فى ذكرى ميلاد أشرف خلق الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أسترشد بحياة رسول الله لتصبح نبراساً للجميع؛ فقصته أمل وجبر لكل مظلوم؛ فبلاشك تعرض رسول الله للعديد من الابتلاءات من تكذيب قومه له، وقالوا عنه ساحر كذاب، فمن منا لم يتعرض لتكذيب أقرب الناس له؛ وحاصره الكفار ثلاث سنوات كان يأكل حينها ورق الشجر فى الوقت الذى كان كفار قريش فيه يشربون المياه فى كئوس من ذهب! فالكثير منا يرى الظالم يعيش أفضل أيام حياته، ويعيش المظلوم فى حزن؛ كما تعرض لامتحان الضعف ونجح فيه، وتعرض لامتحان القهر حيث كذبوه وسخروا منه، وأساءوا إليه، امتحن امتحان القهر فصبر، وامتحن امتحان النصر فتواضع، وامتحن امتحان الفقر فصبر، امتحن امتحان الغنى فشكر، امتحن بموت الولد، وامتحن امتحان الظلم بأن تتعرض إحدى زوجاته الأطهار لحديث الإفك، وانقطع الوحى عنه 40 يوماً فصبر، وامتحن امتحان الهجرة، وامتحن بكيد الأعداء، وافتعلوا المؤمرات عليه، وقالوا عنه الأبتر شماتة فيه لموت أطفاله، فأنزل الله سورة الكوثر؛ كما ضرب لنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» المثل الأعلى فى تحمل الاضطهاد والإيذاء المعنوى والبدني، فى سبيل توصيل رسالة الله إلى الناس، ورغم ما عاناه من عنت وكفر وتكذيب وسب، وكان أبولهب عم النبى فى مقدمة الذين آذوا رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، كان يتحلى بالصبر وضبط النفس وتحمل الإيذاء النفسى من سفهاء قريش، فكان إذا مر على مجالسهم بمكة استهزأوا به، وسخروا منه، ولم يقتصر الأمر على مجرد السخرية والاستهزاء والإيذاء النفسي، بل تعداه إلى الإيذاء البدني، ووصل الأمر إلى أن يبصق عدو الله أمية بن خلف فى وجه النبى «صلى الله عليه وسلم»، وقد صبر على ما أصابه، وكان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يذكر ما لاقاه من أذى قريش قبل أن ينال الأذى أحداً من أتباعه، فيقول: لقد أُخفت فى الله عزوجل، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت فى الله، وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثون، من بين يوم وليلة، وما لى ولبلال طعام؛ وكانت امرأة أبى لهب تضع الشوك فى طريقه، والقذر على بابه، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حرباً شعواء على النبى «صلى الله عليه وسلم».
قرأت كثيراً عن إيذاء كفار قريش لرسول الله، وكثر المتجرئون عليه من زعماء قريش، وكان من بين هؤلاء أمية بن خلف الذى كان إذا رأى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» همزه ولمزه، وفيه نزل: ويل لكل همزة لمزة؛ من منا لم يتعرض لذلك.
ذكرت بعضاً مما تعرض له أشرف خلق الله ليكون نموذجاً لمن يتعرض للأذي، ولكن قرأت أيضاً كيف حمى الله رسوله وكيف اقتص له سبحانه وتعالي، وحدثنا القرآن عن معجزات الله مع رسوله، وكيف تحلى رسول الله بالصبر والصلابة وضبط النفس، وهو قادر على رد الإيذاء، ولكن فى الوقت الذى تجرأ عليه كفار قريش كانوا يهابونه، وكانوا يعلمون صدقه وكانوا يضعون عنده أموالهم ويستأمنونه عليها، وهذا يعلمنا أنه قد يهاجمك البعض ويتعدى عليك باللفظ والإيذاء النفسي، وهذا بدافع الحقد والغيرة، ولأنه لا يملك أن يصبح مثلك، وفى الوقت نفسه يكون هذا شاهداً وإقراراً بأنك أفضل منه، وأنه يراك تتمتع بصفات وأخلاق حميدة، وإلا ما هاجموك!
ففى ذكرى مولد أشرف خلق الله درس وعبرة وحياة لكل إنسان يتعرض للابتلاءات لتكون أملاً وجبراً له، «صلى الله عليه وسلم» تسليماً كثيراً.