من المستحيل إبادة شعب بأكمله
لماذا وافقت إسرائيل الآن والآن فقط على وقف إطلاق النار فى قطاع غزة بعد مرور خمسة عشر شهرًا على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى وهى التى رفضت من قبل عشرات الاتفاقات خاصة أن الاتفاق الأخير الذى وافقت عليه طرحته فى مايو الماضى إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى تنتهى ولايته اليوم؟!..هل هى بركات ترامب الذى سيتم تنصيبه رسميا غدا..أم هى مجرد هدنة لالتقاط الأنفاس حتى ترتاح قوات الاحتلال المنهكة بعضا من الوقت..أم أن إسرائيل ترى بالفعل أن ما حققته فى غزة ولبنان وسوريا يضمن لها الأمن والأمان ويمنع تكرار عملية «طوفان الأقصي» مستقبلا وأن استمرار بقاءها فى غزة التى تحولت إلى مدينة أشباح يستنزف قدراتها البشرية والمادية.؟.
ربما لكل هذه الأسباب وافقت إسرائيل على وقف النار.. فهل فى ذلك انتصار؟.. إنه ليس انتصاراً خاصة أن إسرائيل تعتبر هذا الاتفاق مجرد هدنة وليس نهاية حرب تماما على نفس صيغة وطريقة الاتفاق مع لبنان الذى ينص أيضا على الانسحاب التدريجى لقوات الاحتلال.. فإذا وضعنا فى الاعتبار أن مدة تنفيذ هذا الاتفاق أكثر من مائة يوم ومع ما هو معروف عن إسرائيل عدم التزامها بكافة القرارات والاتفاقات والتعهدات يصبح هذا الاتفاق معرضا للعديد من الخروقات الكفيلة بنسفه من الأساس.
شيء واحد سيكشف لنا السبب الحقيقى وراء موافقة إسرائيل على وقف النار فى غزة وهو كيفية تعاملها مع هذا الاتفاق ومدى التزامها بتنفيذه فإذا ضربت به عرض الحائط بعد فك أسر المحتجزين لدى حماس سيدرك العالم هنا أن إسرائيل تعاملت مع هذا الاتفاق على أنه مجرد نهاية مرحلة استعدادا لبدء مرحلة جديدة وأن أطماعها التوسعية فى المنطقة لم تتوقف وأن غزة التى أصبحت غير قابلة للحياة ستجبر سكانها على الرحيل فى نهاية المطاف بعد أن فقدوا كل شيء من أقارب وممتلكات.
أما إذا تعاملت إسرائيل بجدية فى تنفيذ اتفاق غزة وانسحبت بالفعل من القطاع تكون بالتالى قد أيقنت أنه لايمكن أن تحقق أكثر مما تم تحقيقه ليس فى غزة فقط بل فى لبنان وسوريا أيضا وأنه لايمكن أن تستمر فى حروب لا تنتهى وتكلفتها باهظة على كافة الأصعدة وأنه – وهذا هو المهم ــ من المستحيل إبادة شعب بأكمله.. عموما اعتبارا من اليوم وهو بدء تنفيذ الاتفاق وفى الأيام المقبلة سنعرف تماما السبب الحقيقى وراء موافقة إسرائيل على وقف النار فى غزة من خلال طريقة تعاملها مع هذا الاتفاق ..أتمنى أن تكون جادة حقا لتعيش منطقة الشرق الأوسط فى حالة من الهدوء.. لكن ما يثير مخاوفى اننا لا نعرف حتى الآن من الذى سيدير قطاع غزة بعد الحرب.