40 عاماً «كتابة وإبداعاً» قادت ابن الشرقية لــ «القمة»: شجاعة الحكى + زلزلت المألوف + تخطى التابوهات= روايات وقصص + أعمال مسرحية وسينمائية + جوائز متنوعة
لماذا رفض «الدكتور جائزة نوبل التى ترشح لها عدة مرات؟
فى 19 مايو هذا العام نحتفل بالذكرى الـ 97 لميلاد الأديب المبدع الراحل يوسف إدريس، الذى تُوّج «أمير القصة القصيرة» وحمل لقب «تشيخوف العرب»، نسبة إلى الروائى الروسى أنطوان تشيخوف، باقترابه الحميم من الشخصية القروية والريفية المصرية، وما زالت المقالات والكتب تستعيد اكتشاف إدريس مرات ومرات وتكاد لا تنتهى، وكأنما انتبه الجميع فجأة للظلم الذى لحق بهذا الأديب، الذى سلط الضوء على مشكلات مجتمعه من خلال أدبه، يرى د.جابر عصفور – فى مجلة «فصول»، فى عددها الصادر فى سبتمبر 1982 – ان القصة القصيرة هى معجزة يوسف إدريس الإبداعية الأولى، وترجم عصفور فى نفس العدد كتاب « كيربرشويك» عن «قصص يوسف إدريس القصيرة» الذى صدر سنة 1981 بالسويد عن دار نشر بريل، ليدن، خاصة القسم الخاص بالتحليل المضمونى لقصص يوسف إدريس فى الكتاب، وصدرت ترجمة للكتاب كاملا بعد ذلك فى عام 1987 للمترجم رفعت سلام بعنوان «الإبداع القصصى عند يوسف إدريس» وفى هذه الذكرى تقف «الجمهورية» عند سيرة ومسيرة د. إدريس لتؤكد انه من بين «الوجوه التى لا تغيب».. فى السطور التالية.
مشروع أدريس.. القصصى
فى كتابه الخطاب القصصى عند يوسف إدريس.. دراسة قوية عن رؤية العالم والشخصية المصرية، يقف الروائى والباحث عمرو العادلى عند قصة «الرحلة» وقال ان «إدريس» يظهر الرؤية السوداوية للبطل، فتبدو رحلته وكأنها بلا عودة، رحلة يزيح فيها البطل كل همومه وهواجسه دفعة واحدة، وذلك بإلقاء الأب فى قبر أبدى لا يعود منه أبداً، وقد تشكلت رؤية السارد «البطل»عن العالم من خلال فكرة واحدة، زيف الواقع السياسى والاجتماعى والذى يكبل الطموحات، ويجعل كل ما هو ممكن مستحيلاً.
ويرى العادلى أن عالم يوسف إدريس لا تسيطر عليه السوداوية والأفكار المهزومة، بشكل كامل، وقد جاءت قصة «نظرة» لتؤكد ذلك؛ فرؤية الطفلة للعالم من خلال السرد كانت على سجيتها، براءة تنتظر ما سوف يحل بها، ويقارن بين النظرة إلى العالم لدى شخصية الصبى فى قصة «أُمُّه» والنظرة لدى الطفلة– البطلة، فى قصة «نظرة»، لافتا إلى أنها تغلق القوس على مشروع يوسف إدريس القصصى.
نوبل.. التى غابت
فى محطة أخرى يعرف ان يوسف إدريس ترشح أكثر من مرة لنيل جائزة نوبل فى الآداب فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى ولكنه لم يحصل على الجائزة لأسباب كثيرة أرجعها البعض إلى مشاركته فى الثورة الجزائرية والى أشياء أخرى ولكن ماقاله الكاتب السويدى شل أسبمارك، عضو الأكاديمية السويدية ورئيس لجنة «نوبل» بين عامى 1998 و2004، وأحد الأعضاء الخمسة المسئولين عن الاختيار النهائى للفائز بالجائزةخلال حوار له مع راديو «فرنسا 24» يؤكد أن هناك سبباً حقيقياً يجعلنا نجل أديبنا الكبير ونحترم غضبه عندما لم يفز بالجائزة حيث قال أسبمارك: «إن سياسيًا سويديًا كان فى زيارة إلى مصر، واقترح على إدريس أن يقتسم «نوبل» مع كاتب إسرائيلى، ولكنه غضب كثيرًا، وراح يصرخ أمام الجميع معلنًا رفضه.
