على مدار الأسبوعين تحدثنا عن الوجود الصينى بالقارة الأفريقية فى إطار عنوان شامل عما يحدث داخل القارة ونستكمل هنا باقى الحديث وخاصة فيما يتعلق «بعقّد اللآلئ» الصينى الذى يرى الخبراء بان الهدف منه «العقد»عملياتى واستراتيجي، لهذا تسعى الصين لأن تتمحور قوتها البحرية الصينية المستقبلية حول الغواصات وحاملات الطائرات والقدرات البرمائية والجومائية وبوارج وسفن الشحن المرافقة والداعمة والقوات الجوية الاستراتيجية والأقمار الاصطناعية عالية الدقة، والتى ستحقق الأهداف المحددة، كالوجود بالقرب من المجالات الاستراتيجية والمساعدة فى حماية طرق الشحن وممرات إمدادات الطاقة.
يؤكد أيضًا الخبراء ان بعض الموانئ ذات المياه العميقة أنشأتها الصين فى المحيط الهندى والقرن الأفريقى لاستقبال حاملات الطائرات وبعض الغواصات الثقيلة والبوارج الضخمة، لكن أغلبية موانئ «عقد اللآلئ» التى أنشأتها الصين هى موانئ لوجيستية مزدوجة الاستخدام فهى تعمل كمنشآت مدنية قادرة على التحول لدعم العمليات العسكرية عند الضرورة، مع ملاحظة انه فى فبراير عام 2014 وقّعت الصين وجيبوتى معاهدة أمنية تتضمن، بالإضافة إلى تأهيل القوات المسلحة الجيبوتية، بناء قاعدة بحرية فى جيبوتي، وهو ما تم فى يناير 2016، حينما أنشأت الصين فى دوراليه «باب المندب» أول قاعدة عسكرية جوبحرية صينية دائمة فى الخارج.
يشير المتابعون للوجود الصينى فى أفريقيا إلى انه وراء القاعدة الجديدة تحقيق أهداف استراتيجية، وفقاً للأولويات العسكرية التى سطرها الحزب الشيوعى الصينى فى «الكتاب الأبيض»، الذى صدر فى مايو2015، وجاء فيه: «تسعى الصين لامتلاك مبادرات استراتيجية فى الصراع العسكري، على نحو يقوم بالتخطيط الاستباقى للكفاح المسلح فى كل الاتجاهات والمجالات، واغتنام الفرص لتسريع البناء العسكري».
وتبقى تفصيله مهمة تتعلق بمشروع «عقد اللآلئ» حيث سعت لمد «المشروع «عبر جنوب أفريقيا نحو غربها، بحيث أقامت فى ناميبيا قاعدة جوبحرية فى ميناء «والفيس باي» وهو ما جعل الجنرال الأميركى ستيفن جيه تاونسند، المسئول فى وزارة الدفاع الأمريكية، الإدلاء فى تصريح لصحيفة «لوموند» مارس 2022، إن تمويل وبناء ميناء «باتا» فى المياه العميقة لغينيا الاستوائية سيسمح للصين بوضع سفنها الحربية فى شواطئ المحيط الأطلسى قبالة الساحل الأميركي، مضيفاً أن عرقلة مساعى الصين تحويل هذا الميناء إلى قاعدة عسكرية بحرية على الساحل الأطلسى لأفريقيا.
قبل انعقاد منتدى التعاون الاقتصادى الصينى الأفريقى التاسع فى بكين، بين 4 و6 سبتمبر الماضى تحت شعار «العمل معاً لتعزيز التحديث وبناء مجتمع المستقبل المشترك الصينى الأفريقى رفيع المستوي»، وبعد انعقاده، شن الغرب، عبر وسائله الإعلامية المختلفة حملة ضد الصين متهماً إياها بسعيها لوضع اليد على الثروات الأفريقية واستغلالها وتبذيرها، وفى مقدمتها التربة النادرة ،كما اتهمها بإغراق أفريقيا فى الديون التى فاق حجمها 1.8 تريليون دولار، حتى تتكمن من فرض توجهات سياسية واقتصادية تؤدى إلى فقدان الدول الأفريقية لسيادتها.
كما يتهم الغرب الصين بتغلغلها العسكرى الذى يهدد وجوده ومصالحه فى هذه القارة، ولعل السردية الغربية مستوحاة من تجاربه فى هذه القارة، مع فارق أساسى هو أن ممارسات الغرب رافقها استعمال أقصى درجات العنف والاستغلال والعبودية، وتبذير الثروات وإثارة الحروب والنزاعات الدموية، كما لا يخفى الغرب انزعاجه من دخول أى قوى عالمية هذه القارة، ويسعى لحصارها، يحدث هذا اليوم مع الصين وروسيا وتركيا وإيران.. وللحديث بقية عن الوجود الروسى بدول القارة ،ثم الوجود الأمريكى باعتبار هذه الدول الثلاثة من المتوقع ان تقود مستقبل العالم متعدد الأطراف والذى من اجله تقوم الحروب والنزاعات فى القارات الخمس إن صح التعبير.
خارج النص:
المنطقة العربية سوف تشهد خلال الفترة القادمة تحولات جذرية واستراتيجية تحتاج إلى اليقظة والحكمة فى التعامل مع تبعاتها، وهو ما ترصده القيادة السياسية بدأب شديد وتضع رؤيتها وفى نفس الوقت تحتاج من الشعب الالتفاف حولها، ودعمها ومزيد من التحمل فهذا قدر مصر قلب العالم.