نداءات ومطالبات لحماية المرأة من مخاطر الطلاق، منها بأن تحدد قيمة مؤخر الصداق فى عقد الزواج بالذهب وليس بالمال، لما للذهب من قيمة متغيرة فى تزايد باستمرار، وبالتالى سيكون حق المرأة محفوظ لا تنهار قيمته مهما طال العمر، ولكن هذه الدعوات والمطالبات اقتصادياً نالت ترحاب من بعض الخبراء الاقتصاديين، خاصة وأن قيمة النقود تتراجع نتيجة ارتفاع نسبة التضخم، بينما الذهب يحتفظ بقيمته اقتصادياً، وقد برر أصحاب تلك النداءات والمطالبات رؤيتهم بأنهم يرغبون فى تحقيق حماية المرأة من غدر التضخم وتآكل قيمة العملة حال طلاقها من زوجها بما يساعدها على تكملة مشوار حياتها بعد الانفصال.. الطرح وجد من يؤيده بينما على المقابل وجد كثيرا من المعارضة ممن يؤمنون بأن أساس الزواج مودة ورحمة وأن الذهب والمال لا يبنى أسرة ولا يحقق أماناً، وقد زاد القانونيين له وصفا بأنه أمر غير دستورى وسيواجه رفضا مجتمعيا.
الدكتور أحمد كريمة- أستاذ الفقه بجامعة – يرى أنه لا ضرر من أن يتم تحديد مؤخر الصداق بقيمته ذهبا فى أيام تحرير قسيمة الزواج خاصة فى الظروف التى يحدث فيها انخفاض شديد للعملة بشـــكل يجعل أرقامــــا كانت كبيرة فى الماضى لاقيمة لها، وكذلك فى حالة الاقتراض يجوز الاتفاق أن يكون الرد ذهباً، بل يجوز لمن أقرض آخر ومضت سنوات طويلة على هذا القرض الحسن حتى أصبح المبلغ المقترض لا قيمة له بسبب تراجع قيمة العملة أن يأخذ قرضه ذهبا بقيمة الذهب أثناء الاقتراض، بل إن مبادرة المقترض إلى ذلك أفضل حتى لا يضر بصاحب الحق الذى أعانه فى محنته، والقاعدة الفقهية: لا ضرر ولا ضرار، وكذلك الضرر يزال، أما موضوع رد الجنيه الورقى بالذهب مثلا فلا حرج فيه وقد وجدنا فيما ذكره عبدالله بن عمر أن التعامل بعملتين مختلفتين شرط اتفاق القيمة لا حرج فيه، ما دام فى مجلس واحد، فقد سأل عبدالله بن عمر رضى الله عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: يا رسول الله، إنى أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذا، وأعطى هذا من هذا؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء»، مما يبيح التعامل بهذا المنطق، شرط ألا تزيد هذه الأموال زيادة عن قيمتها الحقيقة وقت كتابتها.
مضيفا انه يجوز أن يتفق طرفا القرض أن يكون الرد بقيمة الذهب وقت رد الدين، مخافة أن فقدان النقود قيمتها، ويكون ذلك مدعاة لكف أصحاب الأموال عن إقراض الناس لأن أموالهم تعود إليهم أقل قيمتها عند الاقتراض.
والحقيقة إن مثل هذه القضية قد ناقشها المؤتمرون فى الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم» التى عقدها مجمع الفقه الإسلامى فى جدة، فجاءت توصياتها» إن كان التضخم عند التعاقد غير متوقع الحدوث، وحدث، فإما أن يكون وقت السداد كثيراً أو يسيراً، وضابط التضخم الكثير أن يبلغ ثلث مقدار الدين الآجل، وكذلك إذا كان التضخم يسيراً فإنه لا يعتبر مسوغاً لتعديل الديون الآجلة؛ لأن الأصل وفاء الديون بأمثالها، وإذا كان التضخم كثيراً، فإن وفاء الدين الآجل حينئذ بالمثل، تطبيقاً للقاعدة الكلية «الضرر يزال».
فيما أشار الدكتور أشرف مطاوع- أستاذ القانون المدني- أن قانون الأحوال الشخصية فى مصر سكت عن كيفية الدفع فى حالة انخفاض قيمة العملة، مما يفرض الرجوع إلى الشريعة العامة أى القانون المدنى وفيه المادة 147م تقول: العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو بالأسباب التى يقرها القانون، والوثائق الرسمية حجة بما ورد فيها إن لم يتم الطعن عليها بالتزوير، وقسيمة الزواج المصرية تقول: إن مؤخر الزواج مبلغ يدفع عند أقرب الأجلين: الطلاق أو الموت، واستقرت محكمة النقض فى احكامها على أن العبرة فى تحديد مؤخر الصداق ما هو ثابت بوثيقة الزواج الرسمية ولا يجوز تقديره وفق معيار آخر إلا باتفاق مكتوب بين طرفى العقد أو بإقرار صريح ممن عليه الحق، وبالتالى فإن القانون لا يَسمح إلا برد المبلغ المذكور، وإذا وجدت مقترحات مستحدثة فإنها تستلزم تدخل تشريعى جديد حتى نجعل معيار الذهب آلية للتعامل بين الزوج أو الزوجة أو أى تتعاملين.