القصة القصيرة.. طريقه
عن اختيار القصة القصيرة لتكون إبداعه الأول والأهم، قال يوسف إدريس فى حوار تليفزيونى مع مفيد فوزى: «إخترتها لأنى أستطيع بالقصة القصيرة أن أصغّر بحرا ًفى قطرة، وأن أمرر جملا ًمن ثقب إبرة، أستطيع عمل معجزات بالقصة القصيرة، إننى كالحاوى الذى يملك حبلا ًطوله نصف متر، ولكنه يستطيع أن يحيط به الكون الذى يريد، القصة القصيرة طريقتى فى التفكير ووسيلتى لفهم نفسى، والإطار الذى أرى العالم من خلاله، إنه الإطار الذى وجدنى ولم أجده».
مضيفاً إن القصة القصيرة هى أصعب شكل أدبى وأسهل شكل أدبى فى آن واحد، إنه شكل سهل لا بد أن يمارسه كل شخص ولو فى جانبه الشفوى ولكنه فن صعب، يحتاج إلى قدرة للأخذ بتلابيب لحظة نفسية خاطفة، والتعبير عنها فى كلمات قصيرة، لقد اخترع بيكاسو ذات مرة طريقة لرسم لوحة فوسفورية تختفى بعد دقيقة، هذه الدقيقة هى القصة القصيرة هى اقتناصى لحظة كشف خارقة».
هواية تخطى.. التابوهات
وفى محطة جديدة يمكن القول ان يوسف إدريس كان يعشق هواية تدمير التابوهات، وزلزلة المألوف، ويعتبر نفسه فوق أى قوالب جامدة سواء اجتماعية أو علمية تكون معلّبة والقوالب الأيديولوجية الجاهزة، فتمرد على قواعد صنعته الفنية نفسها، وعلى قواعد النحو والصرف واللغة العربية فقد خاصم سيبويه ولم يعقد صلحا ًمعه حتى يوم وفاته، ودخل كلية الآداب ولم يطق دروسها سوى ثلاثة أيام. وإنتقده فى هذه النقطة نقاد كثيرون وعلى رأسهم طه حسين، وأعلن إدريس نظريته فى اللغة الأدبية وبالأخص لغة القصة، وكتب فى جريدة الجمهورية بتاريخ 13 مايو1960: «اللغة أى لغة لا تهبط على أبنائها من عالم الغيب ولا تتفجر لهم من باطن الأرض، ولكنهم هم الذين يخلقونها ويطوّرونها ويبدّلون فيها ويغيّرون، القواميس والمعاجم التى وضعت للغتنا أثبتت ألفاظها لا على أساس أصلها وفصلها، ولكن على أساس أن العرب استعملوها لأداء هذا المعنى أو ذاك، أى أن اللغة العربية هى فقط اللغة التى يستعملها الشعب العربى بصرف النظر عن منشأ مفرداتها وعن التطور الذى يصيبها. ولو كانت اللغة العربية هى فقط اللغة التى وردت على ألسنة أجدادنا الأقدمين، لكان معنى هذا أننا نتكلم اليوم لغة أخرى».
العودة بــ «نيويورك 80»
صمت يوسف إدريس عن محبوبته الاولى ولم يكتب القصة عشر سنوات فظل صامتا ًمنذ سنة 1971 وحتى سنة 1981، حتى خرج علينا بقصة «نيويورك 80»، حيث علا صريخه ليصير نحيباً، ففى حوار ما بين العاهرة الأمريكية والكاتب العربى تقول له العاهرة: قلت إنك كاتب وقطعا تعمل فى مؤسسة أو تعيش فى مجتمع يعولك ويدفع لك أجرك، هل تقول الحقيقة أم تقول أشياء وتخفى أشياء؟ أليس كل هذا مومسة؟، السياسى الذى يعرف أنه يبيع بلده أو يغمض عينيه عن مصالحها ماذا تسميه؟، القاضى، التاجر، الزوجة التى لا تطيق رؤية زوجها وتتأوه حبا ًحين يلمسها، ماذا تسمّى هذا كلّه؟، ماذا تسمى المثقفين والكتاب الذين يعرفون الحقيقة ويخافون الجهر بها أليس كل هذا مومسة؟، كلكم بغايا وبأجر فاحش مدفوع، ولكن أنا الوحيدة المصلوبة بينكم، أنا الوحيدة التى بخطيئة، وأنتم فقط قذاف الأحجار».
