يضفى الأزهر الشريف الجامع والجامعة المكانة الروحية والعلمية الرفيعة على من يتولى مشيخة الأزهر وذلك منذ تأسيسه عام 359 هـ – 970 م على يد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله.. ومع إقامة أول صلاة فى هذا المكان فى 7 رمضان عام 361 هـ الموافق 21 من يونيو 972 م ومكانته واسمه فى قلوب المسلمين كقبلة علمية ليس فى مصر فقط بل فى العالم الإسلامى ومن يدينون بدين الإسلام.. كما يلقى التقدير والاحترام من جميع الديانات الأخرى فهو ناشر الإسلام الوسطى ومنبر السماحة والسلام.. وفى تاريخه الطويل الممتد تولى المشيخة 48 إماما منذ أول إمام تولى مشيخة الأزهر وهو الشيخ أبو عبدالله محمد بن جمال الدين عبدالله بن على الخراشى «المالكي» – ابن شبراخيت حتى الشيخ أحمد الطيب الإمام «48» وتعاقب على المنصب علماء أجلاء مشهود لهم بالعلم والمعرفة ساهموا بفكرهم فى المحافظة على المكان ليظل منارة لكل المسلمين فى بقاع الأرض.. وربما أتجاوز عدداً من الذين تولوا المشيخة مع بدايتها وأقف عند اسرة واحدة أردت تسليط الضوء حولها، هذه الأسرة صاحبة لمسات فريدة حيث إن 3 من أفرادها تولوا مشيخة الأزهر وهم الجد والابن والحفيد وهم على الترتيب الجد أحمد بن موسى بن داوود أبو الصلاح العروسى «الإمام الحادى عشر للأزهر» أما ابنه فضيلة الإمام الشيخ أحمد بن موسى بن محمد بن أحمد بن موسى بن داوود العروسي.. وهو الإمام الثالث وشيخ الأزهر من هذه العائلة.. وأيضا هو أول إمام يتم عزله من المنصب عام 1870 فى عهد الخديو إسماعيل وذلك عقب عام واحد من افتتاح قرية صغيرة قريبة من القناطر الخيرية ويطلق عليها العامة «منيل العروسي» والبعض كما هو رسميا بـ»منيل العروس» ضمن قرى مركز أشمون بالمنوفية وقريبة من عروس السياحة فى دلتا القناطر الخيرية.. هذه المناصب الثلاثة التى وصلت إلى بيت واحد سجلت سابقة فريدة بين مشايخ الأزهر الشريف خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وعكس المنصب لعائلة العروسى بلا شك شهرة خاصة تناقلتها الأجيال وليس أبناء قريتهم مسقط رأسهم فقط.
أول من تولى مشيخة الأزهر الشريف من هذه العائلة هو الشيخ أحمد والمعروف بين سجلات كتب التاريخ والأزهر الشريف باسم شهاب الدين أبو الصلاح أحمد بن موسى بن داوود العروسى الشافعي.. المولود فى قرية منية العروس عام 1720 م.. وتعلم فى جنبات القرية المشهورة مسقط العديد من العلماء مبادئ العلوم الأولية وحفظ القرآن ومع رغبة والده فى استمراره فى العلوم الأزهرية التى كانت متاحة فى ذلك الوقت اجتاز امتحانات القبول المطلوبة للالتحاق بالأزهر ومن أجل تحصيل العلم ومواصلة الدراسة انتقل إلى القاهرة وسكن بالقرب من الجامع الذى حلم بالدراسة فى جامعته وأروقته وكان بليغا حصيفا ونال إعجاب أساتذته لتفوقه وحسن تحصيله.. وتوسع بإبحار فى العلوم الدينية وكانت له نزعة صوفية عرف بها وعرفها أساتذته من الشيوخ خاصة فى تقربه إلى الشيخ أحمد العريان كما كان قد تلقى كثيراً من المعارف على يد العالم الصوفى السيد مصطفى البكرى وكبار مشايخ الأزهر فى ذلك العصر وكان من أسباب علاقته القوية بالشيخ العريان الذى له مسجد يحمل اسمه فى القاهرة وتوثقت علاقتهما العلمية وتزوج ابنة الشيخ أحمد العريان الذى يعود له الفضل فى مساندته علمياً وتنبأ له بأنه سيكون يوما ما شيخا للأزهر الشريف لما رآه منه من تبحر فى علوم الدين وسعة الأفق واعتبره من هؤلاء الذين يحبسون جهدهم فى العلم فيتصدرون مجالسه وفى نظر الشيخ العريان أن من هو مثل الشيخ العروسى الجد هو من يقتدى أثرهم.. وكان الشيخ العروسى من هؤلاء العلماء الذين يفتحون خزائن علمهم لتلاميذهم ولا يفرقون فى المعاملة بين طالب علم وأى من أبنائه.
