عندما كتب الأديب الكبير يوسف إدريس مقالته الشهيرة «أهمية أن نتثقف يا ناس» بجريدة الأهرام فى ثمانينيات القرن الماضى واجه عاصفة من النقد والهجوم غير المسبوق، حيث كان المقال صارخا فى صراحته فيقول مثلا «إنَّنا ننحدرُ ثقافيًّا وبالتالى سلوكيًّا بدرجةٍ خطيرة، والغوغائيةُ ــ نتيجةً لانعدامِ الثقافةِ ــ تَسودُ إلى درجةٍ تهدِّدُ فيها باكتساحِ وجودِنا كلِّه. ومعَ وجودِ هذه الكَمِّياتِ المُخيفةِ من البشرِ فى هذا الحيِّزِ الضيِّقِ للوجود، فإنَّنا ذاهبون إلى كارثةٍ مُحقَّقةٍ ــ لا قدَّرَ اللهُ ــ إذا لم نُولِ رفعَ المستوى الفكريِّ والثقافيِّ للشعبِ الأهميةَ القُصوى الجَدير بها».. قرأت كتاب الرجل الذى يحمل نفس الاسم وتساءلت صامتا متأملا «هل كان يوسف إدريس محقا فيما ذهب إليه؟ وهل كان مبالغا حقا كما اتهمه خصومه وهاجموه بضراوة؟ وهل كان صاحب نظرة سوداوية؟ ولماذا تعرض لهجوم وزير الثقافة حينئذ عبدالحميد رضوان؟ وانا أفكر فى الإجابة عن هذه التساؤلات رن هاتفى المحمول وكان على الطرف الآخر أحد الناشرين الكبار يحدثنى عن معرض الكتاب هذا العام وعن العناوين المهمة التى نشرت وكذلك عن الإقبال الجماهيرى غير المسبوق والذى يعكس حيوية المجتمع المصرى ثقافيا وفكريا كتابا وقراءً، حاولت الربط بين ما كنت أفكر فيه من كلمات يوسف إدريس وما راودنى للتو من هذا الناشر، وجدت أننى احاول ربط ما لا يربط واستنتاج ما لا يستنتج، فالقراءة والكتابة هما ممر قد يصل بنا إلى الثقافة وأبواب ونوافذ أخرى عديدة، الثقافة فى مفهوم يوسف إدريس هى ثقافات المجتمع التى تصنعها أو تساعد فى صنعها ثقافة الورقة والقلم والمعلومات والبيانات وغيرها، فالتأثير فى العقل الجمعى وتحويل الاهتمامات وتوجيهها صوب مناطق معينة تحتاج الثقافة بمفهومها الدلالى وليس الاصطلاحى، وبعيدا عن هذه المحاور والمحاورات اذهب إلى ما قصدته من هذا المقال تحديدا، فعندما قرأت كتاب «أهمية أن نتثقف يا ناس» قررت استعارة هذا العنوان مع تعديل كلمة «نتثقف» لتصبح «نتقدم» وهنا اضبط العنوان والدعوة «أهمية ان نتقدم يا ناس» والتقدم لن يكون إلا بالتعليم الجيد والصحة الجيدة وبالطبع لن نستطيع الاتفاق على التعليم أو الصحة ما لم يكن لدينا أموال طائلة وهذه الأموال لن تأتى إلا من الاقتصاد والاقتصاد لن يقوم إلا على الإنتاج والتصنيع والزراعة ومن ثم التصدير وهنا يمكن ان ننفق بسخاء على كل شىء، لكن هل يمكن ان تكون الخطة متتالية؟ الإجابة بالطبع لا! فلكى انجح اقتصاديا لابد من تغيير الثقافة الوظيفية الساكنة إلى ثقافة الإنتاج المتدفق، لابد وان يكون دافع الإنجاز له قيمته فى نفوس الناس، لابد وان نغير من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج، وكذلك ثقافة الشهادات المعلقة على الحوائط لنجلس قبالتها نبكى على الفرص الضائعة، لابد من تغيير ثقافة الإنجاب والاعتماد على الدولة وكذلك سرعة نسف مفهوم المجانية التى قتلت فينا قيم التعفف، هنا أصرخ كما صرخ يوسف إدريس من قبل وأقول «أهمية أن نستيقظ يا ناس».