لقد إحتار النقاد فى تصنيف «نيويورك 80»، هل هى قصة أم رواية أم مشروع مسرحية أم مجرد عمل ذهنى صرف يطرح فيه أفكارا ًلم تكتمل صياغتها الفنية بعد؟، وكان السؤال مؤلمًا ويحمل معانى ودلالات قاسية وجارحة، فالسؤال يتبعه بالضرورة سؤال آخر أكثر وحشية وهو: هل أفلس يوسف إدريس فنيا ًمنذ السبعينات؟، وهل آن له أن يعلن كما أعلن من قبله يحيى حقى إعتزاله للكتابة لأنه لم يعد لديه ما يضيفه؟، وهل تاريخ وفاة يوسف إدريس الفعلى هو بداية السبعينات بعد مجموعته «بيت من لحم»، وليس بداية التسعينات عندما فارقنا فى أول أغسطس 1991؟
ورد يوسف إدريس بنشر مقال أقل ما يوصف به بأنه قنبلة بعنوان «يموت الزمار» فى 17 أبريل 1981، قرر أن يجيب فيه وبأسلوب لا يقل فنية وجرأة عن أسلوب قصصه القصيرة، وكأنه يقول أنا هنا ما زلت يوسف إدريس، فيصرخ على الورق ويقول: « أى شىء إلا أن أمسك القلم مرة أخرى وأتحمل مسئولية تغيير عالم لا يتغير وإنسان يزداد بالتغيير سوءًا……»
قائمة الإبداع.. تنوعت
قدم الأديب الراحل ألوانًا مختلفة من الأدب تنوعت بين القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية. وقد خط بقلمه المبدع ثروة أدبية مكوّنة من عشرين مجموعة قصصية، وخمس روايات، وعشر مسرحيات، ومن أشهر أعماله القصصية «أرخص الليالى»، و«جمهورية فرحات»، واليس كذلك»، و«البطل»، و«حادثة شرف»، و«النداهة»، و«بيت من لحم»، و«قاع المدينة»، و«لغة الآيآى»، و«مشوار».
أما رواياته فكان اشهرها: «قصة حبّ»، و«الحرام»، «العيب»، و«العسكرى الأسود»، و«البيضاء» ومن مسرحياته: «ملك القطن»، «اللحظة الحرجة»، و«المهزلة الأرضية»، «رجال وثيران»، و«الجنس الثالث»، و«الفرافير»، و«المخططين»، و«البهلوان»، و«أكان لا بد يا ليلى أن تضيئى النور؟».
أبوالتفوق.. خطفه من معشوقته
يعد يوسف إدريس من أهم فرسان الكتابة المسرحية فى مصر والوطن العربى، أعلن عن نظريته فى المسرح سنة 1964 فكانت بمثابة الثورة التى صدمت وغيّرت وبدلت، والتى نستطيع أن نقول دون أدنى مبالغة إن مقالاته الثلاثة «نحو مسرح مصرى»، منحت تعبيرا جديدا ًوهو «التمسرح» والذى يفرقه عن «الفرجة».
وعُرضت مؤلفاته على خشبة المسرح المصرى، وأثنى عليها الجمهور والنقّاد، وتعلّق يوسف إدريس بالمسرح فى وقت مبكر، وانضم لفريق المسرح حين كان طالبًا فى المرحلة الثانوية، وفى تلك الفترة فكّر فى احتراف التمثيل والإخراج، ولكنه عثر على موهبته الحقيقية فى الإبداع الأدبى، وانخرط فى أنشطة أدبية مختلفة، ويتضح فى نصوصه المسرحية، أنه يقوم بدور المؤلف والمخرج معًا، ويضمن رؤيته أبعاد كل شخصية، بل طبيعة حركتها فوق خشبة المسرح، وكان يحرص على حضور البروفات، ما تسبب فى خلافات كثيرة مع مخرجين بحجم كرم مطاوع وسعد أردش وغيرهما، فضلا عن اصطدام بعض أعماله بالرقابة، وسبح ضد تيار المسرح التقليدى، وعمد إلى إشراك الجمهور فى العرض المسرحى، ومن أبرز أعماله «الفرافير» و«المهزلة الأرضية» و«المخططين» وغيرها.
سينما إدريس.. واقعية
كانت علاقة إدريس مع السينما متوترة، فمن ضمن قصصه القصيرة التى تعدت 800 قصة، لم تقدم له السينما سوى ١١ فيلما، بعض الأفلام كانت على مستوى روعة القصة مثل «الحرام»، و«لا وقت للحب»، و«النداهة».
ويعد إدريس رائدًا من رواد ما يسمى بالواقعية السحرية فى العالم العربى، وهى تقنية الخلط بين الواقع والخيال فى الرواية والقصة، فكان من أفضل الأدباء العرب، الذين عبروا بصدق عن واقع المهمشين والفلاحين فى مصر.
عندما نقرأ له أو نشاهد عملا من أعماله على مستوى الشاشة الكبيرة، نحس أننا أمام كاتب استطاع ان يقول ما نريد أن نقوله، يحكى حياتنا وأوجاعنا وآلامنا».