وتميز العروسى بأنه رجل واسع البيان صدوق اللسان يقولون عنه «إذا تحدث نفث الدر وإذا لقيته تجد فيه ما يسعد ويسر».. تدرج فى عمله بالعديد من المواقع حتى اعتلى عرش المشيخة فى الفترة من 1778 إلى 1793 وعلى مدى 15 عاماً حيث تولاها وكان يبلغ من العمر 58 عاما.. ويحكى عنه أنه كان مدافعا قويا عن الحقوق فى وجه من يحاول الجور على المواطن وكان معروفا عنه أنه مدافع دوما ورافع عصا الظلم والبغى عن المظلومين.. وقد تولى مشيخة الأزهر بعد وفاة الشيخ أحمد الدمنهورى وتبوأ مكانة مهمة لدى أصحاب السلطة وشفاعته كانت مقبولة لدى الحكام وفى هذا يسرد أهل العلم أن الشيخ العروسى عندما كثر تعدى الوالى أحمد أغا على أهل الحسينية قام بجهد كبير فى رد ما أخذ منهم وذهب إلى إسماعيل بك وانتهى الأمر بعزل أحمد أغا واختيار شخص آخر.. ومرة اشتد الغلاء والحاجة فذهب إلى الوالى حسن باشا وعرض عليه الأمر وتشاور معه وتم وضع تسعيرة للخبز واللحم والسمن وغيرها من السلع.
ويحسب للعروسى الجد أنه كان له منزلة كبيرة لدى أصحاب السلطة يقبلون شفاعته كما أنه كانت له صيت واسع لدى كبار العلماء فى وأهل العلم الذين سبقوه من أهل العلم والذين لمسوا فيه شغفه الجم فى المعرفة وحفظه القرآن فى منيل العروس قريته وبكراً ظهرا نبوغه.. واستمع خلال رحلته مع الأزهر كتب شيوخه ودرس البخارى على يد الشيخ أحمد الملوى وتفسير البيضاوى والجلالين على يد الشيخ عبدالله الشبراوى – سابع شيوخ الأزهر الشريف.. وكذلك مختصر ابن ابى جمرة والشمائل النبوية للترمذى وشرح بن حجر للأربعين النووية والجامع الصغير للسيوطى على يد الشيخ يوسف الحفنى وكان العروسى الجد قد تفقه فى التعلم على يد الشيخ على قايتباى الأطفيحى والشيخ عيسى البراوى وهم من تلاميذ الشيخ الدمنهورى الإمام العاشر الذى تولى مشيخة الأزهر بعده.
والد الجبرتي المؤرخ
ومن مآثر العروسى الجد أنه لازم الشيخ حسن الجبرتى والد المؤرخ الأشهر عبدالرحمن الجبرتى ومنه أخذ ونهل علوم الرياضيات والجبر وعلوماً أخرى ومع اتصاله بالشيخ أحمد العريان الذى أحبه وسانده ودعم اجتهاده ونبوغه فى العلم ومن صفات حياته أنه كان عالما من كبار علماء الشافعية محققا الكثير من كتب التراث وبرز نبوغه اللغوى فى النحو وأصول الفقه والبلاغة وغيرها من العلوم والفنون.
العروسى شاعرا
كان الشيخ العروسى «الجد» شاعراً وله العديد من الموشحات التى تحمل اسمه وهذا يعكس أن الشيخ العروسى اختير شيخا للأزهر بعد رحلة علم وعمل ليست قصيرة.. ونجح فى نظم الشعر وهذا أضفى على حديثه بلاغة كبيرة وحسن اطلاعه.
وتتلمذ على يد العروسى «الجد» كثير من أهل وطلاب العلم سواء فى حضور دروسه بالأزهر وأروقته المختلفة وأيضا فى محاضراته التى استمر يقوم بها تدريسا حتى وفاته وكانت مجالسه تتميز بحضور علماء بينهم الشيخ مصطفى الصاوى وموسى السرسى ومحمد الشنواني.. وله مؤلفان مهمان الأول شرح نظم التنوير فى إسقاط التدبير للملوى فى التصوف.. حاشية على الملوى على السمرقندية فى البلاغة.. وهو لم يشتغل كثيراً بالتأليف لانشغاله بالتدريس.
