يبدو أن العالم وما يسمى بالمجتمع الدولي، اعتاد على مشاهد الدم والإبادة والمذابح والدمار والخراب فى قطاع غزة على أيدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجرائم تتكرر كل لحظة، وشعب تتم إبادته، ويقطع عنه الصهاينة كل سبل العيش، ويمنعون الماء والدواء والغذاء، والوضع لا يخفى على أحد.
وعلى مدى ما يقرب من عشرة أشهر، لم يجد أبناء غزة من العالم إلا مطالبة بوقف الحرب، ودخول المساعدات، ولا أدرى يطالبون من أو يناشدون من، ولكنها مجرد تصريحات أمام الشاشات، لا تسمن ولا تغنى من جوع.
بل وكلما ظهرت مبادرة لإنهاء الحرب، تدخل الدولة العبرية فى مفاوضات تراوغ فيها وتتلوى وتتلون، وفى النهاية تتصلب وتتشدد لإفشالها لتكون مجرد تضييع للوقت لارتكاب المزيد من المجازر والمذابح البشرية.
ورغم هذا الوضع الذى لا يطاق فى القطاع، فلا يتوهم أحد أن الإسرائيليين يعيشون فى أمن أو استقرار، بل يعانون من أوجاع فى بطونهم، وتكشف اعترافاتهم أنهم متضررون بشدة، ولا أقول ذلك من عندي، فقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق نفتالى بينت شعب بلاده للبقاء وعدم مغادرتها بسبب الظروف الصعبة التى تمر بها، وكتب على منصة «إكس»: «لا تتركوا البلاد.. أخبرنى مهندس برمجيات لامع أنه سيغادر إلى أوروبا، جعلنى هذا الخبر حزينا جداً».
ويعترف: أننا نمر بأصعب فترة، اختلاط أوراق الحرب ومقاطعة دولية وتضرر لقوة الردع و120 إسرائيليا فى الأسر وآلاف العائلات الثكلى وآلاف المهجرين ووزراء لا يهتمون إلا بأنفسهم وفقدان السيطرة على الاقتصاد، وكشفت البيانات الإسرائيلية أنه منذ أكتوبر 2023 قد غادرها نحو 550 ألف شخص.
وتتصاعد الحملات ضد السفاح نتنياهو، ودعت شخصيات إسرائيلية بارزة الكونجرس الأمريكى إلى إلغاء دعوته لإلقاء خطاب أمامه مؤكدين أنه «لا يتحدث نيابة عنهم».
ووصف غونين بن إسحق العميل السابق بالاستخبارات الإسرائيلية نتنياهو بأنه أكبر خطر على بلده ويقودها نحو الدمار، واتهمه بالرغبة فى البقاء فى السلطة بأى ثمن، ولا يفكّر إلّا بنفسه وبمشاكله الإجرامية، والوقت قد حان «لتغيير المعادلة» فى غزة، ووضع حدّ للحرب، وحشد دعم دولى لتولى السلطة الفلسطينية مسئوليات إدارة القطاع.
كما أن إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق اتهم نتنياهو بالخيانة بسبب إطالته أمد الحرب على غزة، وبالتخلى عن الرهائن المحتجزين لدى حماس، ويعرض حياة الجنود للخطر وخسائر فى الأرواح بشكل يومي، إن كل يوم إضافى يستمر فيه هذا الرجل الملعون ـ حسب وصفه ـ فى تحمل المسئولية يشكل خطرا على مستقبل إسرائيل ويريد تدميرها، لقد حان الوقت لطرده.
هذا على الجانب السياسي، ولا يقل الأمر خطورة داخل جيش الاحتلال، الذى يشهد موجة رفض للخدمة العسكرية فى غزة، وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية، إن عشرات جنود الاحتياط يرفضون العودة إلى القطاع، مؤكدين أن العملية العسكرية فى رفح تعرض حياتهم وحياة الأبرياء للخطر، وأنها لن تعيد الرهائن.
ووقَّع 41 جندياً، منهم 16 يخدمون فى جهاز الاستخبارات على خطاب «رفض خدمة»، قالوا فيه إن الأشهر التى شاركنا فيها فى المجهود الحربى أثبتت لنا أن العمل العسكرى وحده لن يعيد المختطفين إلى ديارهم، وأن الحكومة تتعمد إطالة الحرب لحسابات سياسية؛ بغرض البقاء فى الحكم، وراح عدد منهم يشاركون فى مظاهرات الاحتجاج.
لا شك أن قادة الدولة العبرية السفاحين يريدون توسيع الحرب، ويرغبون أن تكون عالمية، ويتحرشون بالجيران وإيران بشتى سبل الاستفزاز، لكن كلما أشعلوا نارا للحرب أطفأها الله، حقا إنهم يخربون بيوتهم بأيديهم.