عندما نتناول اليوم بشىء من التحليل الحروب والصراعات الدائرة والمشتعلة حتى الآن سنجد أن الحرب الروسية الاوكرانية قد دخلت عامها الثالث منذ يومين، وسنفاجأ بأن الحرب السودانية السودانية دخلت شهرها العاشر، وسنصدم إذا اكتشفنا أن حرب غزة دخلت شهرها الخامس، والسؤال الذي أطرحه الآن هل كانت التوقعات على اختلاف توجهاتها ومراكزها القانونية تقول إن تلك الحروب الثلاثة ستستغرق كل هذا الوقت وستخلف وراءها كل هذا الخراب والدمار والضحايا ؟ هل فشلت دراسات التنبؤ والاستشراف في قراءة المستقبل القريب؟ وما أسباب هذه الإخفاقات المعلوماتية على جميع المستويات؟ هل هناك متغيرات جديدة وغير مرئية دخلت إلى مكونات معادلات الصراع والنزاع؟ فحرب روسيا أوكرانيا وقعت في فخ سوء التقدير لمساراتها ونتائجها المتوقعة وتأثيرات اندلاعها على المعادلات الجيوسياسية الكلاسيكية، عامان على اندلاع المعارك تحولت فيها الحرب من مواجهات روسية أوكرانية إلى حرب حقيقية وكاملة بين روسيا وحلف شمال الاطلنطي، والحرب مرشحة للتصاعد وربما استمرّت لسنوات عديدة قادمة على غرار حرب الشمال الكبرى التي استمرّت من عام 1700 حتى 1821 وكانت ايضاً بين روسيا القيصرية والإمبراطورية السويدية بهدف السيطرة على بحر البلطيق والتي انتهت بانتصارات روسية حاسمة أعادت تشكيل الخارطة السياسية في تلك الأزمنة، أما الحرب السودانية السودانية والتي تقترب من ان تتحول إلى حرب أهلية تأتي على ما تبقى من المقدرات السودانية، فقد دخلت هي الأخرى نفق النسيان الدولي والانتظار الإقليمي والعبث المحلي مما ساهم في اطالة زمن الحرب وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وعلى الجانب الفلسطيني كنا نرى أن ما جرى في السابق من أكتوبر سيعقبه انتقام اسرائيلي لن يستغرق أياماً أو ربما أسابيع قلبلة على أسوأ تقدير، لكن اليوم تدخل الحرب شهرها الخامس وتتصاعد حدة الصراع ليتحول إلى صراع صفري بين الجبهتين، وتتحول غزة إلى مقبرة للإنسانية وللقانون والمؤسسات الدولية، وكذلك عكست تلك الحرب العجز الدولي الكامل في كبح جماح اسرائيل التي تمارس إبادة جماعية كاملة الأوصاف القانونية، وهنا أعود إلى السؤال المفصلي هل باتت حروب وصراعات ونزاعات اليوم تختلف عن تلك المواجهات الخاطفة التي تستمر أياماً أو أسابيع؟ لماذا أصبحت الصراعات طويلة وممتدة ومتشعبة؟ لماذا غلبت احتمالات التصعيد والتسخين كل محاولات التهدئة والتبريد؟ هل عدنا إلى عصور الحروب الطويلة الممتدة؟ ومن هم اصحاب المصلحة في اطالة زمن الحرب؟ هل هم صناع السلاح أم القوى الإقليمية المتصارعة من اجل اعادة تشكيل المشهد الدولي برمته؟