وفى سياق السطور التالية نرصد أهم 5أفلام سينمائية مأخوذة من كتابات يوسف إدريس:
الحرام.
يدخل فيلم «الحرام» ضمن الأعمال الفنية المأخوذة من رواية يوسف إدريس التى تحمل نفس الاسم، وتم عرض الفيلم 1965، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وجاء فى الترتيب الخامس ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية.
وأيضاً «لا وقت للحب» وهذا الفيلم اعتمد على قصة قصيرة للكاتب الراحل بعنوان «قصة حب»، وقامت ببطولته الفنانة فاتن حمامة، ورشدى أباظة، وعبد الله غيث، وأخرجه صلاح أبو سيف، وعُرض عام 1963.
وعن قصة بنفس الاسم ليوسف إدريس جسدت الفنانة ماجدة دور البطولة فى فيلم «النداهة» عام 1975، وتدور الأحداث حول قصة فتاة ريفية تحاول الخروج من عباءة القرية والانتقال إلى القاهرة مع زوجها، فتتعرض لمجموعة من الأحداث.
أما فيلم «قاع المدينة»، فهو مأخوذ عن قصة للكاتب الراحل، ويحكى قصة عبدالله القاضى الذى يستغل خادمته ويقيم معها علاقة غير شرعية لحاجتها الشديدة للمال، ثم تهرب منه ويبدأ البحث عنها فى كل مكان، والعمل من بطولة نادية لطفى، ومحمود ياسين، ونيللى، وإخراج حسام الدين مصطفى.
وفى فيلم «حدوتة مصرية» اعتمد المخرج يوسف شاهين فى كتابة العمل على فكرة يوسف إدريس، ثم قدمه بعنوان «يحيى شكر مراد»، وقام ببطولة الفيلم نور الشريف ويسرا ورجاء حسين، وسهير البابلى.
إدريس.. كتب.
ونتوقف فى هذه المحطة عند اقتباسات من أعمال يوسف إدريس ومن بينها: ليت الانسان مثل الرياضيات او علوم الهندسة تفسره بضع نظريات.. ذلك الكائن الذى لا تزيدنا معرفتنا به الا تصعيبا لمهمة فهمه، «العسكرى الأسود» القانون لا يسأل أبدا كيف عاش الإنسان ولكنه يصرخ بأعلى صوته: كيف مات؟.. «حادثة شرف».
وقلت لها مره:لم لا تفكرين فى هدف لحياتك؟ فقالت:كيف أفعل,وهدفى فى الحياة أن أحيا بلا تفكير ؟ «حادثة شرف».
> حب الاستطلاع إذا استبد بالمرأة أصبح سيدها الأعلى الذى يحركها أنى شاء «الحرام».
> حياتنا سلسلة متشابكة من الصدف الصغيرة التى قد يغير وقوع إحداها قبل الآخرى بثوان أو بعدها بثوان مجرى حياتنا كله «البيضاء».
> حياتنا سلسلة متشابكة من الصدف الصغيرة التى قد يغير وقوع إحداها قبل الآخرى بثوان أو بعدها بثوان مجرى حياتنا كله «بيت من لحم»
> عاقل جدا لدرجة إن الناس فاهمه إنى مجنون.. أو مجنون جدًا لدرجة إنى فاهم إنى عاقل «المهزلة الأرضية».
> ما اعذب الرشفة الاولى من أى شىء «النداهة».
> إن الفن الحقيقى هو الدفاع الوحيد عن الضمير المصرى والعربى «مدينة الملائكة».
إدريس.. سيرة ومسيرة
> 1927.. ولد فى محافظة الشرقية «شمال شرقى القاهرة»
> 1947.. حصل على بكالوريوس الطب.
> 1951.. تخصص فى الطب النفسى.
> «1960 – 1973» عمل طبيباً فترة، ثم كاتبًا صحافيًا فى جريدة «الجمهورية».
> 1973 – 1982» عمل كاتباً فى جريدة «الأهرام».
> كان عضواً فى نادى القصة، وجمعية الأدباء، واتحاد الكتاب، ونادى القلم الدولى.
> أصدر العديد من المؤلفات فى القصة والرواية والمسرح.
> تُرجمت أعماله إلى لغات عِدة حول العالم.
> نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها: وسام الفنون من الجزائر عام 1961، ووسام الفنون من مصر عامى 1963 و1967، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980، وجائزة عبد الناصر فى الآداب عام 1969، وجائزة صدام حسين للآداب عام 1988، وجائزة الدولة التقديرية عام1990.