كلنا صفقنا لقرارات المجلس الأعلى للإعلام لضبط إيقاع الإعلام الرياضى الذى تجاوز كل الحدود وكاد يشعل نار الفتنة من جديد بين جماهير الكرة فى مصر.. وكنت أتمنى ويوافقنى الكثير بأن تنفذ تلك القرارات فور إصدارها ولا ننتظر ساعة واحدة لأن الموقف جد خطير ولا يحتمل أى تأجيل.. لكن المجلس أرجأ تنفيذ قراراته إلى بداية العام الجديد مراعاة لعقود الرعاية والإعلانات وخرائط القنوات وبرامجها.. ومازلنا ننتظر قدوم أول يناير حتى تدخل الضوابط الجديدة حيز التنفيذ.. ننتظر أن تنتهى كافة البرامج الرياضية واستوديوهات التحليل من عبثها بحلول منتصف الليل ولا تمتد حتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي.. مازلنا ننتظر اختفاء المشهد العبثى المتكرر.. خبير تحكيمى هنا.. وخبير تحكيمى هناك.. الأول يتبنى توجهاً معيناً ويدافع عنه.. والآخر يتبنى طريقاً مغايراً وعكسياً وأيضاً يدافع عنه باستماتة.. غلبت الانتماءات والولاءات الشخصية على معايير الموضوعية والنزاهة والشفافية.. كلنا وافقنا المجلس الأعلى للإعلام فى قراراته الإصلاحية التنويرية عدا حفنة من الإعلاميين المتأثرين الذين يريدون استمرار المقهى مفتوحاً حتى الصباح.. هؤلاء اعترضوا على القرارات بشدة وحاولوا رفضها أو تعطيلها أو حتى تأجيلها.. ولكن المجلس تصدى لهم بشدة وأدار المهندس خالد عبدالعزيز المعركة بنجاح وشرح أسباب وحيثيات القرارات الأخيرة.. طبعاً هؤلاء المعترضون لم يقتنعوا ولن يفهموا لأن مصالحهم أهم وأعظم.. يريدون استمرار الفوضى الرياضية على الشاشات الفضائية لأطول فترة ممكنة.. برامج ما أنزل الله بها من سلطان.. ومذيعون ومذيعات.. وخبراء ومحللون وحكام وإعلاميون وبلوجرز.. كل هؤلاء يتدافعون فى الظهور على الشاشات حتى صباح اليوم التالى يدافعون عن انتماءات خاصة بعيداً عن الموضوعية والشفافية التى يتشدقون بالتمسك بها وهم عنها أبعد من السماء والأرض!!!!!
الإعلام الرياضى بلغ فى بلدنا ذروة الجنون وكان لابد من التدخل فوراً لإنقاذ المنظومة ومنع نشوب حرب جماهير بسبب آرائهم وتحليلاتهم المثيرة للفتنة والبلبلة خاصة بين جماهير القطبين الكبيرين.. لن أخوض فى مسميات لبرامج وشخصيات.. فالكل يعرف المشهد الهزلى الذى آلت إليه بعض برامجنا الرياضية على الشاشات.. من المفترض أن يظهر المذيع ــ أى مذيع ــ محايداً وموضوعياً فى برنامجه ولا يحاول كسب ود ناد على حساب ناد آخر أو باقى الأندية.. من المفترض أن يظل المذيع ــ أى مذيع ــ موضوعياً وشفافاً يقف على مسافة واحدة من جميع الأندية ولا ينحاز لناد على حساب الآخرين.. ولكن ما يحدث على أرض الواقع شيء آخر.. انتماءات واضحة ومعلنة والمذيع يعترف بانتمائه لناد معين ويتباهى بتشجيعه ودعمه ومساندته.. هكذا ومن دون أى خجل أو استحياء أو مراعاة للموضوعية والمهنية.. كذلك الحكام أو ما يطلق عليهم فى ستوديوهات التحليل خبراء التحكيم.. ورغم إدعاء معرفتهم بقانون الكرة وأحكامها