القاهرة كشفت الخلل الذى أصاب المجتمع الدولى وضميره وثوابته..
وإذا لم تكن قضية فلسطين بداية الإصلاح فلا أمل فى هذا النظام الدولى
يقف العالم مترقباً ما سيحدث فى غزة ورفح الفلسطينية، وما ستنجم عنه مفاوضات الهدنة التى تقودها مصر بجهود مضنية مخلصة وبتنسيق قطرى – أمريكى، من أجل التهدئة فى ظل العدوان الإسرائيلى وسيطرة الاحتلال على المعبر من الجانب الفلسطينى.
لا أحد يعلم ماذا سيحدث، ولا السيناريوهات المقبلة، الضبابية تخيم على الأجواء، الأطراف المعنية تبدو وكأنها غير مدركة لحجم الكارثة التى تهدد الجميع، كل طرف لا يبحث سوى عن مصلحته فقط، الأمر الذى يفرض علينا جميعا القلق، القضية خطيرة ومصيرية، ولا تخص فقط إسرائيل وحماس، بل المنطقة بالكامل وهو ما يعنى العالم كله، فلا استقرار ولا سلام بدون عودة الوضع في فلسطين الى الهدوء ووقف اطلاق النار، وهذا القرار وإن كان يملكه وزراء حكومة الحرب الاسرائيلية المتطرفة، وفى مقابلها حماس، لكن المجتمع الدولى كله شريك وعليه مسئولية كبيرة فى إنقاذ الوضع وإطفاء النيران المشتعلة، بعيداً عن التصريحات الاستهلاكية والبيانات المعلبة التى مللناها، النيران المشتعلة لن تحرق الطرفين فقط وانما ستطول الجميع، بتداعياتها الأمنية والاقتصادية والانسانية الخطيرة.
مصر منذ اللحظة الأولى تستشعر الخطر وترى الواقع الصعب، ولذلك تتحرك فى كل الاتجاهات وتفتح خطوط اتصال مع كل الأطراف من أجل جسر الفجوة فى المواقف وتقريب وجهات النظر، لا تفقد مصر الأمل بل تُصر على مواصلة جولات المفاوضات وفتح كل الأبواب التى يمكن أن تؤدى الى حلول جذرية، وفى الوقت نفسه تحذر بوضوح من مغبة العناد غير المحسوب أوالرهان على سياسة حافة الهاوية التى لا أمان لها بل قد تقود الاقليم كله الى الدمار.
مصر كما تؤكد دائما قولا وفعلا حريصة على ايجاد حل سياسى عادل ومخرج يحمى الابرياء من نزيف الدم المتواصل ويعيد الاستقرار الى المنطقة التى اصبحت على شفا حرب اقليمية يصعب التكهن بتداعياتها ومداها.
الرئيس السيسى ناشد الجميع ان يبذلوا قصارى جهدهم من اجل منح الفرصة للجهود الدبلوماسية كى تؤتى ثمارها والتوصل الى اتفاق ينهى المعاناة التى يواجهها الشعب الفلسطينى، وهو نداء يستحق ان يستمع إليه الجميع ويعملوا على تحقيقه بدلا من التمادى غير المسئول فى اللعب بالنار، وكفى ما خسرته الإنسانية خلال سبعة شهور دموية راح ضحيتها نحو 35 ألف شهيد وأكثر من 77 ألف مصاب لا ذنب لهم فى هذا الصراع، ويتحمل المجتمع الدولى مسئوليته بتخاذله وضعف ارادته بل وانحيازاته المتطرفة الى الجانى، الذى يقتل شعبا كل جريمته انه يعيش على أرضه ومتمسك بوطنه ويحلم بأن تكون له دولة آمنة.
الوضع كارثى والضمير العالمى الذى نام طويلاً حان الوقت كى يستيقظ ويستمع إلى الصوت المصرى الباحث عن السلام واسكات أصوات القنابل وإنقاذ الأبرياء.
يقينا مصر تدافع عن امنها القومى الذى لن تسمح لاحد بالاقتراب منه او المساس به، وهذا ما اعلنته فى ثوابتها التى لم تتغير منذ البداية، ومن أهمها انها لن تسمح بتصفية القضية أو تهجير الشعب الفلسطينى، لكن فى الوضع الحالى فمصر مهمومة ومعنية فى المقام الاول بانهاء معاناة شعب يبحث عن حقه فى الحياة، ولا يجد من يحميه فى ظل عالم غلبت عليه المصالح الضيقة.
إننا نتحدث كثيرًا عن تغيير المنظومة الدولية الظالمة التى دائما ما تنحاز للأقوى وليس لصاحب الحق، وهذا امر ضرورى، لكننا ايضا يجب ان نتحدث الآن وبوضوح عن تصحيح مفهوم انسانية العالم التى نسمع عنها ولا نجدها، الضمير الانسانى الذى اصبح وكأنه سراب، توحش الغرب الذى صدعنا بحقوق الانسان ومبادئ العدالة ولم يفكر لحظة فى ان يوقف دبابات الاحتلال التى دهست العدالة وأسالت دماء الأبرياء.
لقد حان الوقت لوقفة تصحيح دولية، اعتقد ان بدايتها انطلقت من القاهرة التى كانت واضحة وصريحة فى اظهار الخلل الذى اصاب المجتمع الدولى وضميره وثوابته الوهمية والمطالبة بالتصحيح، وإذا لم تكن قضية فلسطين بداية الإصلاح فلا أمل فى هذا النظام الدولى ومؤسساته التى شاخت.