أشياء كثيرة دفعتنى للكتابة عن عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وهى تجربة ليست سهلة فلست أول من يكتب عنه ولست الأخير.. فالحديث عن الرجل وأيامه ودراساته فى السوربون ومعاركه الأدبية والسياسية تجاوزت خريطة المكان والزمان وباتت حديثًا عن واحد من عباقرة الأدب فى عالمنا العربى.. ولا أبالغ أنه تجاوز بمراحل الفائزين بجائزة نوبل فى الأدب التى رشح لها ولم ينلها.. والحديث عن أديبنا الكبير المولود فى قرية الكيلو بمركز مغاغة فى المنيا «عروس الصعيد» ذاع صيته الآفاق ليستمر خالدًا كنهر لا تنضب ولا تجف مياهه ولا يعرف الجفاف على أى من شواطئه.
.. تجربة الكتابة عن العميد طه حسين مهمة لم تكن سهلة ودعوت الله أن أعبرها بنجاح فهو من نفس المحافظة المولود فيها رئيس التحرير الأستاذ أحمد أيوب الذى يعرف كل شىء عن العميد عن ظهر قلب.. ومنها الصديق المفكر الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية والذى جلس عميدًا لكلية الآداب، نفس المنصب الذى تولاه الدكتور طه حسين فى ثلاثينيات القرن الماضى..
.. وسعادتى أن أكتب عن أديب كانوا فى بلدى يطلقون على كاتب هذه السطور – طه حسين – نظرًا لأننى من أوائل من ارتدى نظارة طبية فى ستينيات القرن الماضى بالقرية.. فأى صحافى أو كاتب يسعد بالكتابة عن هذا الرمز الثقافى الكبير.. ومازالت مبادئه التى نادى بها يطالب بها الكثيرون وأفكاره.. ومازال الملايين يرددون مقولته الخالدة «التعليم كالماء والهواء لكل مواطن»..
فقد خاض الشاب طه حسين تجربة حياة فريدة ومتفردة منذ أن فقد بصره وهو دون الثالثة.. بسبب الجهل والخرافة وخطأ حلاق القرية.. رحلته فى قرية الكيلو التى ولد بها والتى كانت تبعد عن مركز مغاغة – كيلو متراً واحداً – وباتت اليوم جزءاً من المدينة مع الزحف العمرانى.. قبل أن يذهب إلى الكُتاب ثم الأزهر وإلى كلية الآداب وحصوله على الدكتوراه الأولى فى القاهرة حول «ذكرى أبى العلاء المعرى».. ويسجل التاريخ أنه أول مصرى يحصل على الدكتوراه من الجامعة المصرية.. وكان خياره لأطروحة الدكتوراه خياراً له معنى وذا هدف، فأبو العلاء المعرى نفسه كان «ضريرًا».
ومن جامعة القاهرة إلى المنحة فى باريس والحصول على الدكتوراه من السوربون.. قبل العودة إلى مصر إلى معارك الأدب والسياسة ويقترب خلال هذا الوقت المبكر من أستاذ الأجيال د. لطفى السيد.. وفى باريس لم تكن رحلة المجهول فى عاصمة النور للشاب اليافع طه حسين فهناك ابتسم له القدر بالتعرف على الفتاة الفرنسية «سوزان بريسو» التى تنتمى إلى أسرة فرنسية الأصل والجذور مسيحية وعمها قسيس ليرتبط بها ويتزوجها وتزور معه كوم امبو بصعيد مصر القريبة من مدينة الآثار والسياحة الأقصر حيث يعمل والده فى مصنع السكر.. لتبدأ حياة جديدة معه راهنت فيها على ذكائه ليست كمن يقرأ الطالع لكن بيقين المحبين والعاشقين فى آن.. ربما يقول البعض إنها كانت فى رهانها على حب عميد الأدب تعتبره فوزًا وليس كمن يمشى على الزجاج المكسور وإلا ما وافقت أن تأتى معه متأبطة ذراعه إلى مصر وإلى صعيدها «الجوانى» لتبدأ حياة زوجية استمرت 56 عامًا و58 عامًا منذ أن شاهدته أول مرة.
