هل يمكن أن تمحو شائعة ثوابت التاريخ وحقائق الواقع التي يعرفها الجميع ويعيشونها على مدى أكثر من 75 عاما؟ السؤال للأسف أصبح ضروريًا ومهمًا والإجابة عنه أصبحت لازمة وواجبة في زمن تحولت فيه العقول إلى ألعوبة في يد الذكاء الاصطناعي وصفحات السوشيال ميديا الموجهة تسيرها كيفما شاءت بالأكاذيب والإفتراءات والتدليس..
عندما تحاول ميليشيات إلكترونية نعرف جيدًا من وراءها ويحركها من خلف ستار، أن تروج كذبة تتنافى مع الواقع ومع حقائق التاريخ وثوابت مؤسسة وطنية عريقة هي القوات المسلحة، فالقضية هنا ليست مجرد شائعة ننفيها وانتهت القصة، وإنما هو مخطط يجب أن نلتفت إليه جيدًا وننتبه لخطورته ولا نمنح من يديرونه مساحة للتحرك أو فرصة لمزيد من الأكاذيب، بل يجب أن نكون أسرع تحركًا وأقوى ردًا وكشفًا لحقيقتهم وإظهار الحقائق وفضحهم أمام الرأى العام، فالقوات المسلحة تمثل عصب التماسك الوطنى وكتلته الصلبة وسياجه المنيع، وأحد أهم أسباب ثبات الدولة خلال السنوات الماضية هي قوة وصلابة القوات المسلحة وتماسك الشعب خلفها، وعندما تلقى الأكاذيب ويتم الترويج لها بهدف محاولة التأثير على العلاقة بين الشعب وجيشه في محاولة لزرع فتنة متعمدة في هذا التوقيت الصعب، فالأمر واضح وهو استهداف الجيش نفسه، رهانًا على ان أى جرح في العلاقة الراسخة بينه وبين الشعب ستنال من استقرار وتماسك الدولة بشكل عام، والأهم انها ستمنح فرصة لتنفيذ المخطط الإسرائيلي المعطل بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب خارج دولته وتحديدًا إلى سيناء.
وحتى تتضح الصورة أمام الجميع ونفهم حقيقة هذة الأكاذيب فلابد أن نضع بعض الحقائق ونجدد التذكير بعدد من الثوابت التي فرضتها الدولة المصرية وقواتها المسلحة كمبادئ في تعاملها منذ عقود طويلة وتصر عليها حتى الآن.
أولها: أن الجيش المصرى ثوابته معروفة للجميع وتجسدها عقيدته التي لم ولن تتغير بأن العدو الأول هو إسرائيل وأن مهمته الأساسية الدفاع عن أمن مصر القومى وأرضها وردع كل من يفكر فى الاقتراب منها، ولا يتصور بحال أن يكون الجيش المصرى له علاقة من قريب أو بعيد بإسرائيل لأن هذا ضد عقيدته ويتنافى مع مهمته التى لم يتراجع يومًا عن أدائها وجاهز لكل ما يحققها بأعلى درجات الكفاءة القتالية، وإذا كانت السياسة تفرض على الدولة التعامل مع الآخرين فى اطار قواعد العلاقات الدولية فإن العقيدة العسكرية للدولة تظل ثابتة لا تتغير ولا تتهاون فيها.
الثاني: أن هذا الجيش هو المرابط الآن على الحدود دفاعًا عن الوطن وتصديًا لكل محاولات تنفيذ مخطط التهجير للفلسطينيين وتصفية القضية على حساب مصر وكذلك للردع المبكر لكل من يفكر في الإقتراب من أرض مصر، والمؤكد أنه لولا هذه اليقظة والقوة التى يتمتع بها الجيش المصرى وتعرفها إسرائيل جيدًا، بل لمستها عمليًا في أكثر من موقف لما ترددت لحظة واحدة فى تنفيذ مخططها الخبيث، لكنها تعلم أن العواقب ستكون كارثية عليها.
الثالث: أن الدولة المصرية، وفى القلب منها الجيش، على مدى أكثر من 75 عامًا موقفها كان وما زال الأوضح والأكثر قوة فى دعم القضية الفلسطينية ليس بالكلام والشعارات أو حتى بالأموال وإنما بالتضحيات الحقيقية والدفاع العملي وبالحروب التي قدمنا فيها الكثير من أرواح خير أجناد الأرض حفاظًا على فلسطين واصرارًا على حقوق شعبها المشروعة، ومن يراجع التاريخ بإنصاف منذ حرب 48 وحتى الآن سيعلم حجم ما قدمته مصر وشعبها وجيشها وقيادتها، وكذلك مواقفها التي لم تتغير وقتالها من أجل القضية الفلسطينية وسيدرك الجميع أن الدولة التي تفعل كل هذا دون مزايدة أو بحثًا عن مكاسب خاصة لا يمكن أن تفرط لحظة في القضية أو تتخلى عن مبادئها.
