عندما يرتكب أحدهم جريمة ما وتلاحقه سياط القانون وينتهى به الحال إلى غرفة داخل أحد السجون يشعر بالقهر والعزلة والانتباذ، فحريته مقيدة واتصالاته تكاد تكون منعدمة، لقد خرج عنوة من مجتمع كان فيه حراً طليقاً إلى مجتمع لا يعرف طعم الحرية مهما حاولت المؤسسات العقابية منحه حزم متنوعة من الحريات داخل إطار وأسوار السجن، هو سجين رغم أنفه وسجنه إجبارى لا اختيار فيه، وهذا كله متفهم مشاعر السجين وسلوك السجان وظروف السجن، لكن ما لا أفهمه ولا أتفهمه هو «السجون الاختيارية» التى قرر البعض دخولها بإرادته دون جريمة ارتكبوها ودون أى ملاحقة قانونية، ولأجل ذلك اختار هؤلاء أن يقوموا بمهمة ثلاثية فى نفس الوقت، حيث يصبح الشخص نفسه السجن والسجين والسجان، حيث يصبح المرء سجيناً داخل نفسه الضيقة ويكون هو أيضا السجان الذى يعذب نفسه وذاته دون رقيب أو حسيب، بيد أن أعداد المساجين داخل سجون أنفسهم لا يمكن حصرهم لكنهم متواجدون فى كل الأماكن ومن كل المستويات، فهناك «سجين الانطباعات» أو «سجين الأيدلوجيات» أو «سجين الخوف والقلق والحذر»، وهناك «سجين الانتظار» وهو سجن مؤبد لا فكاك منه ولا عفو له وهو أشد أنواع العقاب، وهناك من يدخل إلى «سجن نرجسيته» مع الأشغال السادية المشددة، أما أخطر أنواع السجون الاختيارية فهو «سجن الفراغ» وسجين الفراغ لا يرى أمامه إلا السراب الممتد والمستدام، هو لا يجيد من فنون الحياة إلا تفاهتها، لكن أشهر أنواع السجن الاختيارى هو «سجن الأنامالية والماليشية» حيث لا يجيد سجناء هذا النوع إلا ترديد عبارتين فقط «أنا مالى» و«مليش دعوة»، وهناك أنواع جديدة ومستحدثة من السجون الاختيارية، فبعض أصحاب المناصب السابقة يعيشون فى «سجن الكرسى» فهذا الكرسى كان ومازال وسيظل مؤقتاً فلا دائم إلا وجهه سبحانه وتعالي، لكن البعض يعتبر أن خروجه من منصبه – أيا كان المنصب – بمثابة حكم بالسجن ما بقى من عمره، فيعيش على الذكريات ويتحول من الطبقة المهمة إلى الطبقة المهمومة ومنها إلى الطبقة المتأرجحة ثم الطبقة الممتعضة ويصعد إلى الطبقة المقموصة وينتهى به الحال إلى الطبقة الكارهة، بيد أن هناك أنواعاً عديدة من السجون الاختيارية التى يدخل إليها البعض بإرادتهم ويقومون فيها بالأدوار المتناقضة سجين وسجان وسجن وهذا أمر لو تعلمون مخيف، من فضلك وقبل أن تطالب بتغيير قوانين الحبس الاحتياطى وتلح فى العفو عن المسجونين من فضلك سارع بتحرير نفسك من قيودها الخشبية الهشة والمصطنعة وأخرج نفسك من سجنها الاختيارى دون إبطاء فأسوأ أنواع السجون هى سجون النفس، فحرر نفسك من نفسك يا عزيزى.