> يومان بقيا على احتفالنا بعيد سيناء الثالث والأربعين.. احتفالا بخروج إسرائيل من آخر نقاط سيناء.. يوم 52 أبريل 2891.. ولم يكن الفرح بهذا مكتملا.. إذ أصرت إسرائيل على الاحتفاظ بطابا بعد تزويرها علامات الحدود بين مصر وفلسطين قبل نكبة 4891.. وكانت إسرائيل تتوقع أن يتعطل الانسحاب بإصرارنا على الانسحاب الكلي.. وإلا فلا.. ولكن مصر فوتت هذه الفرصة.. على أمل أن تكون طابا فى مرحلة تالية.. طبقا لما جاء فى معاهدة السلام فى حالة الاختلاف حول الحدود.. وبالفعل لجأت مصر فى نهاية المطاف بعد مماطلات ومماحكات إلى التحكيم الذى انتهى فى سبتمبر عام 8891 بالحكم بمصرية طابا..
> وكانت المواجهة المصرية الاسرائيلية امام التحكيم ملحمة.. حشدت لها مصر كل امكاناتها من خيرة علمائها وأساتذة التاريخ والجغرافيا والقانون والسياسة وأيضا العسكريين.. وجمعت مصر كل المستندات التى تثبت هوية طابا من كل مكان بما فيها الوثائق التركيه والبريطانية والأمريكية.. وحشدت الشهود ممن عاشوا أو عملوا فى المنطقة من العسكريين المصريين والأجانب.. وكان من بين هؤلاء وزير الحربية فى عهد الملك فاروق ، اسماعيل شيرين ،زوج الأميرة فوزية.. الذى ابدى رغبته فى الشهادة بما يملكه من وثائق.. كما أنه خدم فى هذه المنطقة..
> وقد ظلت اسرائيل تماطل فى الجلاء عن طابا تطبيقا لحكم التحكيم الذى صدر فى 82 سبتمبر 8891 حتى جلت فى 51 مارس 9891.. وكان من حظى حضور هذه اللحظة الفريدة فى تاريخ الوطن حين شهدت إنزال علم اسرائيل ورفع علم مصر على النقطه 29 آخر نقاط الحدود المصرية من بين مجموعة أخرى من النقاط حكمت محكمة التحكيم بمصريتها.. وكانت من أسعد اللحظات التى تحفر مكانا ثابتا فى الذاكرة.. بكل ما تخللها من خروج آخر جنود الاحتلال الاسرائيلي.. مع صريخ وعويل المجندات الاسرائيليات اللاتى كن ممتنعات عن الرحيل..
>>>
> كان العدو يدرك تماما أن طابا مصرية.. وتحتفظ ذاكرتى بلقاء تم فى أمريكا بينى وبين صاحب فندق سونستا الذى بنى على أرض طابا.. بعد أن عرفنى به صديق صحفى أمريكى كنا نلتقى فى كثير من المؤتمرات الدولية السياحية.. وجاءنى يقول تعال.. أعرفك بشخص سيحدث لكم مشكلة عند خروج إسرائيل من سيناء.. وكنا فى حفل عشاء فى مؤتمر سياحى سنوى دولى فى أمريكا يسمى باو واو « Pow Wow » وهى كلمات هندية لمن اسموهم الهنود الحمر.. تعنى هيا تجمعوا.. وكنت أحضر هذا المؤتمر سنويا مع زميلين عزيزين راحلين.. هما الأخ العزيز جلال دويدار وعبد الرحمن سليمان..
> أخذنى الصديق الأمريكى الى حيث يجلس « باشادو « وهذا هو اسمه.. وكانت معه زوجته.. وكان يهوديا من أصل مصرى من الاسكندرية.. وفى سياق حديثنا فوجئت به يخبرنى أن مناحم بيجين.. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلى فى ذلك الوقت.. قد رشح له المنطقة التى بنى عليها الفندق.. وهو يعلم أنها خارج ايلات.. ولما راجعه فى هذا الاختيار.. قال له بيجين ابدأ العمل وسنأخذ هذه الأرض من المصريين.. ولما قلت أنت تعرف انها أرض مصرية.. ولابد أن تعود إلينا.. فقال لى بيجن أكد أنها لن تعود.. وإذا عادت إليكم فسوف « أطق « الفندق.. أى ينسفه.. وهو ما لم يحدث.. عادت الأرض.. ودخل الفندق ضمن طابا المصرية.. وتقاضى ثمنا مبالغا له.. وظلت المفاوضات معه حول ثمن الفندق المغالى فيه الى لحظات قبل موعد انسحاب اسرائيل من طابا..
> وأعتقد انى كنت بذلك اللقاء الذى تم فى أمريكا فى نوفمبر 1891 مع مالك فندق سونستا فى طابا أول من عرف بمشكلة طابا.. التى لم تكن قد ظهرت على السطح قبل ذلك الوقت.. وقد ذكرت ذلك فى مقال لى بعد عودتى من أمريكا فى نوفمبر 1891.. وكما كنت أول من عرف بالمشكلة أسعدنى الحظ بأن أشهد ختامها فى يوم رحيل آخر جنود الاحتلال من طابا فى 51 مارس عام 9891.. وكان رفع العلم الكبير الذى زين ساحة طابا قد تأجل إلى 91 مارس 9891.. حتى تم إعداد الساحة للاحتفال وإعداد صارى العلم فيها والذى رفعه الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى ذلك اليوم الذى أصبح العيد القومى لمحافظة جنوب سيناء..
>>>
> لا أريد أن أستطرد فى الحديث عن طابا.. وأتحدث عن سيناء بشكل عام بعد اتمام مراحل الانسحاب الاسرائيلى منها.. وأقول ان السياحة المصرية.. وقطاعها العام على وجه التحديد.. كانت أسبق الجميع فى العمل والبناء فى سيناء بعد خروج الاحتلال فور انتهاء كل مرحلة من مراحل خروج الاحتلال من سيناء.. وكان القطاع العام السياحى رائدا فى هذا.. وتبعه القطاع الخاص.. حدث هذا فى العريش.. وفى رأس سدر.. وفى سانت كاترين.. وفى شرم الشيخ.. وفى دهب.. وفى نويبع.. وفى طابا..
> وبالمناسبة كان معظم ما تركه الاحتلال عبارة عن شاليهات من الفيبرجلاس والخشب الحبيبي.. كان يعرف انه لابد سيغادر.. ولذلك كانت هذه منشآت مؤقتة.. ومع ذلك فإن مصر دفعت ثمن كل ماتركه الاحتلال من منشآت فى المناطق السياحية.. وجرى التفاوض على هذه الأثمان بين مسئولين سياحيين مصريين وآخرين فى اسرائيل.. وكان من حظى أيضا آنى كنت الوحيد الذى تابعها..
>>>
> كانت دعاية إسرائيل قبل الجلاء تدعو مواطنيها وسياح العالم إلى زيارة سيناء « قبل أن يهملها المصريون» .. ولا تصبح صالحة للزيارة.. ولكن ما حدث هو أن مصر صنعت من السياحة فى سيناء.. وفى جنوبها على وجه التحديد.. قصة نجاح وتجربة تتطلع الكثير من الدول الى ماتحقق فيها من نجاح باعجاب.. وأيضا بتعجب.. كيف ومتى صنع المصريون كل هذا ؟..