شهدت عيون سوزان بريسو شموخ العميد ومعاركه مع ابنتهما أمينة.. وابنهما مؤنس ثمرة زواج بدأ فى باريس وشهده بعد كوم امبو وحى السكاكينى ومصر الجديدة.. ولمسات السعادة الأولى شعرت بها فى مصر عندما وطئت قدماها كوم امبو.. ليستأذن منه والده حسين سلامة أن يتركه وحيدًا فى المنزل المعد لإقامته فى بيته وتجول بها الشيخ حسين سلامة متأبطًا ذراعها ويتجولان فى شوارع كوم امبو مفتخرًا بها زوجة لابنه وكأنه يشهر بهذه الجولة زواجهما فى صورة لافتة للشيخ حسين سلامة مع فتاة فرنسية ترتدى ملابس أوروبية مع غطاء «قبعة» للرأس ونترك باقى السطور لنكمل حياة طه حسين الذى تولى عمادة كليته ووزارة المعارف ومجمع اللغة العربية حتى وفاته فى 28 أكتوبر 1973 بعد أيام من الانتصار العظيم.
رحلة حياته
طه حسين المولود فى 1889 هو الابن السابع فى أسرة متحابة بينهم المهندس والطبيب وهى قصة رواها طه حسين بنفسه فى رائعته الأيام وشاهدها الجميع فيلمًا ومسلسلاً تليفزيونيًا واستمع إليها إذاعيًا.. وأمه هى السيدة رقية بنت موسى التى تزوجها والده بعد مرض زوجته الأولى.. ورغم فقدانه البصر بسبب الفقر والجهل والخرافات لم يثن والده عن الحاقه بكُتاب القرية والذى شجعه ما أثير عن نبوغ الابن طه مبكرًا وذكائه المتقد.. فقد حفظ القرآن فى زمن قياسى مما جعله مثار اعجاب شيوخه «وعريفه» من جاد الرب فى كتاب «الغريب» وهو المكان الذى اكتشف فيه نبوغه المبكر وذكر ذلك د. طه حسين فى كتابه «الأيام» أسطورة السيرة الذاتية.
ومع نبوغه تشجع والده وأرسله مع شقيقه إلى القاهرة لمواصلة رحلة العلم فى الأزهر الشريف.
وانقطعت صلة طه حسين بالقرية «الكيلو» وانشغل فى تحصيل العلم وهى القرية التى ابتلعتها المدينة الآن وباتت ضاحية من مدينة ومركز مغاغة بعد أن سقط بين المدينة الجدار الرابع الذى كان يفصلهما من مزارع القصب والمحاصيل التقليدية وتلاشت مبانيها التقليدية وأطلق عليها أحيانًا اسم القرية وليس الكيلو بعد أن تداخلت مبانيها مع مدينة مغاغة.
كما تاهت معالم ترعة «بمبم» بحكاياتها.. لكن لايزال أحفاد الشيخ عبدالجواد محمود والشيخ الغريب.. ولم يبق من أثر يشير إلى أن عميد الأدب العربى عاش هناك إلا عدد من التماثيل والشوارع فى مغاغة وكورنيش المنيا وكلية الآداب بجامعتها وحفلات تذكارية سنوية فى قصور الثقافة بها عن ابن المحافظة.
فى القاهرة وبينما د. طه حسين يشق طريقه فى التعليم الأزهرى فتح الانتساب عام 1908 بالجامعة المصرية وانتهز الفرصة وتقدم إليها ليكون من أوائل الملتحقين بها ليدخل مرحلة جديدة من رحلته العلمية والتعليمية.
جامعة القاهرة
والتحق بكلية الآداب بالجامعة الوحيدة وفيها التفت إليه أساتذته فى كلية اللغة العربية على ذكائه ونبوغه وفيها حصل على الليسانس ومن ثم سجل فى الدراسات العليا للحصول على الماجستير والدكتوراه فى موضوع «ذكرى أبى العلاء المعرى».. وابتسم الحظ للشاب طه حسين البالغ من العمر وقتها 25 عامًا تقريبًا ونال الدكتوراه بتقدير جيد جدًا.. وكان بذلك يعلن عن دخوله مرحلة جديدة من طالب بالكلية إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بها.. وكان إيزانًا بانخراطه فى مرحلة جديدة من الأدب العربى فى العصر الحديث.
