى التأمين الصحى والتأمين الصحى الشامل أو علاج النقابات مثلاً، كل العالم الآن يعمل بالدفع المقدم ولا يقدرون على التكلفة المباشرة مثلنا، فالقطاع الخاص فى أوروبا والدول المتقدمة من 5 إلى 10٪ من الخدمات الصحية ويعملون بنظام الدفع المقدم.
الأمل الوحيد هو التأمين الصحى الاجتماعى الشامل أن يدخل كل المحافظات وحتى الآن مازالت محافظات كثيرة لم تتمتع بهذا النظام، وهناك هدف لدى الدولة فى تعميمه فى 2030، وحتى نصل لهذا الهدف يجب تحسين الخدمات الطبية المقدمة فى المستشفيات الحكومية وتوفير المستلزمات والتوسع فى مشاريع العلاج.
> هل تقف النقابة مع الطبيب أياً كان موقفه حتى لو كان مخطئاً؟
>> النقابة لا تقف مع الطبيب المخطيء، ولكن يجب محاسبته بطريقة منضبطة من خلال قانون المسئولية الطبية.
> هل هناك إحصائية للمنشآت الصحية والطبية غير المسجلة وهل يعرقل قانون تسجيل المنشآت الطبية، هذا التسجيل؟
>> هناك اتفاق مع الوزارة لإقرار نظام الشباك الواحد فى تسجيل المنشآت الصحية فيسجل الطبيب فى النقابة ثم يذهب ليحصل على الرخصة من الوزارة وتكون المعضلة فى الموافقات الكثيرة التى تطلبها وزارة الصحة من وزارات أخري.. وإذا تم تنفيذ هذا الاتفاق يمكن ان ننتهى من ظاهرة المنشآت الطبية غير المرخصة.
أيضاً كود المنشآت الخاص بالمبانى ومواصفات المنشآت به مبالغات لانه وضع على مستوى عالمى لكن لظروفنا الاقتصادية يجب إقرار كود مناسب لمستوى الدخل والمعيشة وفى نفس الوقت يحافظ على الحد الاساسى من الأمان فالكود المبالغ فيه يرفع من تكلفة المستشفى أو العيادة ويترتب عليه ارتفاع تكلفة الخدمة والهند تفعل ذلك حيث تضع كودا مرناً ويناسب الامكانيات دون ان يأتى على مستوى وكفاءة الخدمة.
وبالنسبة لعدد وكيفية السيطرة للمنشآت غير المرخصة فهى تخضع للرقابة والضبطية القضائية لإدارة العلاج الحر بوزارة الصحة وهى المخولة بذلك يجب ان يتم حصر تلك المنشآت وهنا لا أتكلم على ان يكون الهدف هو معاقبة المخالفين ولكن مساعدة تلك المنشآت على تقنين وضعها ومساعدتها على الترخيص فى أسرع وقت.
> ماذا قدمت النقابة لشباب الاطباء.. وبماذا تطالب لهم؟
>> لابد من الاهتمام ببرامج التدريب للشباب وفرص التسجيل بالدراسات العليا والتدريب فى المستشفيات المختلفة وتوفير بيئة عمل لهم مثل سكن ووجبة مناسبة للأطباء خلال النوبتجيات فسكن الاطباء بالمستشفيات الحكومية لا يليق بهم وذلك حتى يستطيع شباب الاطباء القيام بواجبهم ويكملوا الدراسات المطلوبة منهم بالاضافة إلى المساواة بأجور التأمين الصحى الشامل.
النقابة قدمت للشباب برامج تدريبية كثيرة ومنصة تعليم الكترونى بالنقابة ونحصل على اشتراكات مجانية لشباب الاطباء فى معظم المؤتمرات ونعلن ذلك على صفحة النقابة.
> تحتفل النقابة بيوم الطبيب يوم ١١ مايو.. ما شكل يوم الاحتفال وما الجديد المقدم للأطباء فى هذا اليوم؟
>> الاحتفال سيكون تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى وبحضور د. عوض تاج الدين مستشار الرئيس للشئون الصحية ود.خالد عبدالغفار وزير الصحة وكذلك ورئيس لجنة الصحة بالبرلمان ومجلس الشيوخ والنواب والمعنيين بالملف الطبى والشخصيات العامة.. يوم الطبيب المصرى هو ٨١ مارس من كل عام ولكن تم تأجيله لظروف شهر رمضان وحتى يتمكن الاطباء من كل المحافظات من حضور الحفل.
وفى هذا اليوم سيتم تكريم رموز الطب الاساتذة الكبار والطبيب المثالى فوق السن وطبيب تحت السن المرشحين من النقابات الفرعية بكل محافظات مصر والأم المثالية والتأكيد على المعانى الانسانية للطب ودور النقابة وإبراز دور الطبيب الانساني.
> النقابة لها دور مهم تجاه غزة ومساعدة الاشقاء.. نريد توضيح هذا الدور؟
ما يحدث فى غزة هو جريمة بشعة بكل المعايير ولم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية حيث يتم استهداف المدنيين والمستشفيات والاطقم الطبية واعتقال الاطباء وتعذيبهم كما حدث مع د. البشير رئيس قسم العظام بمستشفى الشفا الذى توفى فى المعتقل مع ان كل الاعراف الدولية تلزم الجيوش بحسن معاملة وعلاج الاسرى هذه الجرائم لن تسقط ولن ينساها التاريخ بالاضافة إلى المقابر الجماعية وقتل النساء والاطفال والتهجير القصري.
من أول يوم اعلنت النقابة تسجيل أسماء الاطباء الراغبين فى علاج الجرحى الفلسطينيين لأكثر من ألفى طبيب سجلوا خلال ٨٤ ساعة ومازالوا ينتظرون الدخول لغزة لعلاج الجرحى وكل الجرحى الذين دخلوا مصر تم التعامل معهم فوراً بمنتهى الرقى والانسانية لكن الجرحى فى غزة أكثر بكثير ونريد الوصول اليهم.. ونحيى صمود وبطولة الفرق الطبية فى غزة والاطباء الذين نالوا الشهادة فى هذه الاحداث البشعة.
كما شاركت النقابة فى ثلاث قوافل مع جامعة الازهر والهلال الاحمر المصرى والهلال الأحمر الفلسطينى وننتظر فتح الحدود أكثر لدخول الاطباء ومساعدات أكثر.
و»لجنة مصر العطاء» هى الذراع الاغاثية للنقابة وتقوم بجمع التبرعات وشراء المستلزمات الطبية وارسالها لغزة وهى من تنظم اسماء الاطباء.
> المجلس الصحى المصرى يشترط امتحانات كل خمس سنوات لتجديد مزاولة المهنة؟ هل الاطباء سيتقبلون ذلك؟
>> هو ليس امتحانا بالمعنى المتعارف عليه ولكنه تقييم لاداء الطبيب خلال الخمس سنوات كم ساعة تدريبية.. حضور مؤتمرات.. ساعات العمل.. حجم العمليات التى شارك بها والتى اجراها هو نظام جديد على مصر ولكن الدول المتقدمة تعمل به منذ عام ٠٠٠٢ ولو كان اختبارا فهو شئ بسيط لا يذكر مقارنة بإمكانيات الطبيب المصرى فالطبيب المصرى على درجة عالية من التدريب تفوق أى طبيب فى العالم نظراً لحجم العمل الملقى على عاتقه وحجم مزاولة المهنة فالطبيب المقيم مثلاً فى أحد المستشفيات عمله فى ستة أشهر يعادل عمل أى طبيب مقيم فى العالم ومنها انجلترا خلال ثلاث سنوات.