نعيش أياماً مباركة تمتلئ فيها القلوب بالأمل فى اللحاق بمن ذهبوا لأداء فريضة الحج والدعاء للأحبة والأبناء والأوطان بالسلام والامان، وتتوق قلوب الحجاج والمعتمرين إلى لمس الكعبة المشرفة للبركة واستجابة الدعاء.. فقد عشنا وكبرنا نسمع حكايات المحمل وكسوة الكعبة وأحلام الأجداد بلمسها والدعاء لنا جميعاً، وقد ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل إلى السعودية من مصر عبر القرون باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية.. إلى أن توقف إرسالها نهائياً من مصر عام 1381، حيث اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة حتى يومنا هذا.. ففى يوم السبت السابع من ربيع الآخر 1397 تم افتتاح مصنع الكسوة الجديد بأم الجود بمكة المكرمة تحت رعاية الأمير فهد بن عبدالعزيز ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك.
يشمل هذا المصنع أقساماً مختلفة لتنفيذ مراحل صناعة الكسوة ابتداء من صياغة غزل الحرير ومروراً بعمليات النسيج وعمليات التطريز وأخيراً مرحلة التجميع، ويضم المصنع أحدث آلات النسج والحياكة، كما يضم المصنع مجموعة قيمة من التحف والمقتنيات الأثرية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، بالإضافة إلى مراحل صناعة كسوة الكعبة المشرفة بالمصنع، ويفتتح المصنع أبوابه للزائرين من جميع أنحاء العالم سواء كانوا هيئات أو مؤسسات أو أفراداً أو طلاباً، حيث يرتاده كثير من الشخصيات المهمة من العالم الاسلامى وبعض الهيئات والمؤسسات العالمية وكذلك مجموعات الطلاب التى تأتى بصفة دورية للاطلاع على أقسام المصنع.. وبطبيعة لم يكن هذا أول مصنع لصناعة كسوة الكعبة بالسعودية، فقد أمر الملك عبدالعزيز فى مستهل شهر محرم 1346 بإنشاء دار خاصة لصناعة كسوة الكعبة المشرفة فى منطقة إجياد فى مكة المكرمة أمام دار وزارة المالية العمومية، وقد بنيت هذه الدار على مساحة 1500م، فكانت أول مصنع لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز، وأثناء سير العمل فى بناء هذا المصنع قامت الحكومة السعودية بتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء فى العمل من المواد الخام كالحرير ومواد الصناعة والأنوال التى ينسج عليها القماش والفنيين اللازمين وتم بناء المصنع الجديد من طابق واحد فى ستة أشهر.. وفى أول رجب من نفس العام 1346 وصل من الهند إلى مكة المكرمة 12 نولاً يدوياً وأصناف الحرير المطلوبة ومواد الصباغة اللازمة والعمال والفنيون اللازمون وكان عددهم 60 عاملاً، 40 منهم من المعلمين الذين يجيدون التطريز على الأقمشة و20 من العمال المساعدين، وعند حضورهم إلى مكة المكرمة نصبت الأنوال ووزعت الأعمال حتى تم العمل وتمكنوا من إنجازها فى نهاية شهر ذى القعدة عام 1346، وقد ظلت هذه الدار تصنع الكسوة طوال 10 سنوات حتى تم التفاهم بين الحكومتين المصرية والسعودية عام 1355، فأستأنفت مصر إرسال الكسوة مرة أخرى إلى عام 1381، حيث امتنعت بعده نهائياً عن إرسالها.. وفى عام 1382 أعادت الحكومة السعودية فتح مصنع الكسوة، وتستبدل الكعبة المشرفة كسوتها مرة واحدة كل عام.. وقد جرت العادة أن تبدأ مراسم استبدال كسوة الكعبة عصر يوم عرفة من كل عام أثناء موسم الحج، وبعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات.
وفى عام 2022م، تم تغيير هذا الموعد ليصبح فى اليوم الأول من شهر محرم مطلع العام الهجرى الجديد، ويستهلك الثوب الواحد للكعبة نحو 670 كم من الحرير الطبيعى و150 كيلو جراماً من سلك الذهب والفضة.. وتغسل الكعبة مرتين فى السنة، الأولى فى شهر شعبان والثانية فى شهر ذى الحجة، ويستخدم فى غسلها ماء زمزم ودهن العود وماء الورد ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين .