إذا أيقن الناس أن العمر قصير مهما طال وأن الساعة آتية لا محالة، ستصغر الدنيا فى أعينهم وإذا نجح الناس فى الوصول إلى هذه القناعات تبدلت أحوالهم من النقيض إلى النقيض، ستتوقف معظم الصراعات ولن يبقى مشتعلا إلا حروب المثل والمبادئ والأيديولوجيات والدفاع عما يعتقد الناس أنه حق وثواب، إذا فهمناها كما فهمها المصلحون المجردون سنحيا مرفوعى الهامة ولن نخضع ولن نقبل بذل وستكون عزة النفس هى عنوان سلوكياتنا، فلا مطمع فى منصب ولا بحث عن جاه ولا تملق ولا نفاق ولا مداهنات ولا مواءمات.
>>>
ستكون كلمة الحق هى الرائجة وسيكون الحسم فى القرارات هو السمة الواضحة، إذا عرف كل منا أنهم «يومين على وش الدنيا» وباقى أيام الخلود بيد علام الغيوب، سنعمل جاهدين – كل فى مكانه – من اجل يوم الفصل، من هنا أراها لحظة صدق تحتاج إلى كلمة حق، وسط مجتمعات وبيئات تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه ومريديه وداعميه، لحظة تاريخيّة لكل منا أن يجرب ممارسة التجرد وممارسة عصيان الهوى ومغادرة غرف النميمة وجروبات الفتنة فورا ودون إبطاء.
>>>
بيد ان كل هذا ليس سهلا ولا يسيرا لكنه يحتاج إلى جهاد النفس وهو أعلى مراتب الجهاد على الإطلاق، من هذه النقطة وجب علينا جميعا القفز من سفينة الهروب والتمسك بثوابتنا الأخلاقية على أرض الواقع مهما كان مريراً، لقد خلقنا من اجل خلافة الله فى الأرض، وهذه المهمة عظيمة لمن يفهمها وشديدة الصعوبة لمن يمارسها، فمن يفهم اكثر يتعب اكثر، وهنا نطلق عليهم جميعا.
«المعذبون بالمعرفة» وهم الذين يتناولون كل شىء
«منزوع الهوى» فالهوى مفسد لكل الأجواء ومدمر لحالاتنا النفسية
>>>
الإنسان الذى يلهث وراء الدنيا لن يحصد فى النهاية إلا الحسرات على ما جمع وترك، يقضى احدهم حياته فى جمع المال من اجل لحظة راحة لن تأتى، ويعشق احدهم السلطة حتى يصل اليها ثم يغادرها مذموما مدحورا، الخالق العظيم قال فى محكم التنزيل «لقد خلقنا الإنسان فى كبد» سنستمر فى المعاناة والصراعات دون توقف، ستداهمنا أحلامنا المؤجلة قبيل سكرات الموت لتنظر إلينا فى حيرة وحسرة وتقول لنا صارخة فى وجوهنا «لقد قتلتمونا ووأدتمونا بأطماعكم التى لم ولن تنتهى».
>>>
لذلك سنجد أن اعظم مكاسب الحكمة هو «الاستغناء» فالتحلى والتخلى والتجلى أمور متداخلة تؤدى إلى السمو، سمو الروح الذى يسحب الجسد إلى عالم مغاير تماما، وفى النهاية يجب ألا ننسى «هما يومين على وش الدنيا».