كان الزهد عنوانك.. والقناعة منهجك.. والحمد ختامك
النفس تبكى على الدنيا وقد علمت..أن السلامة فيها ترك مافيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها.. إلا التى كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها.. وإن بناها بشر خاب بانيها
هكذا قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه.. فمع مطلع الفجر الأول من عام 2025 توفى شقيقى وهو نفس اليوم الذى توفى فيه والدى قبل 10 أعوام.. ثم تتوفى شقيقتى فى يوم الإثين الماضى لتستمر الأحزان ويزداد ألم الروح ووجع القلوب.. بعد أن هاتفتنى تليفونيا يوم الجمعة لتسأذنى فى عقد قران نجلها والذى كان سيتم غدا وكانت هذه أول احتفالية لنا بعد وفاة أخي.. ولكن هذه هى الدنيا وهذا هو الموت.
حبيبتي.. كنت تحملى قلبًا خاشعًا مفعمًا بالإيمان وحب الله ورسوله ولسانًا ذاكرًا فإستنار قبرك لحظة دخولك بنور إيمانك.. فإمتزجت داخلى طمأنينة المغفرة من الغفور الرحيم مع ألم الفراق وغزارة الدموع ولا أقول ياحبيبتى إلا مايرضى الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون ولاحول ولا قوة إلا بالله.. فأنت الآن فى دار الحق والهدى.. وأنافى دار الباطل وإن عاجلاً أم آجلاً سأتى اليك.. آنس بوجودك.. مازالت لحظات بداية حياتك الأبدية تداعب مشاعرى.. ونحن نصلى عليك وقد امتلأ المسجد عن آخره بأحبائك ولم يكن هناك موضع لقدم.. وزفت إلى مثواك الأخير.. ونحن ننقلك من منزلك الفانى إلى منزلك الباقي.. لن أنسى طوال عمرى لحظة دخولك قبرك الذى استضاء بنور إيمانك.. وتفرق عنك أهلك وولدك وأحبابك وأنت تحتمى بربك وعملك.. لقد كانت عظتك لى بالأمس بلسانك.. واليوم بصمتك.. بعد أن ارتديت كفنك وسكنت قبرك وقد سبقك إليه أعمالك الطيبة التى يشهد بها الجميع داعيا بأن يتقبلها الله قبولاً حسنًا.
لم تكونى أختى الغالية أبداً طالبة نعيم.. كان الزهد عنوانك.. والقناعة منهجك.. والحمد ختامك.. والعطاء أسلوبك.. آمنت بأن الموت يفسد على أهل الدنيا نعيمهم.. وأن السلامة فيها ترك مافيها.. فكنت تلتمس الآخرة طمعاً فى نعيم الاخرة خاصة بعد أن من الله عليك بالمرض الذى أدعوا الله جل شأنة أن يكون فى ميزان حسناتك.. كان شعارك أن الدنيا تطلب لثلاثة أشياء.. للغني.. والعز.. والراحة.. فمن زهد فيها عز.. ومن قنع فيها استغي.. ومن قل سعيه استراح.. فزهدتي.. وقنعتي.. فاسترحتى .
لاأملك إلا الدعاء لك ولأبى وأمى ولأخى محمد بالرحمة الواسعة.. وأن يجعل الله لكم من رضاه وفضله ومغفرته حظاً ونصيباً.. وأن يجعل قبوركم روضة من رياض الجنة.. وأن يباعد بينكم وبين خطاياكم كما باعد بين المشرق والمغرب.. وأن يغسلكم من الذنوب بالماء والثلج والبرد.. وأن ينقيكم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وأن يستركم فى الآخرة كما ستركم فى الدنيا.. ويدخلكم الجنة من أوسع أبوابها.. ويسكنكم الفردوس الأعلي.. وأن يجعل سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام لكم شفيعاً وحبيباً.. وأن يسقيكم من حوضة شربة ماء لا تظمأوا بعدها أبداً.. وأن ينزل الله على قبوركم سعة وضياء.. وينورمضجعكم.. وأن يجمعنى بكم فى جنة النعيم.. اللهم بيض وجوهكم يوم تسود وجوه.. وثقل موازينكم ويمن كتابكم.. ويسرحسابكم.. اللهم آمين.