المنحة «السربون»
وكما أن الأحزان لا تأتى فرادى أيضًا السرور لا يأتى فرادى فالدكتور طه حسين الحاصل للتو على الدكتوراه تمنحه الجامعة منحة ملكية وقتها نظير نبوغه كأول من حصل على الدكتوراه منها بالسفر إلى باريس تحت إشراف العالم الفرنسى فى العلوم الإنسانية إميل دور كايم ومن خلاله تمت دراسة الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون.
وفى باريس انطلق د. طه حسين كمن دخل «يمًا» يبحث عن شاطئ يرسو إليه فى عاصمة النور «باريس».. وخلال الشهور الأولى من الرحلة وتحديدًا فى عام 1915 كما قالت السيدة التى رأى بعيونها الحب والثقافة والعالم سوزان بريسو الفتاة الفرنسية التى تدرس معه وتعاونه فى الجامعة..
وقد قالت عن هذه المرحلة وبداية التعارف فى كتابها الذى يوثق علاقتهما «معك» وهى مذكرات أشبه بسيرة ذاتية لرفيقة الدرب بعد رائعته «الأيام» التى كتبها العميد طه حسين عن حياته.. ونشرت «معك» بعد وفاة د. طه حسين تقول فيها إنه كان يدرس فى الجامعة وكنت أساعده وأقرأ له وجمعتهما الزمالة خاصة فى المرحلة المهمة لاكتشاف أنوار باريس وتعلم اللغة اللاتينية والفرنسية فى آن.. ومن الزمالة والعلاقة التعليمية تعلق طه بكيوبيد الحب مع سوزان.. التى وصفها فى كتابه الأيام بـ «الملاك» وهو اعتراف من شاب صعيدى بأثرها الكبير فى حياته وتعانق الحب بين الشاب الصعيدى الشهم الذكى القادم من الشرق فى عناق مع رومانسية فتاة فرنسية تعيش فى الغرب فى حى مونبلييه بباريس.
لم تكن تعلم سوزان بريسو فى هذا الوقت المبكر من علاقتهما أن هذا الشاب الذى تتأبط ذراعه ليعبر الطريق إلى الأمل ستكون عينه التى يقرأ بها لينير بثقافته وعلمه ظلمة المستقبل أمام الأجيال المختلفة وكتب لها فى إحدى رسائله المبكرة «تعالى ضعى يدك فى يدى ورأسك على كتفى لتصغى إلى دقات قلبى» ولم لا وهى بالنسبة له الأسطورة التى قرأ بصوتها وعذوبته.. وحقيقة لم تتخل عنه ووقفت بجانبه فى باريس.. وجعلته يعترف قولاً «إنها النور بعد ظلمة.. والأمل بعد يأس».
الحب فى باريس
بجرأة وإقدام قال العميد لسوزان فى أحد أيام باريس «تتزوجينى».. وكانت مفاجأة غير متوقعة لها فصمتت الفتاة الفرنسية التى كانت أمها قد تعرفت على الدكتور طه حسين وعمها الذى يعمل «قسيسًا».. واستأذنته لتفكر وتستشير أهلها.. وبالفعل قالت لعمها الذى طلب منها بعض الوقت والتقى بالعميد د. طه حسين فى جولة باريسية تحدثا فى كل شىء متأبطًا ذراعه كما كانت سوزان تفعل وفى باريس اختلى بابنة شقيقه وعلامات الموافقة بادية عليه وقال لها إنه زوج مناسب ومثقف وواع ويحمل فكرًا عميقًا وكان ذلك بعد عامين من التعارف وبالفعل تزوجا.