فيما يوضح الدكتور أحمد رمضان- أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة- أن النقود لها قيمة أسمية، وقيمة حقيقية، والقيمة الأسمية تتمثل فى عددها، وكلما كانت النقود غير متغيرة القيمة أو أن تغيرها يكون فى الحدود الدنيا يكون المستهلك غير قلق سواء أكان بائعاً أم مشترياً أو مدخراً أو مستهلكاً بل تضفى على المجتمع رضا وشعورا بالأمان فى التعاملات أما فى حالة ما تصبح القيمة الحقيقية متغيرة بشكل متسارع وبفروق كبيرة يشعر صاحب المال بالخطر ويتأثر المجتمع بهذا القلق فى تعاملاته المالية وتصبح التعاملات المالية الآجلة بين الأفراد بعضهم بعضا محفوفة بالخوف من ضياع الأموال لذا يلجأ الكثيرون إلى الحفاظ على أموالهم بعدة طرق منها تحويلها إلى عملة أخرى آخذه فى الازدياد أمام العملة المحلية أو تحويلها إلى ذهب أو وضعها فى العقارات أو وضعها فى أوعية ادخارية فى البنوك تدر عائدا يساوى ما يحدث لها من انخفاض قيمة وهنا يلجأ الأفراد إلى علاج تعاملاتهم المالية من خلال أحدى هذه الوسائل التى تحقق استمرارية التعاملات وتحمى الأموال، وأقرب هذه الوسائل هى التعامل بقيمة الذهب وهى قيمة عادلة وبالتالى فالمطالبة بجعله ميزانا للتعاملات أمر مقبول اقتصاديا بل يحقق استمرارية حركة المجتمعات الاقتصادية.
مضيفا أن الكثيرين يعتمدون هذه الطريقة فى الإقراض والأقساط الآجلة نتيجة مخاوف تغير قيمة العملة بالارتفاع أو الانخفاض، إلا أن هذا الأمر يحتاج قانون لأن العقد شريعة المتعاقدين وعقود الزواج لا تشير إلى هذه المتغيرات التى حدثت للنقد فى السنوات الماضية.
الدكتور على الإدريسي- أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل والخبير الاقتصادي- أوضح أن الذهب يحتفظ بقيمته أو يزيد، مما يجعل فكرة تحديد مؤخر الصداق بالذهب بدلاً من المال فكرة منطقية اقتصادياً، لعدة أسباب منها، حماية للمرأة من تآكل القيمة، فمثلاً إذا كان المؤخر مكتوب 100 ألف جنيه، فقيمتهم اليوم غير قيمتهم بعد 5 أو 10 سنوات، لكن إذا كان مكتوب 100 جرام ذهب، فهذا رقم ثابت ومرتبط بأصل مادى قيمته محفوظة.
أضاف الإدريسى أن تحديد قيمة المؤخر بالذهب يشجع على التوازن فى الاتفاق سيجعل هناك تفاهم أكبر بين الطرفين لأن الذهب معيار واضح ومفهوم، ويقلل الخلاف وقت التنفيذ، كما أنه توجه آمن ضد التضخم، حيث أن التضخم فى مصر فى ارتفاع والذهب يكون «مخزن للقيمة»، كما أنه توجه ذكى اقتصادياً ومستقبلياً، لافتاً إلى أن الدين لم يحدد نوع المؤخر، فمن الممكن يكون مالا، ذهبا، أو أى شيء ذى قيمة، طالما فى رضا واتفاق بين الطرفين، وهنا نجد أن تحديد قيمة المؤخر ذهباً يعد توجه ذكى اقتصادياً ويحمى الحقوق بشكل أفضل فى ظل الوضع المالى غير المستقر، وإذا طبق سيكون نوع من الوعى المالى الحقيقى للمجتمع.
فيما أكدت داليا السنهوري- عضو المجلس القومى للمرأة- أن مؤخر الصداق يجب أن تأخذه الزوجة عقب عقد القران وليس كما هو معروف فى حال الطلاق، لأنه دين على الزوج للزوجة، والمغالاة فى المؤخر أمر مرفوض، خاصة وأن أصل الزواج اتفاق بين الطرفين اتفاق فى كل شيء وحسب المستطاع يقدر المؤخر والمهر والشبكة، فنحن مجتمع متوسط الدخول والمغالاة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية مرفوضة والأهم من ذلك الاتفاق الفكرى والاحتواء، فهذا هو الأمان الحقيقى وليس ماذا سيدفع، كما أننا كمجتمع شرقى الأسر تساعد فى تزويج أبنائهم لتنمية الأسرة وتنفيذاً لأمر الله عز وجل وليس للزواج كشكل اجتماعي
وجهة نظر أخرى تقدمها د.هالة منصور- أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس- التىأكدت رفضها محاولات نقل الزواج والعلاقة الأسرية القائمة على المودة والرحمة إلى دائرة الحرب والصراع المبنية على التخوين والتشكيكوافتراض سوء النوايا، موضحة أن جميع المطالبات والنداءات بخصوص ضمانات للمرأة، مثل وثيقة تأمين المطلقات، أو كتابة الصداق بالذهب بدلا من الأموال، لا تحقق الأمان للمرأة، ولا تحمى مستقبلها، مشددة أن أوثق الضمانات للمرأة ما قرره التشريع الإسلامى فى أن الزوج القائد لتلك الحياة الزوجية عليه التزامان لا ثالث لهما: الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، وقد أسهب العلماء فى شرح معنى الإحسان والمعروف بصورة تكشف مدى العدالة الإنسانية فى الشرائع السماوية التى جاءت لإرساء مبادئ التكريم للإنسان خاصة الضعفاء الذين يمثلون الطرف المغلوب على أمره فى معادلة الحياة، ولذلك وردت فى شريعة الإسلام الوصية الجامعة بالمرأة فى خطبة الوداع، وكلنا يدرك جيدا قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- اتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، وأمانة الله أعظم الأمانات التى تستلزم على الإنسان أن يكون عادلا محسنا شريفا فى خصومته مع تلك الأمانة فلا يحتال ولا يخادع ولا يأخذ حقها بالظلم.
