هذه قريتي، ومطلع قصيدتي، وبداية رحلتي، أمضيت فيها أسعد أوقاتي، وأجمل أيام حياتي.
فى أحد بيوتها ولدت، وعلى أرضها نشأت، ومن خيراتها أكلت وشربت وفى ساحاتها ودروبها مشيت وجريت ولعبت وضحكت وبكيت.
بدت فى عيني، كأنها جنة رضوان، نباتها عطر وريحان، وأشجارها نخل ورمان، وأرضها لؤلؤ ومرجان، وأنهارها عسل ولبن، وأولادها فتيان مخلدون، وبناتها حور عين، ورجالها ونساؤها وشيوخها، تنطق بالعلم والحكمة والعبق والحنان (فبأى آلاء ربكما تكذبان).
قرية مميزة، فى محافظة الدقهلية تابعة لمركز شربين (بلقاس سابقاً) بسيطة فى تركيبتها الجغرافية والسكانية تطل على بحر بسنديلة، وخلفها ترعة راية (الداير أو المشروع)، تروى الأرض فتجود بأشهى المحاصيل، مستطيلة الشكل شوارع عرضية بين البحر والترعة، وساحاتها كثيرة من أولها إلى آخرها، مفتوحة أمام الجميع سواء كانت ملكيتها خاصة أو عامة تستخدم فى أيام الحصاد أو يلعب فيها الأطفال والشباب طوال العام.
كل شيء فيها يشير إلى جمالها ومعاصرتها لأصدقائى وسماحتها واعتدالها فى تعاملات ناسها وأهلها الذين أسعد بدعائهم الطيب حتى اليوم.
وقد خلت قريتى من العصبية، والحدة والغلظة، يتفقون ويختلفون، ويتخاصمون ويتصالحون، ولا يصل الخلاف بينهم إلى حد الشطط.
وتذهب الخلافات فى الأعياد والمناسبات وتعود المياه إلى مجاريها بحكمة الكبار.
يمر أهل القرية على بيوتها فى الأعياد ويبدأون بمنازل الراحلين فى العام الأخير، يطيبون خواطرهم ويواسونهم فى مصابهم ويجددون الأمل فى قلوبهم.
إذا شب حريق، انطلق الجميع بأرواحهم وعزمهم إلى المكان لتتراجع النار أمام سعيهم وترحل عن المكان ويتم إصلاح ما أفسدته النار فى الحال.
يقدمون يد العون والمساعدة إلى من اصابتهم نوازل الأيام برحيل عائل، وتستمر المساعدة حتى تصل الأسر إلى بر النجاة، ولا تتوقف المساعدة على أهلها فقط، ولكن على كل الوافدين عليها، إذا كانوا فى حاجة إليها.
فى المآتم كانت الصوانى تذهب إلى السرادق، أو المضيفة، وبعد ذلك إلى المنازل حتى تكتمل واجباتها.
وفى أفراحها الكل سواء ولا فرق بين غنى وفقير، أو صغير وكبير، تتوزع الأدوار طبقاً للمواهب والملكات هذا يدق على الطبلة، والشباب يتبادل أشواط الرقص والغناء وتلتهب الأيدى بالتصفيق، والتعليقات والأغاني:
– الواد ده حلو الواد ده حلو
– ياما خلق ياما صور
كعب البنت ريال مدور
– حلوة يا واد وصغيرة
مالية عليك المندرة
– ليلة الحنة عند العم أو الخال أو الجار.
وجولات فى شوارع القرية، مع رقصات إيقاعية لأصدقاء العريس.
وفى بيت العروس يستمر الغناء شهراً كاملاً، قبل الحنة والفرح، يتبارى فيها الشباب فى ترديد الأغانى الشعبية الفلكورية.
تراث ينتقل عبر الأجيال ويحافظ عليه البعض حتى الآن.