بعد انفراد عمها فى حديقة هنرى الرابع بالدكتور طه حسين بحقول «البرينه» لمدة ساعتين وهذا ما ذكرته فى كتابها «معك» أعاد عليها السؤال ولم تتردد الفتاة الباريسية وتم الزواج فى 9 أغسطس 1917 وبينما بنادق وأسلحة الحرب العالمية الأولى تصمت وتزوجا قبل وعد بلفور فى 2 نوفمبر من نفس العام مسجلة معه 58 عامًا فى رحلة وفاء وحياة معظمها بعد ذلك فى القاهرة وفى سكنها الشهيد «رامتان».. وتم الزواج بين الشاب المولود فى قرية الكيلو بالمنيا والفتاة الفرنسية المولودة فى إحدى ضواحى مونبلييه القريبة من باريس.. كانت لحظة سارة للدكتور طه حسين موافقة سوزان على الزواج.. وقال «كأنها نور الشمس التى سطعت فى يوم مزهر بالربيع.. فأجلت فى سماء المدينة ما كان قد علق بها من برد وغيوم وسحب كادت تركب بعضها إلى سماوات سبع.. وكأنها العصا السحرية التى لمست الأفق فهربت العاصفة.. وسكت الرعد وطلعت العيون الملونة تغرد لى» وبالفعل صرخت سوزان من الموقف عندما قال لها د. طه حسين «أحبك» من المفاجأة..
وعاشا معًا فى باريس وأعلنت ابنته كريمة عن قدومها بعد ذلك بأكثر من عام ولم يكن معها ثمن شراء عربة أطفال وكانت مشكلة له وسوزان تتأبط يده وهو يحمل ابنتهما «أمينة» فى حديقة هنرى الرابع.. وقررا العودة لمصر.. ومن مارسيليا إلى الإسكندرية حيث قابلها صديقه محافظ المدينة الساحرة.
اللقاء والأسرة فى كوم أمبو
وعندما وصل وزوجته سوزان إلى الصعيد وكان والده يقيم بكوم امبو حيث يعمل الشيخ حسين سلامة والده بمصنع السكر.. وبمجرد وصولهما استقبلتهما الأسرة بحرارة.. وقال والد الدكتور طه له بعد تبادل التحية مع الحضور من المجاملين للعائلة.. لا تشغل نفسك سأخرج وزوجتك فلا تنشغل.. وقام والده معها بجولة فى المدينة القريبة «الأقصر وأسوان».. وكأنه مرشد سياحى يرتدى لباس شيخ معمم ويتأبط فتاة لا تتعدى الـ 27 ربيعًا وتجولا فى المدينة يرتدى عمى «والده طه» لباسه التقليدى بينما العروس امرأة شابة مسيحية تلبس قبعة فى لفتة مهمة لم تنسها سوزان كما سطرت ذلك فى كتابها على الاطلاق.. فى الوقت الذى انشغلت حماتها لتأمين راحتها مع طفلتها «أمينة» كان والد طه حسين فرحًا وكأنه يعلن للمدينة عن ضيفته الفرنسية وفى نفس الوقت يُعرفها بمجتمعه وسط الصعيد الجوانى..
العودة إلى كلية الآداب
كانت عودته من باريس بعد أن فرغ من رسالته عن ابن خلدون وعمل أستاذًا للتاريخ اليونانى والرومانى وفى عام 1925 تم تعيينه أستاذًا فى قسم اللغة العربية مع تحول الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية.. مسلحًا بمنهج علمى للتجديد على أساس القديم، متخذًا من الشك الديكارتى سبيلاً إلى اليقين.
وأثار الجدل بكتابه عن الشعر الجاهلى، وقد تزامنت عودته إلى القاهرة مع ثورة 19.. الشاب القادم من باريس المتزوج من فرسية ومعه طفلته وكان قد التقى بقائد ثورة 19 سعد باشا زغلول أثناء الدراسة فى باريس وكذلك أستاذ الأجيال د. لطفى السيد، والسيد عبدالعزيز باشا فهمى واستحثاه على إنهاء اطروحته والعودة لمصر.. وعين عام 1925 أستاذ فى آداب القاهرة وخلال 3 سنوات نال شرف أن يكون عميدًآ للكلية وجددت له عام 1930.
