لا أحد ينكر الألم الذى يتعرض له كل بيت وكل مواطن من انقطاع الكهرباء، الحياة كلها تتبدل بدون كهرباء خاصة مع التغيرات المناخية التي قلبت الدنيا رأسًا على عقب، حرارة الجو لم تعد تطاق، ومن حق المواطن أن ينعم بالراحة الحياتية، الكهرباء والمياه وكل خدمات الحياة الراقية التي تليق بالزمن الذي نعيشه، والدولة تعمل من أجل هذا شعار حياة كريمة للمصريين ليس للاستهلاك السياسي، لو كان كذلك ما رصدت له الدولة حتى الآن أكثر من 11 تريليون جنيه كميزانية من أجل إعادة بناء الدولة والبنية الأساسية بالكامل، الكهرباء نفسها تكلفت ما يزيد على 600 مليار جنيه من أجل تطوير بنيتها وزيادة قدراتها.
ويبقى انقطاع الكهرباء ملفًا خاصًا جدًا، يزعج الجميع ويخلق حالة من عدم الرضا عند المواطن والحكومة نفسها تتفهم ذلك، ولهذا كان الاعتذار الواضح من رئيس الحكومة للشعب، وبلغة تؤكد أنه يشعر بالمشكلة وحجمها عند الناس، رئيس الدولة نفسه يتابع الملف، ويشدد على أن يكون له آخر، وأن تتحرك الحكومة لإنهائه وبالفعل حددت الحكومة الأسبوع الثالث من يوليو كنهاية لانقطاع الكهرباء، ويقينًا قبل أن تُعلن هذا الموعد درست الأمر جيدًا وحددت تكلفته والمطلوب لتوفيره، وهذا فى حد ذاته تحرك يحمد للحكومة، ويضاف إليه الشفافية والصراحة التى تعامل بها رئيس الحكومة في سرد القضية بتفاصيلها أمام الرأى العام، حتى مع تحفظ البعض على المواعيد المحددة لإغلاق المحلات لكن في النهاية الأولويات هى التى تحكم العمل والقرارات الحكومية، بما يخدم مصالح المواطن.
والسؤال.. هل ستكون هذه نهاية الملف بشكل كامل ولن تنقطع الكهرباء مرة آخري؟ المؤكد أن الحل الذي وضعته الحكومة هو إنهاء الأزمة الحالية، لكنه ليس حلًا نهائيًا فالمليار و 180 مليون دولار لاستيراد الغاز والمازوت تنهى أزمة هذا الصيف، حتى لا يتعرض المصريون لانقطاعات جديدة وهذا أمر يستحق الإشادة، لكن يبقى الملف أكبر من الصيف، الأمر يحتاج رؤية مستقبلية للحكومة وللمواطن أيضا، في ظل ما نواجهه من تداعيات صعبة جراء الأزمة العالمية وارتفاع أسعار الطاقة.
معلوم أن البنية الأساسية التي تمتلكها الدولة في قطاع الكهرباء الآن ضخمة وتكفى ضعف الاستهلاك الذي نحتاجه لكن المشكلة تخص المازوت والغاز، ولن تنتهى هذه المشكلة إلا إذا إمتلكنا ما يكفينا من هذه المواد إما بالإنتاج محليًا وهذا صعب، وإما بالإستيراد وهذا أيضًا صعب لأنه يحتاج مليارات الدولارات، الأمر يتطلب اتخاذ خطوات شاملة من الآن، الحل العاجل لمشكلة هذا الصيف لا يعنى أن تهدأ الحكومة وتعتبر الأمر إنتهى وإنما لابد أن تستثمر الأزمة في التحرك نحو خطوات عملية تضمن عدم تكرارها، وما لا يدرك كله لا يترك كله، والطاقات المتجددة وخاصة الشمس سلاح مهم في معركة الدولة بالنسبة للكهرباء، كل نسبة طاقة متجددة تضاف إلى الشبكة معناها التخفيف من الإستهلاك، لكن المواطن والمؤسسات يحتاجون من يدعمهم ويشجعهم على هذا الطريق، لابد من تيسيرات وحوافز إضافية من الكهرباء والمالية لتخلق حالة من السباق على استخدام الطاقة الشمسية خاصة فى أجهزة الصيف التى لم يعد أحد قادرًا على الاستغناء عنها مثل التكييفات والثلاجات، الترشيد بالنسبة للمواطن أيضًا ثقافة حان وقتها بشدة الآن ليس في الكهرباء فقط بل في كل شيء.
الظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم تفرض على الجميع التدبير والإستهلاك الذكى لكل الإمكانات وترشيد كل الطاقات، والكهرباء لم تعد سلعة سهلة بل غالية وصعبة والأخطر أن استدامتها يتطلب جهدًا كبيرًا ولا بديل عن إدارتها بعقلانية تؤدى إلى الترشيد، أفرادًا وشركات ومؤسسات، وحسنًا فعلت المتحدة للخدمات الإعلامية بأن قدمت نفسها نموذجًا في ترشيد الاستهلاك، وأطلقت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حملة هدفها دعم ثقافة الترشيد، خطوة مهمة ولابد أن تكتمل بدعم الجميع، لأننا نحتاج من يأخذ زمام المبادرة، وبدلًا من اللوم والغضب لانقطاع الكهرباء الذي لن ينتهى بسهولة، بسبب ظروف أغلبها خارج عن أرادتنا علينا جميعًا أن نعرف دورنا، ليس هناك أسهل من الانتقاد لكن الصعب أن تشارك فى تحمل المسئولية والتي تتمثل في ملف الكهرباء فى ثقافة الترشيد التي لم تعد رفاهية بل واجب علينا جميعًا أن نؤديه.