عبدالرحمن الجبرتى المؤرخ الشهير كان قد ارتبط به عن طريق والده الذى ارتبط العروسى الجد بعلاقة معه فقال عنه فى كتابه «تاريخ الجبرتي» الشيخ العروسى – يقصد الجد – رفيق الطباع.. لطيف مهذب.. إذا تحدث نفث الدر وإذا لقيته تجد ما يسعد ويسر» ولم تزل كؤوس فضله مملوءة حتى ورد موارد الموت.
وتميز الشيخ العروسى «الجد» بأنه كان ذا علاقات واسعة مع الأمراء وكان يتدخل لتصفية ما ينشب من نزاع ويذكرون فى ذلك توسطه مع بعضهم للصلح بين الأميرين إبراهيم بك ومراد بك.. وكان لحسن طلعته ومعرفته يتجه إليه الأمراء بالمشورة ويستفتونه فى الكثير من الأمور عندما تصل إلى طريق مسدود.. وكان غالبا الحل لدى العروسى الجد.
وتوفى الشيخ العروسى عن عمر 73 عاما بعد أن أمضى 15 عاما شيخا للأزهر الشريف عام 1793 ودفن بجوار والد زوجته الشيخ العريان وتمت الصلاة عليه فى جامع الأزهر وسط جمع غفير من مريديه وتلاميذه والعلماء والطلاب بالأروقة المختلفة بالأزهر ورثاه العلماء والشعراء ومنها مرثيه إسماعيل الخشاب شاعر هذا العصر أمام الحضور من الأمراء والولاة.
«العروسى الابن».. الإمام الرابع عشر
ينطبق على الابن محمد أحمد العروسى «الابن» قول «ذرية بعضها من بعض» كان ملقبا فى عصره بلقب ابن الإمام وعاش مع والده بعد أن ترك قريته منيل العروس ومع سكن والده بالقاهرة فى منطقة الأزهر الجد البكر به وبدأ بعلوم القرآن كعادة أهل هذا الزمان.. وكان العروسى الجد يأمل من الله لابنه أحمد أن يكون شيخا للأزهر.. وكان المناخ مهيأ لذلك فقد ولد الابن وسط كوكبة من أهل العلم سواء من جانب والده الإمام الحادى عشر للأزهر الشريف أو من خلال جده لوالدته الشيخ «العريان» العارف بالله الشيخ أحمد بن حسن النشرتي.. وهى بالطبع بيئة شغوفة بالعلم والمعرفة ونشأ الابن كما يتمنى العروس الجد محبا للعلم شغوفا بدروس القرآن والعلوم الدينية لدرجة أنه خلف والده بشهادة العلماء بعد وفاته وحل محله فى التدريس.. وليس غريبا أن يفضله عن والده فى تولى مشيخة الأزهر الشريف عالمان كبيران وإمـــامان مشـــهود لهما همـــا الشـــيخ عبداللـه بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوي.. والشيخ محمد بن على بن منصور الشنوانى والشيخ محمد بن على بن منصور الشنواني.. وجاءت توليته مشيخة الأزهر فى فترة مهمة من تاريخ مصر فى عهد محمد على باشا الذى وافق بعد إجماع العلماء على اختياره عقب وفاة شيخ الأزهر الشنوانى عام 1818 واستمر فى منصبه شيخا للأزهر 12 عاما حيث توفى عام 1829 خلفا للإمام الشنواني.
وكان العروسى الابن خلفا وتم اختياره دون منازع للإمام الشنوانى الإمام الثالث عشر للأزهر الشريف الذى اثقله المرض فاتجهت عيون العلماء إلى الشيخ العروسى الابن لما يتمتع به من علوم الفقه والحديث وكان البعض يعتبره ندا للشنوانى وجديراً بالمشيخة قبله لكن الشنوانى كان خيارا مفضلا من قبل محمد على باشا وآثره على العروسى الابن لأنه لم يطلب المشيخة وكان يفضل مجالس العلم والخدمة.. لكن وفاة الشنوانى جعلت العلماء يجتمعون على اختيار العروسى الابن الذى يدخل الأزهر مع صلاة الفجر ولا يبارحه مع دروسه إلا مع الليل فقد كان يلقى دروسه ساعات النهار وزلفا من الليل.