مواجهة مع الحكومة
فى 3 مارس عام 1932 نهض أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وخاصة كلية الآداب على خبر غريب يشير إلى أن وزير المعارف فى حكومة اسماعيل صدقى باشا الوزير حلمى عيسى باشا قرر نقل د. طه حسين عميد كلية الآداب – الجامعة المصرية إلى وظيفة مراقب بالتعليم الابتدائى.. وكان الخبر الذى تناولته صحف الصباح الحزبية يشير إلى أنه نكاية فى العميد د. طه حسين لمواقفه من الحكومة وتعود القصة إلى ما قبل هذا التاريخ بنحو 36 يومًا وتحديدًا فى 9 يناير من عام 1932 عندما أراد إسماعيل صدقى باشا بمناسبة زيارة الملك فؤاد للجامعة منح يحيى إبراهيم باشا وتوفيق رفعت باشا وعلى ماهر باشا وكلهم من حزب الشعب الدكتوراه الفخرية وهو الأمر الذى لاقى الرفض من طه حسين معللا ذلك بملاحظاته أن يحيى باشا إبراهيم رئيس لمجلس الشيوخ والثانى توفيق رفعت باشا رئيس للنواب والثالث على باشا ماهر وزير فى حزب سياسى وهى فى نظر الدكتور طه حسين أسباب تمنع منحهم ألقاباً مثل هذا اللقب الجامعى، وقال رده المهم «أنا عميد كلية» ولست عمدة يصدر الوزير له الأوامر!!
وفى مواجهة مع الحكومة قدم الدكتور طه حسين مطالبات لحكومة صدقى بأن هذا فصل «تعسفى» وعبر عن موقفه برفضه الكتابة فى الجريدة التى تصدر باسم حزب الشعب الذى أسسه صدقى باشا ورفض أيضًا رئاسة تحريرها متمسكًا بموقعه فى الجامعة.
زلزال الشعر الجاهلى
ودخل فى معركته الأدبية الساخنة وهى كتابه الأشهر عن الشعر الجاهلى الذى أصدره عام 1936 وأحدث ضجة كبيرة بين أغلبية عارضته وأقلية أيدته وامتد الموقف ضده إلى خارج حدود الوطن وعرفت إعلاميًا «بكتاب الشعر الجاهلى» ووصلت قضيته إلى البرلمان عبر مجلس النواب ومن ثم مجلس الوزراء والمحاكم حيث كان ينظر القضية فى النيابة محمد نور أحد القضاة المثقفين فى ذلك الوقت ونظر هذه القضية الشائكة وفيها نجح محمد نور فى أن يخرج منها د. طه حسين بفضل هذا القاضى المستنير الذى اعتبر أن الأمر يتعلق بحرية البحث وأن القصد الجنائى غير متوفر وكانت المظاهرات ضده قد أجبرته على الاستقالة ووصفه البعض بـ «الأعمى».
العودة إلى العمادة
فى عام 1934 عاد طه حسين إلى الكلية عميدًا مرة أخرى واستمر حتى 1939 قبل أن ينتدب مراقبًا عامًا للثقافة فى وزارة المعارف.
أزمة مجلة الكاتب المصرى
حاول خصوم طه حسين إلصاق التهم به ومنها – اضافة إلى تهمة الالحاد- العمل مع اليهود من خلال مجلة الكاتب المصرى التى كانت تصدر عن شركة الاعلانات المصرية ويملكها وقتها أبناء هرارى وهم من يهدد مصر.. وصعدت الحملة ضده خصومه بمقالات حول صهيونية المجلة.. وحدثت ضجة كبيرة استقال منها طه حسين وقال فى مقاله الوداع استقيل لكى لا أثير الشبهات حولى.
وزير المعارف
كان طه حسين قد خرج من العمادة وجاءت حكومة مصطفى النحاس عام 1950 وتم اختياره للوزارة التى استقال منها فى 26 يناير 1952 متزامناً مع حريق القاهرة.
طه حسين والإخوان
كان الخلاف بين طه حسين وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان متصاعداً لدرجة أن البنا طلب إحراق كتبه ومنع تداولها وكانوا يعتبرونه أداة الغرب لـ«علمنة» مصر ولا ينسى طلاب الجامعة مواجهته للإخوان الذين وقفوا ضد أفكاره حول تعليم البنات فى الجامعة والاختلاط.. وتمسكه بأهمية تعليم الفتيات.. وفى معركته مع الإخوان التى بدأت مبكرة بعد تأسيس الجماعة عندما اقتحم بعض منهم حجرته والمدرج الذى يلقى فيه محاضراته وهتفوا بسقوط العميد «الأعمى» وذلك فى ثلاثينيات القرن الماضى.
