من جديد عادت مفاوضات السلام ووقف الحرب فى غزة ولبنان.. جهود مصرية قطرية دولية حثيثة لوقف اطلان النيران وفرض هدنة مؤقتة يسود فيها الأمان والاستقرار بالمناطق المشتعلة منذ أكثر من عام.. ومع بزوغ أمل السلام فى المنطقة يتساءل الجميع: هل إسرائيل جادة فى وقف الحرب.. هل ستقبل بالأفكار المطروحة لإعلان هدنة ولو بصورة مؤقتة.. هل يتخلى نتنياهو عن أطماعه التوسعية.. هل سيلقى بسلاحه ويقبل بالسلام؟ الكل يشك فى نوايا إسرائيل ما دام نتنياهو على رأس الحكم فى تل أبيب.. نعم هو فى أشد الحاجة الآن وليس غدًا لوقف نزيف الخسائر الفادحة التى يتكبدها الجيش الإسرائيلى كل يوم من قتلى وجرحى على يد رجال المقاومة الشجعان فى غزة ولبنان.. نتنياهو يتمنى وقف الحرب فورًا حتى يتوقف نزيف الخسائر البشرية والمادية والنفسية ليس فقط داخل جيش الاحتلال.. ولكن فى الكيان الصهيونى عمومًا.. فالإسرائيلى معروف بجبنه ورعونته وهروبه دائمًا من أى مكان قد يواجه فيه خطرًا حتى وإن كان هذا المكان هو الوطن الموعود الذى يزعمون.. لكن نتنياهو يخشى من اليوم التالى لوقف الحرب.. سيجد نفسه فى مواجهة تساؤلات واستفسارات واستجوابات حادة واتهامات مباشرة وقد ينتهى به المطاف إلى السجن والمحاكمة وفقدانه كل شيء.. لكن رياح السلام الآن أقوى من كل مرة.. فكل الاطراف فى حاجة إلى هدنة لالتقاط الأنفاس وإعادة رسم الخطط والاستراتيجيات للمرحلة المقبلة.. إسرائيل أكثر الاطراف احتياجًا لوقف الحرب حتى يستعيد جيش الاحتلال توازنه المفقود ويعالج الخلل الاستراتيجى فى صفوفه بل الزلزال المدمر الذى أصاب الجيش المعتدى وعاش جنوده وضباطه حالة من الهلع والفزع والرعب وانتظار الموت فى أى لحظة على يد هؤلاء الملثمين الذين تنشق الأرض عنهم ويجدونهم وجهًا لوجه وتكون الهزيمة دائمًا من نصيب جنود الاحتلال.. جماعات وحركات المقاومة فى غزة ولبنان فى حاجة أيضا إلى الهدنة لوقف حمامات الدم المتواصلة منذ أكثرمن عام فى ظل حرب إبادة شاملة تشنها إسرائيل ضد شعب غزة الأعزل خلفت وراءها ما يقرب من خمسين ألف شهيد وأكثر من مائة ألف جريح.. رجال المقاومة يريدون وقف الحرب فورًا وبأى ثمن.. فالثمن الذى يدفعه أهل غزة ثم لبنان.. أكبر وأعظم وأغلى من أى مكاسب سياسية أو عسكرية.. عشرات بل ومئات الشهداء يتساقطون كل يوم بنيران القصف الإسرائيلى المتوحش.. فضلاً عن ملايين المشردين الذين يعيشون بلا مأوي.. بلا طعام.. بلا شراب.. بلا غطاء.. خصوصًا وأن برودة الشتاء قادمة بقوة.. أمريكا نفسها وهى الداعم الأول والأكبر لإسرائيل فى حاجة إلى تجميل وجهها القبيح الملطخ بدماء الفلسطينيين واللبنانيين بقنابلها المحرمة دوليًا.. وأسلحتها الفتاكة وأموالهم السخية التى ينفقونها يوميًا على آلة الحرب الشيطانية الإسرائيلية.. بايدن يريد