نستكمل حوارنا حول التواجد الصينى فى إفريقيا حيث كنا نتحدث عن إعلان الرئيس الصينى حول شكل الشراكة المستقبلية مع دول القارة لضمان تنفيذ إجراءات الشراكة العشرة، حيث قرر منح القارة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة دعماً مالياً قدره 50 مليار دولار منها 29 مليار دولار فى شكل خطوط ائتمان، 11 مليار دولار فى شكل مساعدات و10 مليارات دولار فى شكل استثمارات، أيضا أكد ان الصين ستعمل على توسيع فتح أسواقها، ومنح معاملة صفرية جمركية لـ 100٪ من فئات المنتوجات المصدرة إلى الصين من الدول الأقل نمواً، والتى لها علاقات دبلوماسية بها، الصين أول دولة تتبنى هذا الإجراء، وهو الأمر الذى سيجعل السوق الصينية فرصة عظيمة لأفريقيا، كما عبر الرئيس الصينى عن استعداد بلده لتطوير منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ZLECAf وتعميق التعاون، لوجستياً ومالياً، للمساهمة فى التنمية الإقليمية فى القارة.
ومن ناحية أخرى على المستوى الأمني، تعرف الصين مدى هشاشة الاستقرار فى أفريقيا، وتعرف أن أحد مداخل الاستعمار لإدامة وجوده فى دول الجنوب هو نشر الفوضى والعنف.
لذلك لم تكتف الصين بالبعد الاقتصادى فى الشراكة الصينية الأفريقية، بل امتد الى البعد الأمنى الاستراتيجي، التى أكدها المنتدى التاسع، حيث قامت فى سياق هذا التعاون بالاشراف منذ عام 2018 على تدريب أكثر من 2000 ضابط شرطة أفريقي، وقدمت إمدادات إلى الشرطة، وتبادلت المعلومات الاستخبارية والخبرات، وقامت بعمليات مشتركة مع أفريقيا فى إطار الإنتربول.
أيضا عملت منذ عام 2019 على استضافة الحوار الخاص بشأن تنفيذ مبادرة السلام والأمن بين الصين وأفريقيا، والمنتدى الصينى الأفريقى الأول للدفاع والأمن، وشاركت فى المؤتمرات والمنتديات التى عقدتها البلدان الأفريقية فى المجالات ذات الصلة، وبحلول عام 2023، أصبحت بكين المورد الرئيسى للمعدات العسكرية لأفريقيا.
وفى نفس الإطار تعتزم الصين، بمشاركة أفريقيا، تنفيذ مبادرة الأمن العالمى خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، فى هذا الصدد ستقدم إلى الجانب الأفريقى مساعدات عسكرية بقيمة مليار يوان صيني، وتدرب 6000 عسكرى و1000 ضابط شرطة، وستُجرى مع أفريقيا مناورات وتدريبات ودوريات مشتركة بين الجيش الصينى والجيوش الأفريقية…
لكن الحقيقة التى تثير حفيظة الغرب فى الأساس ويجب الانتباه إليها هى الموانئ التى اقترحتها أو بنتها أو تبنيها الصين فى أفريقيا، ضمن مبادرة «الطريق والحزام»، المكونة من عنصرين أساسيين: أحدهما برى «الطريق» عبارة عن 6 ممرات برية، تنطلق من الصين فى اتجاه آسيا الوسطى وغربى آسيا وأوروبا وشبه جزيرة الهند وسنغافورة، وفى اتجاه باكستان وبحر العرب.. والآخر بحري: «الحزام» ويعنى شبكة موانئ تربط الصين، انطلاقاً من الميناء الصينى «فوزهو FUZHOU»، بأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، مروراً بفيتنام وإندونسيا وبنغلاديش والهند وسيريلانكا وباكستان وجزر المالديف، متجهاً إلى البحر الأحمر، ماراً عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو أوروبا «اليونان» والجزائر «ميناء الحمدانية، الذى سيقع ضمن طريق حرير بري/بحري، يربط الصين بالجزائر وصولاً إلى نيجيريا»، كما يمتد من شرقى أفريقيا إلى غربيها عبر رأس الرجاء الصالح. هذا الحزام أطلق عليه الأميركيون اسم «عقد اللآلئ».
أيضا علينا ان ندرك ان الصين لا تخفى نياتها إنشاء هذه الموانئ الاستراتيجية، فلقد صرح شى جين بينغ بأنه يريد أن يجعل الصين «دولة بحرية عظيمة»، وهذه الرؤيه تم تأكيدها بقوة فى الكتاب الأبيض التاسع للدفاع (2015)، بحيث تم تقديم المجال البحرى كأولوية استراتيجية.وهو ما يتطلب من البحرية الصينية أن تركز أكثر على حماية «البحار المفتوحة» والانتقال بالتدريج من «استراتيجية الدفاع عن المياه الإقليمية الصينية إلى استراتيجية مشتركة للدفاع عن هذه المياه والحماية فى أعالى البحار»، وللحديث بقية.
خارج النص:
يؤكد الخبراء أن تزايد القلق والمخاوف من قبل الدول الغربية حيث عبّر مسئولون منه على ان ذلك يمثل تهديداً لمصالحه فى أفريقيا كونها ستفتح المجال أمام تزايد النفوذ الصينى الجيوسياسي، وتحدياً لهم حيث يرون أن وجود قوى عظمي، مثل الصين أو روسيا فى أفريقيا، يشجع بعض حكامها على التمرد على هيمنته «نموذج مالي، بوركينا فاسو، النيجر…».