الجحيم لا يتحول أبداً إلى جنة.. وجنة الله لا يمكن أن تنقلب فى يوم ما إلى نار.. وسوريا هى جنة الله فى أرض الشام ولن تتحول سوريا إلى طالبان حتى ولو بعد مائة عام وستظل سوريا هى حديقة الشام الغناء بورودها المتفتحة ورياحينها العطرة وزهورها الذكية التى لا تذبل أبداً.. هكذا سوريا فى قلوبنا كمصريين وعرب ولكل من زارها أو قرأ أو سمع عنها وستظل هكذا بإذن الله.
والذين فرحوا ورقصوا بسقوط نظام بشار لابد أن ينتبهوا جيداً لما هو قادم.. فالأنظمة تتساقط وتتهاوي.. ولكن الدول والأمم والبلدان باقية لا تزول.. والذين فرحوا وهللوا بسقوط بشار من داخل سوريا وخارجها يجب أن يحذروا من خطورة ما هو قادم.. فكل المعطيات التى حدثت وتحدث على الأرض منذ سقوط بشار لا تبشر أبداً بخير وتجعلنا فى حالة قلق بل فزع ورعب على حاضر ومستقبل سوريا.. جيش الاحتلال الإسرائيلى كان أكثر الرابحين حيث سارع بالتوغل داخل الأراضى السورية وأزال الحاجز المشترك وألغى اتفاقية فض الاشتباك من جانب واحد واحتل منطقة جبل الشيخ التى لا تبعد عن دمشق العاصمة سوى بعشرين ميلاً فقط.. ثم وجه سلاح الطيران الإسرائيلى ضربات مدمرة طوال 48 ساعة لقواعد الجيش السورى ومخازن السلاح.. حتى القواعد البحرية دمرها عن آخرها.. ثم اكتمل سيناريو الشيطان بإعلان الثوار الفاتحين المنتصرين حل الجيش السورى بدعوى أنه مؤيد لبشار الهارب أى أن سوريا باتت من دون جيش!!
وعلى الجبهة الداخلية.. ورغم لغة الاعتدال وإدعاء التحضر والانفتاح على العالم ونسيان الماضى البغيض.. رغم كل هذه الإدعاءات من جانب الجولانى ورفاقه.. إلا أن الأحداث على الأرض كشفت عن نواياهم الحقيقية.. وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أننا بصدد مرحلة انتقامية وليست انتقالية وسيظل مشهد حرق مقبرة حافظ الأسد دليلاً دافعاً على سوء النوايا وأن روح الانتقام هى الأقوى والأكثر سيطرة على عقول الجولانى ورفاقه.. وأن من يحرق قبور الموتى لا يمكن أن يؤتمن على حاضر ومستقبل الأحياء.
المشهد الداخلى لا يبشر بالخير أبداً.. ومشهد الملتحين المسلحين هو الأبرز فى كل أنحاء سوريا التى قسموها إلى فرق وفصائل وهيئات متحاربة متصارعة.. فقوات سوريا الديمقراطية «قد» تسيطر على شرق سوريا.. وتحرير الشام فى دمشق.. وفى الجنوب تسيطر إسرائيل على الجولان وجبل الشيخ وربما تتقدم أكثر وأكثر فى الأيام القادمة.. قواعد أمريكية وروسية.. وفى الشمال تحركات تركية مريبة.. فضلاً عن تواجد قوى للأكراد.. فهل كل هذه الأضداد المتصارعة والمتحاربة تشير إلى حاضر آمن ومستقبل مستقر.. مؤكد أن الأشقاء السوريين على موعد مع كابوس مرعب وندعو الله أن يعينهم على أنفسهم وتعود سوريا الحبيبة أمة واحدة وشعب واحد وهذا هو المطلب الذى أكدت عليه القاهرة فى كل بياناتها ومواقفها منذ سقوط نظام بشار.. مصر تدعو إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وصيانة المؤسسات الوطنية والحفاظ على وحدتها واستقلاليتها.. وتأكيداً على وقوفها دائماً بجانب أشقائها خاصة فى أوقات المحن والشدائد.. قررت مصر استمرار عمل سفارتها وبعثاتها الدبلوماسية فى دمشق وقد وجهت حكومة تصريف الأعمال فى دمشق الشكر لجمهورية مصر وثمانى دول عربية وأجنبية قررت استمرار بعثاتها الدبلوماسية فى دمشق رغم المستجدات والتحولات والتطورات المذهلة فى المشهد السورى الداخلي.. وستواصل مصر جهودها واتصالاتها المكثفة مع كافة دول العالم خاصة القوى المؤثرة عالمياً وإقليمياً من أجل الحفاظ على الوحدة السورية ومنع تقسيم سوريا إلى دويلات وإمارات صغيرة ومفككة على نهج طائفى وعنصري.. أمين عام الأمم المتحدة جيوتيريش هو الآخر تحدث عن وحدة التراب السورى وضرورة الانتقال إلى نظام سياسى شامل يجمع كل الأطياف والأعراف فى سوريا.. أما أوروبا فمازالت تشاهد من بعيد.. وتعقد حكومات اجتماعات حالياً على الإنترنت للتباحث حول الموقف الأوروبى الواحد مما يحدث فى سوريا.. ورغم قرار العديد من الحكومات الأوروبية باعتبار هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية.. إلا أن التحليلات المنطقية لا تستبعد فتح قنوات حوار بين الأوروبيين وهؤلاء الإرهابيين!!
من حق الشعب السورى أن يفرح ويحتفل ويرقص بسقوط نظام بشار الديكتاتوري.. ومن حق الأمهات الثكلى والأرامل والأطفال الأيتام أن يفرحوا بسقوط طاغية قتل وعذب وسجن آلاف الأبرياء.. ولكن نحذرهم من الإفراط فى الفرح والتفاؤل بما هو قادم.. وعلى الجميع داخل سوريا وخارجها أن يسعى وبكل قوة للضغط على هذه الجماعات المسلحة للعمل معاً من أجل تأسيس نظام سياسى حر متعدد الأطياف والأعراف والفصائل من أجل سوريا الواحدة والمتحدة.. وحتى لا تتمزق سوريا الحبيبة إلى دويلات وإمارات تحكم بالحديد والنار والانتقام.. عاشت سوريا الواحدة.. جنة الشام.. وحديقة العرب الغناء.. وسنظل نقول ونردد فى مصر.. هنا دمشق من القاهرة.. مثلما ارتفع صوت المذيع السورى فى أوقات المحنة.. هنا القاهرة من دمشق.