أن يختم ولايته الكارثية بإعلان السلام فى الشرق الأوسط حتى وإن كان سلامًا مؤقتًا هشًا وغير حقيقى وغير واقعي.. وخليفته هاريس تريد أن تفعل أى شيء وكل شيء من أجل كسب أصوات الأمريكيين فى الانتخابات الوشيكة.. ربما المرشح الجمهورى ترامب هو الشخص الوحيد فى هذا العالم الذى يريد للحرب أن تستمر بل وتشتعل أكثر وأكثر ليقدم دليلاً دامغًا على فشل غريمه بايدن ونائبته هاريس فى إدارة ملف الحرب فى الشرق الأوسط.. وحتى يصور نفسه وكأنه حمامة السلام التى ستحل على العالم وتنهى الحروب فى كل مكان.. فى غزة ولبنان.. وفى أوكرانيا وربما فى السودان أيضا.. وأنا شخصيًا ومعى الملايين حول العالم لا يصدقون ترامب فى وعوده.. ولا نثق فى قدرته على وقف الحروب فى أنحاء العالم.. فالمرشح الجمهورى ليس بوجه جديد لا نعرفه.. فهو رئيس قديم قاد أمريكا والعالم لأربع سنوات سابقة.. لم تكن فترة جيدة لا للشعب الأمريكي.. ولا لشعوب العالم بأسره.. فمن أين يأتى بكل هذه القوة الخارقة لوقف الحرب واحلال السلام.. وما الثمن الذى سيحصل عليه ترامب مقابل ذلك.. فالمرشح الجمهورى والرئيس الأسبق اعتاد فى كل قرار يتخذه.. أو خطوة يقدم عليها.. أو مبادرة يطرحها.. اعتاد على سياسة المقايضة.. «بيزنس إذ بيزنس» هكذا حكم ترامب العالم فى الولاية الأولي.. وهكذا سيحكم فى الولاية الثانية.. بل سيكون الثمن أكبر وأعظم وأخطر.
وبمناسبة ترامب والجدل الدائر الآن فى كل مكان حول العالم ومن سيفيد الإنسانية أكثر.. ترامب أم هاريس.. أقول إن الأمريكيين بين خيارين كلاهما مر.. كلاهما سيء.. كلاهما ليس أفضل حالاً من الآخر.. ترامب يجر وراءه شريط ذكريات مرير مليء بالخطايا والكوارث والقرارات والمواقف المعاكسة.. ومازلنا نتذكر جميعًا كيف حرض ترامب أنصاره على اقتحام مقر الكونجرس الأمريكى وسرقة محتوياته بل والاعتداء عليه وتدميره احتجاجًا على سقوطه المروع أمام الديمقراطى بايدن.. ترامب مازال حتى الآن لم يعترف بنجاح بايدن.. أو أنه خسر فى الانتخابات.. فهل نثق ويثق العالم فى شخص مثل هذا يكيل قراراته وسياساته ومواقفه فى البيت الأبيض دائمًا بمكيال البيزنس والمكسب والخسارة.. رجل لا يعرف إلا لغة المال.. ولا يقبل إلا بـ»الثمن» الباهظ!!
وختامًا: نتمنى وأن تنتجح الجهود الحالية فى وقف اطلاق النار وإعلان هدنة ولو مؤقتة.. نريد أن تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن اطلاق صواريخها وقنابلها المدمرة الفتاكة التى حولت غزة الجميلة إلى أنقاض وجثث وأشلاء الأطفال والنساء.. لا نريد أن تتحول بيروت الرائعة جنة الله فى أرضه إلى غزة أخري.. لابد أن يتكاتف المجتمع الدولى ويفرض على اللوبى الإسرائيلى الأمريكى وقف آلة الحرب المدمرة واتاحة الفرصة أمام الجميع للشعور من جديد بالأمن والأمان والسلام.