وتطبيقهم لها.. نجدهم يختلفون فى لعبة واحدة.. بعضهم يرى أن الكرة ضربة جزاء.. والآخرون لا يرون ذلك إطلاقاً.. بعضهم يرى الكرة هدفاً صحيحاً مليون فى المائة.. بينما يقسم الآخرون أنها ليست هدفاً ويقولون: نحن نقول الحق ويشهد الله علينا.. والله منهم براء.. أما ما يتعلق بوقت استوديوهات التحليل فكانت الفوضى بعينها.. ساعة قبل المباراة وساعتان وربما ثلاث ساعات بعد المباراة.. ثم برامج جديدة تواصل عمليات الإثارة وبث الفتنة بين الجماهير.. وتظل أخطر جريمة ترتكبها هذه البرامج استضافة محللين أو نقاد رياضيين أو لاعبين سابقين حيث ينقسموا إلى معسكرين.. الأحمر والأبيض.. هذا يدافع عن ناديه.. وذاك يدافع عن ناديه.. وفى النهاية يحدث تصادم كبير وخروج عن النص وتحول البرنامج إلى خناقة فى حارة شعبية فيضطر المذيع للخروج إلى فاصل حتى لا تحدث فى الاستوديو مجزرة على الهواء.. الكل يسعى لكسب رضا جمهوره.. والكل يسعى لركوب التريند وتصدر السوشيال ميديا بعدد مشاهدات ومتابعات ولايكات ومشاركات مليونية لجنى الدولارات.. ولتذهب المبادئ إلى الجحيم.. ولتذهب المهنية والموضوعية والنزاهة إلى نار جهنم.
أتمنى أن تطبق قرارات الأعلى للإعلام على الجميع.. يجب أن تلتزم بها كل البرامج التى تذاع فى مصر حتى وإن كانت عبر قنوات غير مصرية.. لكنها كلها مصرية.. المذيع مصري.. والضيوف مصريون.. والمباريات والأحداث مصرية.. ولذلك يجب أن يلتزموا بالقوانين المصرية.. وليس فى ذلك أى خروج عن قوانين الاستثمار أو اللوائح والقواعد التى تحكم القنوات غير المصرية التى تعمل داخل مصر.. وإذا كنا نشجع دائماً «اللعبة الحلوة» فليس هناك أحلى من المساواة بين الجميع.. وإذا كنا نشجع جميعاً «اللعب النظيف» فليس هناك أنظف ولا أروع ولا أجمل من تطبيق المعايير على الجميع.. من أول يناير نستطيع جميعاً أن نخلد للنوم عند منتصف الليل حيث انتهت كل البرامج الرياضية عند هذا التوقيت.. ولا مجال حتى للإعادة بعد منتصف الليل.. من أول يناير سنجد ستوديوهات التحليل ساعة واحدة بحد أقصى 90 دقيقة وليس 9 ساعات كاملة نسمع فيها لت وعجن وكلام مكرر وشعارات فارغة وإدعاءات وأكاذيب وتحليلات هلامية ليست إلا مجرد خيالات وأوهام فى ذهن صاحبها!! ومن أول يناير لن نرى خبراء تحكيميين يزعمون تطبيق القانون وهم يضربون بكل قوانين الكرة عرض الحائط.. وداعاً للفوضى والعبثية والبرامج الكارثية.. وأهلاً بإعلام رياضى يحترم عقلية المشاهد.. غير منحاز لناد أحمر أو أبيض أو أزرق.. إعلام نظيف حر لا تحكمه المصالح والأهواء والانتماءات الشخصية الضيقة.. وأظن أن تطبيق الضوابط الجديدة سيجعل الأسرة المصرية تعود من جديد للالتفاف حول الشاشات لمشاهدة برامج وستوديوهات تحليل نظيفة وعادلة وموضوعية بعد أن تغيب عن الساحة تلك الوجوه المكروهة التى كرهتنا جميعاً فى الرياضة وحلاوتها وفى الكورة وروعتها.. وفى التنافس الشريف والأداء الرجولى والأهداف الملعوبة.