وعندما سمع بتدريس كتاب جار دارك ومحادثات خيالية لطلاب اللغة الإنجليزية بالكلية أثارت أيضاً ضجة وانتقد طه حسين من الإخوان فى هذه المعركة أيضاً.
جامعة الإسكندرية
له دور مهم فى تأسيس جامعة الإسكندرية بينما الحرب العالمية عام 42 تدور رحاها فى العلمين انتدب طه حسين لتأسيس الجامعة واستحث أهل الإسكندرية على اقامة الجامعة وهى رسالة لطمأنة المواطنين الخائفين من نيران الحرب حيث تجمعت جيوش بارونات الحرب ومعهم قائد المعارك روميل «ثعلب الصحراء» ومونتجمرى فى أكبر معركة دبابات فى التاريخ.. وساند نجيب الهلالى باشا وزير المعارف فى حكومة مصطفى المشروع الذى اكتمل فى عامين عام 1944.
رئيساً لتحرير جريدة «الجمهورية»
تم اختياره رئيساً لتحرير جريدة «الجمهورية» فى سنواتها الأولى وكان من أبرز كتابها وكاتباً مهماً فى جريدة ثورة يوليو.. واستمر عدة سنوات.
السينما وطه حسين
ينظر الأدباء بتقدير واحترام لأعماله التى ظهرت فى السينما والدراما ويقف النقاد عند 3 أعمال مهمة ومتميزة الأول هو الفيلم الدينى ظهور الإسلام كفيلم تاريخى وجاء دعاء الكيروان إحدى رواياته والذى قابلته قبل التمثيل فيه سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التى قامت بدور «آمنة» وهو الذى اختار لها هذا الدور وفيلمه الثالث الحب الضائع اضافة الى ما قدمه عبر الأيام ويعد من الدراما الرائعة كمسلسل فريد فى السير الذاتية.
الليلة الأخيرة للعميد
الليلة الأخيرة لعميد الأدب العربى وتحديداً 28 أكتوبر 1973، كما روتها «عينه» سوزان فى مذكراتها «معك» أنه ناداها عدة مرات كما كان فى أيامه الأخيرة بلا مناسبة أحيانًا.. وكانت ليلتها مرهقة فنامت بالقرب منه.. ونحو السادسة صباحًا نهضت وقدمت له قليلاً من اللبن الحليب الذى كان يفضله وقال لها بالعربية الصريحة «بس» واستدارت لتعد له قهوة الصباح ودنت من سريره وناولته قبل فنجان القهوة ملعقة من العسل.. وكان باديًا بالغ الشحوب.. وبينما اضع الملعقة على الطاولة لكى تقدم له القهوة مع البسكويت.. اكتشفت أنه بلا نفس وبلا نبض.. فظننت انه لحظة من لحظات غشيانه العديدة فى هذه الفترة.. لكن هذه المرة أدركت أنه لا فائدة فقد مات العميد «الذى يطوى معها 58 عامًا».. فعلاً كما تقول كان د. طه حسين يمس شغاف قلبى.
وداع العميد
بوفاة العميد فى 28 أكتوبر 1973 ودفن الجثمان فى 31 أكتوبر فى جنازة شعبية حاشدة وسط انتصارات أكتوبر ومصر وشعبها وجيشها يعيشون أهازيج الانتصار المجيد.
بوفاته ودعت مصر الأديب الكبير تاركاً وراءه سجلاً حافلاً من الأعمال الأدبية الخالدة والتى أثرى بها المكتبة العربية وسيظل طه حسين حكاية أديب وأكاديمى ذاع صيته ونثر علمه إلى كل الدنيا فى أعماله الخالدة التى تحكى للجميع قصة عملاق الأدب العربى قاهر الظلام.. المولود قبل 133 عاماً والمتوفى قبل 51 عاماً فى مثل هذا الشهر.