بين الحين والآخر أكتب بحسن نية متسائلا أين كتابنا الكبار ومثقفينا العظام من إنتاج الأفكار الكبرى القادرة على خلق حالة من الحراك المجتمعى البناءة التى تقود الأمة إلى الخروج من نفق الجمود، ووسط أعاصير التغيير التى يشهدها العالم والتى ستفضى حتما إلى واقع جديد لا يعرف أحد على وجه اليقين ملامحه، كنت أظن – وبعض الظن إثم – ان يهتم سادتنا وكبراؤنا المفكرون بالتفكير العميق فى مآلات الوضع الراهن وكيف نجهز المجتمع للتكيف مع معضلات التحول الدرامى وإعادة التشكيل المتسارع الذى يشهده العالم.
>>>
لكننى وفى كل مرة تصيبنى خيبة الأمل بسبب رفع سقف توقعاتى وحسن ظنى بالبعض، آخر هؤلاء الذين أصابتنى افكارهم شديدة الرداءة والفجاجة بحالة اشمئزاز فكرى وثقافى نتج عنها ما يسمى بالقيئ المعرفي، هو الدكتور أسامة الغزالى حرب، كتب الرجل مقالاً فى الأهرام بعنوان «نداء إلى باشوات مصر» يطالب فيه بإعادة الرتب المدنية «باشا وبك وأفندى وهانم».
يقول أسامة أفندي
>>>
»ما الذى يمنع من عودة منظمة ومدروسة لألقاب مدنية تمنح على أساس موضوعى صارم ومنضبط ومدروس يقترح من هيئة متخصصة رفيعة المستوي، ويوافق عليه البرلمان. على أن تمنح لمن يقومون بأعمال جليلة، ذات قيمة عالية وعالمية، فى ميادين الثقافة والصناعة والزراعة؟.. فيكون لدينا نجيب باشا ساويرس، وطلعت باشا مصطفي، ومحمد باشا أبوالعينين، ومنير فخرى باشا عبدالنور، ومنير باشا غبور، وطارق باشا نور، وناصف باشا ساويرس وهشام طلعت مصطفى باشا وياسين منصور باشا وأحمد باشا أبوهشيمة…إلخ.
>>>
من أسماء شائعة لمليارديرات مصر.. إننى أعتقد جادا.. أن مثل هذا العمل سوف يجعل مئات ومئات من الأثرياء، فى العديد من الأنشطة الاقتصادية، غير المعروفين، أو الذين يحرصون على العمل بهدوء، سوف تغريهم تلك المكانة الاجتماعية المرموقة والمعترف بها، وسيظهرون للحياة العامة، ويسهمون فيها على نحو يختلف جذريا عما هو قائم الآن، لأن المجتمع المصرى أغنى – فى يقينى – من الدولة المصرية! ذلك اقتراح متواضع من السيد أسامة أفندى الغزالى حرب!«
>>>
وقبل الدخول فى أى تفاصيل جدلية، فإن الحاج أسامة أفندى يجهل نصوص الدستور المصرى الذى أعتقد أنه صوت لصالحه دون ان يقرأه، فالدستور المصرى الحالى يحظر ويجرم بشكل قاطع إنشاء الرتب المدنية وذلك بنص المادة 26 «إنشاء الرتب المدنية محظور»، لكن يبدو ان الرجل يكتب كلماته وقلمه مغموسا فى مداد التفاهة ولن أقول الرجعية والإمبريالية، أسامة أفندى يقول فى مقالته الساخرة بإنه بلغ من الكبر عتيا، – متعه الله بموفور الصحة والعافية – لكن يبدوا ان الرجل الذى انفق سنوات عمره فى الدفاع عن إسرائيل والتطبيع ثم تحول عن ذلك فجأة.
>>>
يأتى اليوم محاولا إهالة التراب على ثورة يوليو ومبادئها محاولا إعادة مصر إلى عصر الانغلاق العثمانى الكريه، وهنا أتساءل مجردا، كيف يسمح لمثل هذا الكاتب ان يخالف الدستور ونص المادة 26 على صفحات الأهرام العريق؟ كيف نترك هذه الأفكار الهدامة ان تمرر إلى عقول الناس بهذه البساطة والسهولة؟ فى تقديرى ان الاستاذ أسامة لا يستحق ان يصعد إلى منبر الأهرام ليلقى علينا بنفاياته الفكرية ومخلفاته الثقافية، إنه يذكرنى بصاحب البئر الذى فعل فعلته الشنيعة فى بئر زمزم وعندما سئل قال أردت ان يذكرنى الناس حتى ولو باللعنات!