ولم لا فهو الإمام ابن الإمام فقد تميز بمزايا كبيرة ومنها التبحر فى العلم ما جعله محل تقدير الوالى والشعب والعلماء.. صحيح نهل الكثير من علم والده الذى كان قريبا منه وفضله عليه فى الجلوس على كرسى المشيخة فقط عالمان جليلان لكنه تفوق على نفسه فى طلب العلم والبحث ويشهد بذلك فى ذلك الزمان تلاميذه الذين اقبلوا على دروسه فى الأزهر الشريف وهو كجده أيضا شافعي.. ويحسب للإمام محمد العروسى أنه لم يتخلف يوما عن دروسه فى حلقته.. واستطاع بحكمة العالم والفقيه أن يوئد الفتاوى المشبوهة فى فترة ولايته المشيخة ومنها فتوى ذبائح أهل الكتاب.. وجمع على محبته قلوب الجميع وكان مكرما من الأمراء والعلماء ومريديه من أبناء الشعب خاصة أنه لم تشغله مهام المنصب عن مواصلة دوره فى توعية المواطنين بمواصلة التدريس.
لقاؤه مع «كلوت بك»
فى محاولة لتطوير التعليم فى الأزهر التقى وكلوت بك وتناقشا فى مسألة إدخال دراسة الطب لجامعة الأزهر الشريف.. وكاد ينجح فى ذلك لكن توفى قبل أن يتمكن من تحقيق هذا الحلم فى ذلك الوقت فقد كان يرى أن الأزهر يجب أن يكون جامعا شاملا بدراسة العلوم والطب.. وكان بهذه الخطوة فى اجتماعه مع كلوت بك يريد أن يؤكد لأهل العلم والعلماء أن الأزهر ليس علوما دينية فقط.. وأيضا ليؤكد لمن وصفوه بأنه يعيش فى جلباب والده العالم الجليل العروسى «الأب» وعموما فكرة الإمام محمد بن أحمد بن موسى بن داوود العروسى تحققت بعد ذلك فى الأزهر كما نرى الآن ويقول البعض إن الفكرة فى ذلك الوقت المبكر كانت تجد عدم إجماع ولهذا السبب لم يناقشها أحد بعده إلا بعد عقود من وفاته رغم أن الفكرة لو وصلت إلى الوالى محمد على باشا كان سيوافق عليها.
توفى الإمام محمد العروسى الابن عام 1245 هـ طاويا صفحة الإمام الرابع عشر فى سلسلة الأئمة والثانى فى سلسلة عائلة العروسى وشيع كوالده وشيوخ الأزهر السابقين بجنازة حاشدة وتم دفنه فى جوار والده بمسجد «العريان».
فقد ولد عام 1798 متزامنا بعد عام واحد من حملة نابليون الفرنسية على مصر وهذا العام الذى دخل فيه الفرنسيون الأزهر الشريف فى واقعة أججت مشاعر المصريين ضد نابليون والحملة الفرنسية والتى تطورت لإرضاء وامتصاص غضب المصريين بعدها بإعلان أحد قوادها ميثو بإعلان إسلامه وسمى نفسه عبدالله وتزوج فتاة مصرية من رشيد.
تولى المشيخة وعمره 66 عاما مسلحاً بتاريخ أزهرى حافل وجاء اختياره بعد مرض إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجورى الذى تربع على كرسى المشيخة عدة سنوات وبسبب المرض عجز عن مزاولة شئون المنصب الكبير.
وأمام طول فترة المرض اجتمع 5 من العلماء هم من المشايخ أحمد العدوى «المالكي».. وإسماعيل الحلبى «الحنفي» وخليفة الفشنى «الشافعي» ومصطفى العامرى «الشافعي» ومصطفى العروسى «الشافعي» وظل هذا المجلس قائما بأعمال فضيلة الإمام الشيخ الباجورى من سنة 1277 حتى حلل محله الإمام الشيخ مصطفى العروسى بعد سنوات من وفاته.
الحفيد
والحفيد الشيخ مصطفى العروسى لا يختلف عن والده الشيخ أحمد العروسى من ناحية التأهيل والالتحاق بالأزهر الشريف حيث البيئة المناسبة لمواصلة تاريخ الأسرة فى التعليم الأزهرى وشغفه بأن ينال كما نال أبناء الأسرة من شرف التعليم فى الأزهر الشريف وحفظ القرآن مبكراً ونهل من المعارف المختلفة إضافة إلى العلوم التقليدية كالرياضة والجبر وغيرهما وأيضا واصل دروسه وحلقاته الدراسية التى كان متمرسا عليها وأظهر نبوغا واضحا وإدراكا عاليا وتفوقا مع الحرص على الدقة والنظام واتباع العلوم الفقهية الصحيحة.