أكدت د.هالة أن التجريف الذى أصاب سلوكيات المجتمع جعل عناصره ينظرون إلى الزواج بمنطق الشركة التجارية التى يسعى كل طرف فيها لتأمين نفسه ضد غدر الطرف الآخر ومدى مكسبه من هذه الزيجة والفائدة العائدة عليه، ووسط المخاوف غابت مبادئ الشراكة الروحية التى تمتزج فيها القلوب والعقول لأجل بناء أسرة تكون عنصرا فى بناء المجتمع، لكن للأسف ما يحدث هو العكس فقد أصبحت الخلافات تثور لأتفه الأسباب، وحينها يسعى كل طرف لإبراز أسوأ ما يبطنه من أخلاقيات، وأيقن الطرفان أن الحياة الزوجية والأسرية بل والاجتماعية لا تستقر سوى بالقوانين، رغم أن القوانين أساسها تنظيمى بين الأفراد، ودخل الرجل والمرأة صراع الضغط على المشرع القانونى بهدف تحقيق مكتسبات قانونية تسهم فى حمايته وفق رؤيته الراغبة قهر الطرف الآخر، ومن جملة تلك المساعى مطلب تحويل مؤخر الصداق إلى جرامات من الذاهب، فإذا كانت الشراكة الزوجية تبدأ بمخاوف التخوين والغدر فالأفضل عدم الإقدام عليها من الأصل فلا ذنب للأبناء أن يأتوا إلى الدنيا لأجل الشقاء مع عقليات لا تعرف المبادئ الإنسانية ولا الأخلاق الشرعية.
بينما أكد الدكتور عادل عامر- أستاذ القانون العام والاقتصاد الدولى ومدير مركز المصريين للدارسات والبحوث- عدم وجود تشريع قانونى يستطيع أن يلزم الزوج بكتابة مؤخر الصداق بما يعادل قيمة الذهب، وإذا تم طرح ذلك المقترح فلن يجد له سندا سوى تراضى الطرفين، وبما أن النصوص القانونية تقضى بأن الرضا هو أصل العقود القانونية سواء فى الزواج أو البيع أو الشراء، وإذا اتفقت أرادة الطرفين على أمر فإن القانون بدوره يجعل الاتفاق ساريا طالما انه لا يخالف الآداب العامة ولا الأعراف المجتمعية.
أعرب د.عامر عن مخاوفه من العبث بمستقبل الأسرة المصرية تحت دعاوى التخوين والتخويف، ومحاولة الاستشهاد بحالات فردية على أنه أصل عام ينطبق على المجتمع المصري، والنهاية ستكون مؤلمة بالنسبة للمجتمع المصرى الذى يعانى أصلا من ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات بسبب عزوف الشباب عن الزواج بسبب المخاوف من تحمل المسؤولية، وهناك مخاوف أخرى إذا حدث ارتفاع فى قيمة الذهب بسبب المتغيرات الاقتصادية المتنوعة وأرادت الزوجة الانفصال فلن يرضخ الزوج لرغبتها وسيدخلون فى مهاترات قانونية رغبة فى رضوخ الزوجة إلى طلب الخلع حتى تحرم من كافة حقوقها، وستدفع المرأة فى نهاية المطاف الثمن ومعها سيدفع الأبناء بل والمجتمع الثمن نظير رفض كل طرف الوفاء بمستحقاته، مشيرا أنه فى الوقت الذى توجد مطالبات ونداءات بالتخفيف من مهور لتسهيل الزوج وألا تكون قائمة المنقولات سبباً فى حبس الزوج، بان تكون عقد مدنى وليست جريمة خيانة أمانة تؤدى لحبس الزوج، نجد هناك على الطرف المقابل من يحاول التشديد بفرض وإذا تم إصدار مثل هذا القانون سوف يأخذ عدم دستورية ، لأن مؤخر الصداق كان دائماً وأبدا مبلغ مالى محدد ولم يحدث على الإطلاق أن كان ذهباً أو فضة.