الرابع: أن هذا الجيش هو الآن القوة الوحيدة الباقية متماسكة وصلبة فى المنطقة وقادرة على ردع كل من يفكر في تهديد الأمن القومي، وإذا كان الشيء يقاس بنتائجه فيكفى أن نقول أن الجيش الوطني المصرى نجح فى أن يفرض خطوط مصر الحمراء على الجميع ويحافظ عليها ويلزم أى طرف بعدم الإقتراب منها، وهذا بالتأكيد لا يسعد من يخططون لإسقاط الدولة المصرية وإثارة الفوضى في ربوعها وبالتالى يواصلون شن حملات التشويه ضد مصر وجيشها.
الخامس: أنه منذ بدأت الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى ومصر هي الواضحة في مواقفها والمساندة للأشقاء، بثوابت حاسمة ومواقف لا تحتمل المزايدة، ودعم غير محدود سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، ولو كان موقف مصر غير ذلك لتغيرت معادلات كثيرة في المواجهة وربما حسمت أمور عديدة في الحرب ضد الفلسطينيين لكن الموقف المصرى وبشهادة أبناء فلسطين أنفسهم كان وما زال أحد أهم دعائم صمودهم.
السادس: أن الدولة التى ترهن مصالحها وعلاقاتها بالدول الكبرى على دخول المساعدات إلى غزة وتواجه بكل قوة فى سبيل أن تفرض هذا الأمر وتفتح مطاراتها وموانئها لكل من يقدم مساعدات للشعب الفلسطيني وتكون هى في المقدمة وتسهم بأكثر من 80 بالمائة من حجم تلك المساعدات رغم أزمتها الاقتصادية فلا يمكن أن يكون لدى هذه الدولة مساحة للتنازل عن حق واحد من حقوق الشعب الفلسطينى أو أن تسمح لنفسها بالتفريط في أي من ثوابتها.
السابع: أن الدولة التى تسمو فوق خلافاتها مع من كانوا يومًا ما يهددون أمنها القومى ويدعمون الإرهاب على أرضها وتقرر أن تساندهم دفاعًا عن قضية فلسطين رغم كل التحديات هي دولة جديرة بالإحترام وبأن يعلم الجميع أنها دولة مبادئ وليست دولة شعارات أو مصالح ضيقة.
الثامن: أن مصر منذ البداية كانت في مقدمة الدول التي تتحدث بوضوح وتطالب بشكل قاطع بالدولة الفلسطينية المستقلة وتؤكد أنه لا سلام ولا إستقرار بدونها، كما أنها الدولة الأولى عربيًا التي سارعت للإنضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتى تتهم إسرائيل بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية، بل واصلت مصر دورها في فضح الجرائم الإسرائيلية دوليًا، ليس فقط في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن وانما في كل الوسائل وعلى مستوى كل العواصم بإستخدام الأساليب الدبلوماسية والسياسية والإعلامية.
التاسع: أن مصر هي الأكثر حرصا على توحيد الصف الفلسطيني ولم شمل الفصائل تحت علم فلسطين من أجل أن يكون للقضية صوت واحد يتحدث باسمها وفى سبيل ذلك بذلت الكثير من الجهود حتى في ظل الحرب الحالية من أجل تجاوز محنة الخلاف إلى وحدة الصف.
العاشر: أن كل محاولات توريط مصر وجيشها في صراعات خلال الفترة الماضية فشلت بفضل حكمة القيادة وعقيدة الجيش المصرى الذي يعرف دوره جيدًا ومتى وأين يخوض معاركه، وهذا الموقف أفسد مخططات كثيرة كانت تستهدف إسقاط مصر في مستنقع لا قرار له.
ولهذا لا تتوقف ماكينة الأكاذيب من المتربصين بمصر عن صناعة الأكاذيب وممارسة لكل محاولات استفزاز الجيش أو تشويهه وكذلك تشويه القيادة المصرية.
وأعتقد من يطالع هذه الحقائق، وهي جزء بسيط مما قدمته وتقدمه مصر، فسوف يعى لماذا هذا الترصد لها ولماذا تتزايد مخططات استهدافها بالتشويه عبر الشائعات المغرضة والأكاذيب وتلفيق الوقائع على غير الحقيقة، بل سيدرك أيضا لماذا تتحالف كل الجبهات، إسرائيل مع الجماعة الإرهابية مع المتربصين بالدولة في الداخل والخارج لإستهدافها ونشر الأكاذيب عنها على مدار الساعة، لكن المؤكد أن الحقائق التاريخية الثابتة، والمواقف الواقعية الواضحة لكل مبصر كافية لفضح المتربصين والمغرضين.
وأخيرًا سيبقى الوعى الشعبي وثقته في دولته وقيادته وجيشه ومساندته الدائمة هو السلاح الأهم للتصدى والانتصار في هذه الحرب القذرة ضد مصر.