فى بداية الألفية الثالثة كنت قد التحقت بالعمل فى جريدة الجمهورية بعد رحلة قصيرة قضيتها فى بعض الصحف العربية أثناء فترة الدراسة فى الكلية قررت بعدها البحث عن الاستقرار فكانت الجمهورية اختيارى لأبدأ رحلتى فى بلاط صاحبة الجلالة عقب تخرجى فى كلية الإعلام.. لم يكن الوضع مثيراً بالنسبة لى فى البداية أشعر بقيود تدفعنى للرحيل والعودة من حيث أتيت حيث تلك الصحف التى ألفت العمل بها والانطلاق فيها بينما هنا الوضع مختلف تماماً حتى طبيعة الأشخاص مختلفة ومن ثم الحياة.
رغبــة الرحيــل تراودنــى بين الحــين والآخـــر لا ينتزعها من مخيلتى إلا صورة هؤلاء الذين قاربوا على مشارف الستين فى تلك الصحف التى كنت أعمل بها ومازال وضعهم تحت قيد الاستغناء عنهم فى أى وقت بينما هنا إذا نجحت فى التعيين ومن ثم القيد فى نقابة الصحفيين فقد بات وضعى مستقراً واستمر هذا الحال حتى كان هذا اليوم الذى خلق حالة خاصة بينى وبين هذه الجمهورية.
إشارات ضبط الوقت كانت تقترب من التاسعة صباحاً وأنا استقل التاكسى بلونيه الأسود والأبيض قبل أن يطغى اللون الأبيض عليه فى طريقى للجريدة وبينما كنت سارحة فى تفاصيل بنايات القاهرة الخديوية فى شارع رمسيس انطلق فريد الأطرش عبر إذاعة الشرق الأوسط يغنى أغنيته الشهيرة «تقول لأ وأقول لأ وتقول قلوبنا آه.. مالوش حق يقول لأ اللى بيقصد آه» ومع نهاية الأغنية كان التاكسى قد توقف بشارع زكريا أحمد حيث مقر جريدة الجمهرية وقتها قبل أن ينتقل للمقر الحالى بشارع رمسيس لأجد قلبى يقول آه عشقاً وشوقاً وأنا أدلف فى هذا الصباح بشعور مختلف بدأت معه قصة حب لتفاصيل المكان وشخوص من مروا عليه وعاشوا فيه منذ انطلاق الجمهورية فى السابع من ديسمبر عام 1953 لتكون صوت جمهورية ثورة يوليو بعد انتهاء عصر الملكية فى مصر وجاء الإعلان عنها تحت عنوان جريدة الجمهورية جريدة الشعب.
هنا أنا فى رحلة عبر التاريخ فى جريدة ولدت قوية ثائرة على الاستعمار وصوتاً للشعب.. هنا أنا فى رحاب الجريدة الوحيدة التى تحمل رخصتها اسم رئيس جمهورية وهو الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وتولى مسئولية إصدارها رئيس آخر هو السادات عليه رحمة الله والذى شغل منصب مدير التحرير بها قبل أن يسند رئاسة تحريرها للكاتب الصحفى حسين فهمي.. هنا أنا فى حضرة التاريخ ورموزه الذين جعلونى انصهر فى المكان الذى من خلاله كانت إعادة اكتشاف القاهرة بأحيائها العريقة وتفاصيلها المميزة.
فى الجمهورية جاءتنى الفرصة من خلال الخط الساخن وقد كان قسماً وليداً وتجربة صحفية رائدة يعود الفضل فيها للكاتب الصحفى سمير رجب واصل من خلالها دور الجريدة الرائد فى الانحياز للمواطن والانتصار له وقد عهد بتنفيذها للأساذ على هاشم والذى وقع اختياره على الاستاذة جمالات يونس وكانت نعم الاختيار لتنجح مع كتيبة من المحررين فى تقديم صحافة مواطن بطراز فريد ليس هذا فحسب بل نجحت فى تقديم مجموعة من الصحفيين نجحوا فى قيادة الجريدة فى الوقت الراهن والحفاظ على التاريخ الذى توارثوه عبر أجيال صحفية ستظل علامات مضيئة فى شارع الصحافة.
للصحافة بريق خاص لا يضاهيها فيه أى مهنة أخرى ولكن لنشوة إنصاف مظلوم إحساس لا يوصف عبرت عنه رسائل القراء التى مازلت أحفظها والتى نجحت فى عقد رباط مقدس بينى وبين هذه الجمهورية التى احتضنت طموحى وأحلامى وشكلت وجدانى على مدار ما يقرب من الربع قرن ومازالت قادرة على رسم الكثير من الأحلام رغم حالة الشجن التى فرضتها أوضاع الصحافة عليها لكن ستظل الجمهورية بكتيبة محرريها قادرة على الثورة على تلك الأوضاع للحفاظ على تاريخ ممتد وسيتواصل لجريدة الثورة.. وفى العيد الواحد والسعبين كل عام وجمهوريتى شامخة قوية أبية صوت الحق وضمير الأمة وذاكرة الوطن.. كل عام وجريدة الجمهورية جريدة الشعب.