ازدانت عروس المتوسط، ابتهاجا بحلول عيد شم النسيم، العيد الأقدم الذى أجمع عليه المصريون، واصطبغ بمرور الوقت بصبغة اجتماعية ذات صلة بالطبيعة كما يتضح من اسمه «شمو» فى اللغة الهيروغليفية، وهى نفس الكلمة التى أطلقها المصريون القدماء على فصل الصيف وتحمل ايضاً معنى «الحصاد» ويراه القدماء أنه بداية تاريخ العالم.
تنطوى تسمية «شم النسيم» على تركيب لغوى كامل، هو، شمو «حصاد» ــ ان «ال» ــ اسم «نبات» فى دلالة واضحة على عدم تحريف الاسم المصرى الأصلى بإدخال كلمة «نسيم» العربية، التى يعرُفها المعجم بأنها «ريح لينة لا تحرك شجرا»، للإشارة إلى اعتدال الجو ومقدم فصل الربيع.
يرى البعض أن الاحتفال يرجع إلى عام 4000 قبل الميلاد أو إلى نهاية عصر الأسرة الثالثة وبداية عصر الأسرة الرابعة وإن كان ذلك لا ينفى ظهوره فى فترة سابقة ولو فى شكل احتفالات غير رسمية، ويأتى شم النسيم فى اليوم التالى لعيد القيامة المجيد.
وهذا العام ومنذ الساعات المبكرة لصباح الاثنين، أطلق محافظ الإسكندرية، إشارة البدء لماراثون الدراجات الهوائية من أمام بوابة استاد الإسكندرية الرياضي، ذلك الاستاد القابع على جانب الأجزاء المتبقية من أسوار المدينة القديمة ــ مدينة الرب كما يطلق عليها المؤرخون.
مر الماراثون بأقدم شوارع الثغر وببعض من معالمها التاريخية، كشارع النبى دانيال والمتحف اليونانى الرومانى وغيرها، فى جولة أظهرت بعضاً من عبق تاريخ المدينة وتراثها الحضاري.
طافت مواكب الزهور بالكورنيش، فعاد رونق غاب كثيرا عن وجه عروس المتوسط، شاركت فى صنعه أحياء المحافظة المختلفة فى مهرجان ضم أكثر من 12 سيارة مزينة بالزهور والورد من مدخل المدينة تطوف طريق الكورنيش، وصولا إلى شاطئ ستانلي، الذى فُتِحَ للرواد مجانا ــ ليعود أحد أشهر شواطئ المدينة لعشاقها بلا أسوار وبلا حجب للرؤية وبدخول مجانى طال انتظاره.. خاصة ان أغلب الشواطئ يجرى العمل على توسعتها وربما يأتى الصيف دون أن تجهز الشواطئ لاستقبال الرواد!
زُينَت السيارات المشاركة فى الموكب والتابعة للأحياء وشركات المرافق بأعلام مصر والإسكندرية وبلافتات تهنئة للمواطنين بأعياد الربيع، حتى كادت أرواح عشاق عروسة المتوسط ــ ممن تعيش العروس فى قلوبهم قبل أن يعيشوا فيها ــ أن ترقص فرحا بعودتها.
لولا أن الفرحة لم تعم كامل المدينة، التى تحولت لجراح كبير، وما زالت الشوارع تحتاج للرصف، وما زالت الأسواق الدائمة ــ العشوائية سابقا ــ تحتاج للإزالة، وما زال الباعة المستوطنون ــ الجائلون سابقا ــ يفترشون الشوارع والميادين حتى انهم يتركون الفرش بما عليه ليلا آمنين من خطر إزالته!
أعاد الربيع للمحافظة الكوزموبوليتانية بعضاً من بهائها فى صورة كرنفالية اشترك فيها قصور الثقافة، والإدارة المركزية للسياحة والمصايف، وهيئة تنشيط السياحة، والعديد من الأحياء، ومختلف إدارات العاصمة الثانية، بحضور المحافظ وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ والقيادات التنفيذية.
وجرى افتتاح 4 معارض، شملت «معرض زهور بالجزيرة الوسطى بمدخل الإسكندرية، ومعرضين أحدهما فوتوغرافى فنى والآخر للفنون التشكيلة باستاد الإسكندرية الرياضي، ومعرض لوحات اللاند سكيب لطلاب كلية فنون جميلة»، وآخر للأسر المنتجة وبيع منتجات المشغولات اليدوية والتراثية والمنتجات الغذائية، بهدف إحياء المنتجات التراثية، وتقديم الدعم للسيدات المعيلات، لعرض منتجاتهن أمام الجمهور.
وتمنى عشاق الإسكندرية من روادها وساكنيها أن يستمر اليوم ويطوف موكب الزهور والثقافة والتنوير كافة أرجائها، ليقضى على ما تبقى من أشباح قتلة هيباتيا ممن يحاولون جاهدين وأد العروس، وإشاعة العشوائية فى جسدها الجميل، وأن تنتهى الأزمات المستمرة، وليظل حلم عودتها يراودني.. فلعلها تعود مثلما عاد الربيع.