محاربة البدع والخرافات
تصدى لمحاربة البدع والخرافات التى كانت تسيء للأزهر وتشوه الإسلام ويحسب له أنه حاول محاولات جادة لتطوير العمل فى الأزهر بإدخال المدرسين المؤهلين للتدريس فى الامتحانات والتدريب للحفاظ على مكانة التعليم الأزهرى وعرف عنه توجهه الإصلاحى فى الأزهر.. وحاول ضمن برنامجه النهوض بعلماء الأزهر الشريف وإلحاقهم بدواوين الحكومة والقضاء.. وتميز بقوة شخصيته والحرص على النظام والانضباط فى أروقة الأزهر ويحسب للشيخ العروسى «الحفيد» مصطفى العروسى أنه قضى على كثير من البدع التى كانت شائعة فى فترة ولايته المشيخة 1864 – 1870 ومنع التسول بالقرآن الكريم.
فى إطار طريق الإصلاح الذى انتهجه اقترح على الخديو إسماعيل إعفاء الطلاب بالأزهر الشريف من القرعة العسكرية واستجاب له.. كما وضع الأسس الأولية لإدارة جامعة الأزهر بمشاركة الشيخ فى الأروقة والرعاية الصحية للمجاورين بالأزهر والتوعية بالنظافة وقواعدها وتطبيق ذلك فى كل الأماكن الخاصة بالأزهر.. ونجح فى منع التسول بالقرآن الكريم وهى العادة التى استخدمها البعض والمجاورون فى الأروقة وكانت فى ذلك الوقت كحرفة يتربحون منها فى الشوارع المختلفة.. وطلب من السلطات توقيع عقوبات على المخالفين.
وألزم أصحاب المطابع باعتماد مصححين معتمدين لمراجعة الكتب قبل دخولها المطابع.. واعتبر الأخطاء التى ترد فى الآيات القرآنية والأحاديث شيئاً غير مرغوب فيه ويجب القضاء عليه باعتماد مؤهلين للمراجعة.. وغيرها.
عزله
أما خطواته الإصلاحية فكونت كثيراً من العداءات وهو الذى تتلمذ على يد الشيخ إبراهيم الباجورى والشيخ أحمد بن عبدالجواد السنطى والشيخ حسن القويسنى وهم أبرز مشايخ الأزهر الشريف وأثارت قراراته الإصلاحية حفيظة الخاملين والقلقين على مستقبلهم وحورب الرجل العالم.. ووصلت الوشايات إلى الخديو حول جرأته وقوته ومنها الدور الذى لعبه الشيخ حسن العدوى نفسه طمعا فى المنصب من بعده مما أوعز إلى الخديو إسماعيل بعزله.. ليخلص منه ومن آرائه بين المواطنين.. وتردد وقتها حوار واسع بين الأزهريين حول العزل لكن الرجل آثر على نفسه ولم يرفض قرار العزل ويتمرد عليه وبحسب ما سجل وقتها أنه خشى أن يخذله من يلجأ إليهم والتزم داره بعد العزل فى وضع نفسى صعب حتى وافته المنية بعد 6 سنوات عام 1876.. ولم يمهله القدر لكى يرى عزل الخديو نفسه.. ولم تتوافر معلومات كثيرة عن مراسم تشييع جنازته وإن كان قد دفن حسب وصية جده بجوار مقبرة والده الشيخ محمد العروسي.
أبرز مؤلفاته
ترك الشيخ مصطفى للمكتبة الإسلامية عدداً من المؤلفات أبرزها «شرح على الرسالة القشيرية فى النصوص» و»كشف الغمة فى تقييد معانى أدعية سيد الأمة» و»القول الفصل فى مذهب ذوى أهل الفضل» و»الفوائد المستحسنة فيما يتعلق بالبسملة والحمدلة» و»مسائل أحكام المفاكهات فى أنواع الفنون المتفرقات».. و»الأنوار البهية فى بيان أحقية مذهب الشافعية».
وبوفاته أسدل الستار عن عائلة حققت سبقا فريدا فى تاريخ الأزهر الشريف بأن يكون من بينها ومن قرية واحدة فى المنوفية وهو أن ثلاثة من علمائها شغلوا منصب شيخ الأزهر الشريف لكن أعمالهم خالدة فيما تركوه من كتب تدعو للإسلام الوسطى تنير العقل وترفع من قدر الإنسان.