عندما تراجع دفتر الأحداث طوال العام الماضي ستجد وجوهًا متلونة ومواقف متحولة وأصفارًا تحاول أن تكون رقمًا صحيحًا في المعادلة، لكن عند مصر ستجد ثوابت لم تتغير، ومواقف واحدة لم تتبدل، فهى مصر الواضحة المتسقة مع ذاتها، الثابتة في مبادئها، الراقية في مواقفها، المؤتمنة في علاقاتها، في كل قضايا المنطقة تظهر ثوابتها علانية، لا تتحدث بلسانين وإنما لها طرح واحد ورؤية معلنة، وخط لا تحيد عنه، وكثيرًا ما يسبب لها ذلك متاعب ويخلق مواقف عدائية لكن هذا لا يعنى مصر ولا يغير توجهها لأنها لا تبحث إلا عن مصالحها العليا وأمنها القومى وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية للجميع، لا تدخل طرفًا في صراع ولا تنضم لمؤامرة، فالتآمر ليس من سمات مصر عبر الزمان، بل دائمًا ما تبحث عن التوافق، تسعى للتعايش مرتكنة إلى حضارة عريقة وشخصية متفردة وتاريخ شاهد على عظمتها.
في القضية الفلسطينية لم تتغير كلمة مصر ولم يتبدل موقفها، مطلبها محدد دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية يستعيد بها الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وتتوقف معها الجرائم الإسرائيلية في حق الأبرياء، تحذر مصر من أنه لا سلام ولا استقرار في المنطقة ولا إنهاء للعنف والإرهاب إلا بحل القضية الفلسطينية وفق ما سبق، دون ذلك لا تقبل مصر أى حلول حفاظًا على القضية وحقوق الأشقاء، ولذلك تصدت بقوة لمخطط التهجير وتصفية القضية، وأعلنت أنها بشكل قاطع لن تقبل تهجير الأشقاء تحت أي ظرف في وضوح لا يقبل الشك وصراحة لا تحتمل التأويل.
من اليمن وسوريا ولبنان إلى ليبيا والسودان، تقف مصر بنفس الوضوح ضد أى مساس باستقرار وسيادة الدولة تطالب وتعمل من أجل عودة الدولة الوطنية ومؤسساتها وخروج أى ميليشيات أو عناصر أجنبية وأن يحدد أبناء الدولة مصيرها ويرسموا مستقبلها دون تدخلات خارجية في شئونها، لم نسمع من قيادة مصر ومسئوليها أى حديث يذهب بعيدًا عن هذه الثوابت أو يقبل بغيرها، أو يتهاون مع أى أفعال تمثل مساسًا بوحدة وسلامة أى دولة، أو يسمح بالتدخل في أمورها.
في القرن الإفريقى الوضوح المصرى كامل، العمل ضد كل من يحاول زعزعة الأمن في هذه المنطقة الحيوية ويهدد الملاحة في البحر الأحمر ليس من أجل مصلحة مصرية بل من أجل العالم كله.
الثوابت المصرية تمتد إلى العلاقات الدولية، فلا تقبل تبعية لأحد ولا فرض لتوجهات ولا رضوخ لإملاءات، بل علاقات تقوم على الشراكة والمصالح المشتركة والندية، الاستقلالية في القرار وإقامة العلاقات مع كل الأطراف، نهج تتعامل به مصر ولن تغيره، تتحدث في كل مناسبة ومحفل دولى بما يعبر عن الحقيقة ويترجم هموم الدول النامية ويجسد غضب شعوب الجنوب مما يشهده العالم من ازدواجية فى المعايير وسيطرة مصالح الكبار، كل هذه الثوابت المصرية معلنة، لا تخشى ولا تخجل مصر من إعلان مواقفها، وحديث الرئيس السيسى فى القمة العربية الإسلامية بالرياض كان ترجمة لهذه الثوابت التي يؤكد عليها في كل وقت، ورسالة إلى كل العالم في وقت صعب أن مصر لا تحيد عن مواقفها.
ولهذا عندما يأتى من يحاول تشويه الموقف المصرى ويلقى شائعات وأكاذيب ملفقة حول دورها ومساندتها للقضية الفلسطينية أو موقفها من التصرفات الإسرائيلية الإجرامية فالمفترض أن يعرف الجميع أن من يروج هذا هدفه خبيث وأنه لا يبحث عن مصلحة فلسطين التي تراعيها مصر وتدافع عنها بكل السبل، وضحت من أجلها بالكثير، وإنما هدفه الإنتقام من مصر التي كانت بمواقفها الحاسمة الواضحة سببًا في إفساد الكثير من المخططات التي كانت على وشك النجاح لولا مصر، الشائعات والأكاذيب لا يمكن أن تثنى الدولة المصرية عن طريقها أو تجبرها على القبول بما ترفضه انطلاقًا من ثوابتها الوطنية، بل ستواصل دورها التاريخي عربيًا واقليميًا ولن تتراجع في دفاعها عن قضية العرب الأولى مهما كان الثمن، كما لن تتراجع مصر عن البناء، معلوم أن كل خطوة تعمير تزيد غضب الطامعين في سقوط مصر، وكل انجاز يحرقهم، وكل تطور يؤلمهم، وكل نجاح يقتلهم نفسيًا، ولذلك لا يتوقفون عن الكذب والتشويه والتدبير لإثارة الفتن، ولن نسمح لهم بإفساد مشوار بدأناه وسنكمله، وكما أنهم لن يتوقفوا عن الكذب ضد مصر، لن نتوقف نحن عن البناء لمصر وحماية أمننا القومي والدفاع عن مستقبلنا وقضايا أمتنا، وليموتوا بغيظهم.