اول ميثاق لحقوق
الانسان عرفته البشرية
لا يوجد فى حياة البشرية.. يوم أفضل من يوم عرفة.. انه يوم قبول الدعاء.. يوم المغفرة.. يوم عودة المسلم.. كيوم ولدته أمه.. بداية أقول.. إننى قرأت ثلاثة كتب هي: حجة الوداع لعبدالحميد جودة السحار– وحياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل– ورسائل من القرآن لقس بن ساعدة (أدهم الشرقاوي).. حتى أتمكن من كتابة هذا المقال.. فى داخلى ذهول.. كل هؤلاء البشر جاءوا من آخر الدنيا لأداء فريضة الحج.. لا يرجون غير القرب من الله.. فوق جبل الرحمة.. يقف كل هؤلاء رافعين أيديهم الى السماء.. بالدعاء يريدون المغفرة.. هنا وقف رسول الحق محمد– صلى الله عليه وسلم-.. واضعا اول ميثاق لحقوق الانسان عرفته البشرية.. وقف فى حجة الوداع.. يقول: أيها الناس.. اسمعوا قولى فإنى لا أدرى لعلى لا القاكم بعد عامى هذا أبدا.. أيها الناس.. ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا.. وانكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت.. فمن كانت عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها.. قضى الله انه لا ربا.. أما بعد ايها الناس.. فإن الشيطان قد يئس من ان يعبد بأرضكم هذه أبدا.. ولكنه رضى مما تحقرون من أعمالكم.. فاحذروه على دينكم.. أما بعد.. ايها الناس.. فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا.. لكم عليهن الا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه.. وعليهن الا يأتين بفاحشة مبينة.. فإن فعلن فإن الله قد اذن لكم ان تهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح.. ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف.. واستوصوا بالنساء خيرا.. فإنهن عندكم كالاسري.. لا يملكن لانفسهن شيئا.. وانكم اخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله.. فاعقلوا أيها الناس قولى فإنى قد بلغت.. وقد تركت فيكم ما ان اعتصمتم به لن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة رسوله.. أيها الناس.. ان كل مسلم أخ للمسلم وان المسلمين أخوة.. فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه.. فلا تظلمن أنفسكم.. اللهم بلغت.. كان النبي– صلى الله عليه وسلم– يقول كل ذلك.. وربيعة بن خلف يردده خلفه بصوت جهوري.. حتى يسمعه كل الناس.. وعندما قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم– : اللهم بلغت.. اجاب الناس من كل مكان فى عرفات: نعم.. اللهم فاشهد.. ولما أتم صلى الله عليه وسلم– خطابه.. نزل عن ناقته القصواء وصلى الظهر والعصر.. ثم عاد وركبها وتلا على الناس قول الله تعالي: (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا).. فلما سمعها أبو بكر بكي.. حيث شعر.. ان النبي– صلى الله عليه وسلم– قد أتم رسالته وقرب أجله الذى يلقى فيه ربه.. وأتم رسول الحق صلى الله عليه وسلم– حجته.. وهى الحجة التى اطلق عليها حجة الوداع.. وحجة الإسلام.. وحجة البلاغ.. التى أتم فيها النبي– صلى الله عليه وسلم– .. بلاغه للناس كما أمره الله ببلاغه.. تخيلوا رسول الله– صلى الله عليه وسلم– .. وخلفه 104 آلاف.. ساروا بقوة دفع رهيبة إلى عرفات.. انه الإيمان.. الذى يملأ قلوبهم بالفرح والسعادة.. انها نشوة القرب الى الله.. احساس يفوق الوصف والخيال.. انك الأقرب الى الله.. لا شئ يحول بينك وبين خالقك.. فلا حجاب ولا حاجز بين الدعاء وبين مجيب الدعاء.. عجيب هذا الدين.. فعندما تقسو قلوب الرجال.. يلين الله قلوب الجبال.. وعندما تصبح القلوب كالحجارة أو اشد قسوة.. يجعل الله الحجارة كالقلوب أو أشد رحمة.. وهنا يقفز الى ذهني.. لماذا الدعاء.. اعتقد ان يوم عرفة يستمد عظمته.. من قبول الحق.. دعاء الحجاج.. اولا : بالمغفرة.. ثانيا : بأداء حوائج الناس.. ولا يوجد اعظم من الحق سبحانه.. فى تلبية مطالب عباده.. من على عرفات.. انظروا ماذا يفعل الدعاء.. فبدعاء واحد.. أصلح الله زوجة سيدنا زكريا العاقر.. لتنجب.. وبدعاء واحد.. جعل الله بطن الحوت أمانا على عبده يونس.. وبدعاء واحد من سيدنا إبراهيم.. صارت مكة مهوى القلوب.. فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليها.. والاكثر من ذلك.. كما قال رسول الحق– صلى الله عليه وسلم-.. فإن الدعاء يغير القدر.. والدعاء يعيد ترتيب الأشياء المبعثرة.. ولكن قد تتأخر إجابة الدعاء.. لأن فى قدر الله خير للداعي.. ودرجة لم يصل إليها بعد.. ولأن فى القلب قسوة يريد ان يمحوها الله لك.. قد تتأخر إجابة الدعاء.. لحكمة قد لا نعلمها إلا بعد فترة من الزمن.. لكنه فى جميع الحالات يستجيب الله.. الدعاء.. فى يوم عرفة.. اللهم يقينا كيقين موسي.. لما رأى البحر امامه وفرعون وراءه.. قال: ان معى ربى سيهدين.. ويقينا كيقين النبي– صلى الله عليه وسلم– عندما قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.. كان مسعود الهمدانى كثير الصفح عن الناس.. وإذا جاءه من يعتذر له.. قال له: الماضى لا يذكر.. وعندما مات مسعود رآه شقيقه فى المنام.. فقال له : ما فعل الله بك؟ قال: أوقفنى بين يديه وقال لي: يا مسعود الماضى لايذكر.. خذوه إلى الجنة.. أقول ان الدعاء أقوى أسلحة المؤمن.. فما بالنا فى يوم عرفة.. يوم قبول الدعاء.