السؤال الذى يفرض نفسه الآن فى مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار السياسى فى الشرق الأوسط: وماذا بعد انتهاء حرب غزة؟
> المشكلة أن محاولة الإجابة تسبقها عشرات الأسئلة، والأخطر هو غياب اليقين فى أى إجابة عنها.
> مثلا يكون السؤال المبدئي: كيف ستنتهى الحرب الدائرة؟
> بانتصار إسرائيل أم بانتصار حماس، أم بانتصار كلا الطرفين وهو ما يمكن تسويقه فى مثل هذه الحروب للجبهات الداخلية لكلا الطرفين!…
أو بهزيمة الطرفين وهو ما يمكن وضعه على بساط النقاش أيضاً رغم غرابة الطرح؟!
فى البداية تحديد الطرف المنتصر قد يصطدم بمفهوم الانتصار ذاته عند كلا الطرفين!
> والأخطر من ذلك أن موقف الشعب الفلسطينى فى غزة بل فى الضفة الغربية لا يهتم به أحد رغم أنه يشكل الركن الأساسى فى أى إجابة عن أى سيناريو.
أما أفراد الكيان الصهيونى فهم مجرد مستقدمين من شتى أنحاء العالم لا صلة حقيقية بينهم وبين أرض ضاربة فى عمق التاريخ وليست مجرد بقعة جغرافية على خريطة لا أصحاب لها.
> فى تاريخ الدول المستقرة والممتدة حضارياً مهما طالت مدة الإقامة للعابرين أو للمهجرين إليها لا تعنى شيئاً، فطول مدة الإقامة «المغتصبة» لا تعطى حقاً فى جنسية، واغتصاب الجنسية المزورة لا تمنح أصحابها «هوية» دائمة أو صلة دم، جيناتها التاريخ والجغرافيا!
> والقاعدة فى الصراعات وحروب المدن أنه لا انتصار للجيوش النظامية مهما أوتيت من قوة وحتى لو تم تدمير المدن بالكامل على رأس أصحابها، سيكون النصر مؤقتاً لكنه سرعان ما يزول وتسقط رايته!
> وبشكل علمي، ليس الأمر بالسهل اليسير تصدير النصر لأنصار حماس أو للكيان الصهيوني، ليس لأن الحرب كانت على الهواء مباشرة مثل مباراة كرة القدم والكل يرى فيها الفائز والخاسر ولو بضربات الترجيح.
> الأمر هنا تحكمه معايير أخري، مرئية وغير مرئية، آنيه وتاريخية، لا تعتمد تماماً على معايير القوة التقليدية، فما خفى عن الساحة كان أعظم.
> فتدمير غزة فى أكبر مجزرة وعلى الهواء مباشرة وسقوط أكثر من 33 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح وعشرات الآلاف من المفقودين فى حرب إبادة جماعية بشهادة الجميع لا يمكن أن تعطى النصر للكيان الصهيونى أبداً لأن مثل هذه الخسائر ليست بالجديدة فى حروب التحرير والاستقلال فقد سبقتها الكثير، والثورة الجزائرية وحرب فيتنام بل وقنبلة هيروشيما التى أجبرت اليابان على رفع الراية البيضاء وقتها سرعان ما تغير الوضع وزالت الآثار وانتصرت الشعوب واندحر الغزاة… فالعابرون لا يحصلون على الهوية بالغصب أبداً عن أصحاب الأرض.
> القضاء على حماس لا يعنى القضاء على المقاومة وقتل قادة حماس لا يعنى عدم ميلاد قادة جدد.
> مات ياسر عرفات ولم تمت المقاومة وجاء بعده من يحمل الراية، وقبله شنق عمر المختار ولم تمت الثورة الليبية وتحررت ليبيا من الاستعمار الإيطالي، وقبلهما اعتقلوا سعد زغلول ولم تنطفئ الثورة المصرية واندحر بعده الاستعمار البريطاني.
> نظرية الوضع على الأرض يحسم النزاع ويجعل المنتصر يفرض شروطه لا يصلح فى حروب التحرير، فلا يوجد شعب حقيقى من شعوب بلاد الحضارات هزم واندثر، قد يهدأ لكن لا يموت… يصمت لكن لا يخرس للأبد… يقع منه الشهداء والجرحى لكنه لا يندثر ولا يذهب هباء!!
> نعم علينا إدراك السيناريوهات الإسرائيلية التى لا حدود لسقفها وتتعدى اللحظة الآنية ضمن المخطط الصهيونى الأكبر:
> يخططون الآن للقضاء على حماس وقتل قادتها وتهجير أهل غزة وتحويلها إلى مستوطنات إسرائيلية كمرحلة أولي.
> مناوشة لبنان بعد حرب غزة ليظل جسر الدعم والمساعدات والمعونات وصفقات التسليح الغربية والأمريكية مستمرة من جهة، وللحفاظ على ثبات الجبهة الداخلية التى لاتثبت إلا بالحروب والصراعات من جهة ثانية.
> المرحلة التالية تهجير أهل الضفة الغربية والقدس > المرحلة الحاسمة إقامة إسرائيل الكبرى كما هو محفور على عملتهم وخرائطهم!
وإذا كانت هذه السيناريوهات معدة للتنفيذ على المدى البعيد يكون السؤال وماذا عن السيناريوهات الآتية؟
ـ استلام الرهائن بلا قيد ولا شرط، وعدم مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين.
ـ الاستيلاء والبقاء الإسرائيلى فى غزة وتهجير سكانها واستبدالهم بمستوطنين جدد.
> والسؤال هل نعى جميعاً هذه السيناريوهات؟!
الذى أثق فيه يقينا ولو لم يجد ما يدعمه على أرض الواقع الآن أن:
ـ هناك هزيمة إسرائيلية قادمة لا محالة وإن بدا الانتصار التدميرى الوحشى الآن.
ـ هناك انتصار سياسى لحماس والمقاومة وإن بدت وعلت صور التدمير والتشريد والقتل والتجويع.
ـ لم تعد غزة ولا فلسطين كما روج الصهاينة طوال العقود الماضية موطناً للإرهاب والإرهابيين واستبدلت بصور شعب يدافع عن أرضه ضد مجموعة من البلطجية وسفكة الدماء.
ـ الانتصار الحقيقى فى هذه المعركة أن الشعوب فى الكثير من دول العالم آمنوا بعدالة القضية الفلسطينية وفقدوا ثقتهم فى حكوماتهم المساندة للقتلة والمغتصبين وهذا هو النصر الحقيقى الذى سيتوج يوماً ما بإقامة الدولة الفلسطينية وعلى كامل التراب الفلسطينى وعودة المهجرين الصهاينة من حيث أتوا!!