«تمخض الجبل فولد فأراً».. هذا ما ينطبق على الضربة أو الهجوم الإسرائيلى على إيران، والذى جاء ضعيفاً وباهتاً وكأننا نشاهد فيلماً من أنواع الفانتازيا بإخراج أمريكى لم يخل من الأخطاء والثغرات التى أتاحت القدرة على إدراك الاستخفاف بالعقول، أو لم يكن ما تم إنتاجه فيلماً فينتمى أقرب إلى ألعاب «الأتاري» أو كما قلت سابقاً حروب «البلاى ستيشن»، وهى حروب سابقة الاتفاق والتجهيز تدار بسيناريوهات ساذجة.
أعلم أن الحرب تعتمد على المفاجأة والمباغتة وأعلى درجات السرية، وفق تقديرات وحسابات، والإجهاز على العدو، لكن الحقيقة أن الهجوم الإسرائيلى حمل مفاجآت أقرب إلى الفكاهة ولا تمت بصلة إلى الحروب أحاطت طهران علماً بماهية الأهداف والمواقع التى سوف تستهدفها الضربات الصاروخية، وعلى حد تصريحات رسمية إيرانية أن الهجوم بدا ضعيفاً لم يلحق خسائر كثيرة سوى قتل 4 جنود، وأنظمة رادار.. وتتابع إسرائيل أنها استهدفت معامل حيوية لأنظمة طراز إس – 300 فى كل الأحوال من الواضح أنه جرى اتفاق مسبق ثلاثى الأطراف على طبيعة الهجوم، وأن يكون محدوداً للغاية.
رغم أن نتنياهو يتمادى فى الكذب ويزعم أن هجوم إسرائيل على إيران لم يخضع لإملاءات أمريكية فى حين خرجت فى تصريحات متزامنة للهجوم الإسرائيلى لتنفى أنها ليست ضالعة فى الهجوم وهو ما يتناقض مع تصريحاتها بأن إسرائيل احاطتها علماً بكافة تفاصيل الهجوم، ناهيك عن إرسال منظومات دفاع جوى طراز «ثاو» الأمريكية ثم سرب من طائرات «إف – 16» للدفاع عن إسرائيل، وكل ذلك مجرد أدوات ديكور وتجميل والسؤال: لماذا لم يشمل الاتفاق الثلاثى بين واشنطن وطهران وتل أبيب الأوضاع فى لبنان وغزة وباقى الساحات التى تعد أذرعاً إيرانية سواء فى اليمن أو العراق، وكيف تنظر طهران إلى لبنان ومستقبله وهل سيظل رأس حربة فى عقاب أعداء إيران، بعيداً عن أراضيها.
تمخض الجبل فولد فأراً، فقد بالغت إسرائيل وهددت، بأن الهجوم الذى ستنفذه ضد إيران ووصل الأمر إلى وضع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية طبقاً لتسريبات تليفزيونية إسرائيلية على قائمة الأهداف لكن الهجوم الذى نفذته إسرائيل بأكثر من 100 طائرة مقاتلة، من طرازات متقدمة من الواضح أنها لم تدخل الأجواء الإيرانية، وتشير التصريحات إلى أنها استخدمت المجال المخصص للقوات الأمريكية فى العراق وقد اخترقت المقاتلات الإسرائيلية المجال الجوى فى سوريا ولبنان، ومرت الضربة مرور الكرام ربما تشبه الأفراح فى الريف المصري، أو الألعاب النارية، فمن يريد الحرب، ويسعى لإحداث خسائر فادحة، لا يقوم بإخطار عدوه مسبقاً قبل تنفيذ الهجوم، بل وأعلن عن نواياه توجيه هجوم كاسح قبل شهر تقريباً.
لكن ما هى الرسائل والشواهد والنتائج السياسية التى يشير إليها هذا الهجوم الإسرائيلى المرسوم والمتفق عليه، والمحدود والمصنوع باتفاق ثلاثي، ؟!
فى ظنى أن ضغوط إيران نجحت وتهديداتها إلى الدول المجاورة إذا ما تدخلت أو فتحت مجالها الجوى لأى هجوم جوى إسرائيلى أو أمريكى يستهدف إيران قد نجحت، وبالتالى مارست هذه الدول ضغوطها على الولايات المتحدة والتى استجابت وضغطت على إسرائيل، وبالتالى بات خط سير الهجوم من المجال الجوى فى العراق المخصص للقوات الأمريكية الموجودة فى العراق، ولم تدخل المقاتلات الإسرائيلية المجال الجوى الإيراني، وأطلقت صواريخها عن بُعد، والغريب أن إيران ردت على هذه الصواريخ بمنظومات دفاع جوية أرضية تقليدية أقرب إلى المدفعية، كأداء واجب لكن من الواضح أننا أمام نجاحات سياسية ودبلوماسية إيرانية أتت ثمارها خاصة فى ظل الزيارات والجولات واللقاءات التى أجراها الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته لتوصيل رسائل واضحة حول اعتبار الدول التى تنطلق منها مقاتلات أو صواريخ تستهدف إيران ستكون هدفاً معادياً.
السؤال المهم أيضا هو: لماذا نجحت واشنطن فى الضغط على إسرائيل لعدم استهداف المنشآت والمواقع النفطية والنووية الإيرانية؟ فى الوقت نفسه لم تفلح فى وقف العربدة وحرب الإبادة والعدوان الذى تشنه إسرائيل منذ أكثر من عام على قطاع غزة، إن واشنطن ساندت ودعمت بكافة أنواع الدعم العسكرى والسياسى والدبلوماسى والمالي.. وهناك إجماع على أن واشنطن متورطة فى العدوان على قطاع غزة والأراضى الفلسطينية، ولولا ضلوعها فى ذلك ما استطاعت تل أبيب الاستمرار فى عدوانها، وأيضا الموقف الأمريكى فى استهداف لبنان واعتباره حقاً لإسرائيل فى الدفاع عن النفس.
الحقيقة أن الفارق الشاسع بين نجاح واشنطن فى منع إسرائيل من استهداف المنشآت النفطية والنووية، ووقف العدوان على غزة ولبنان، وأيضا لا نريد تهديد أسواق الطاقة فى العالم، باستهداف المنشآت النفطية الإيرانية، وأيضا الإقدام على استهداف المنشآت النووية مخاطرة وسابقة.
على مدار العقود الثلاثة الماضية تحدث الكثيرون من الزملاء أن واشنطن لن تقدم على ضرب إيران، لأنها، الدجاجة التى تبيض لها ذهباً من خلال تصوير طهران كفزاعة للدول ما حول إيران، مجانية، بالإضافة إلى أن التقارير تشير إلى وجود علاقات سرية ولقاءات دورية فى سويسرا من الجانب الأمريكي، والجانب الإيراني، وربما تكون الانتخابات الأمريكية سبباً فى محدودية الهجوم الإسرائيلى.
دعونا ننظر من زاوية أخري، يمكن أن تقول إن تخفيف مدة التنفيذ وتحجيم الهجوم الإسرائيلى على إيران جاء استعداداً وتمهيداً للتهدئة فى المنطقة، والوصول إلى اتفاق، لوقف العدوان وإطلاق النار، فى قطاع غزة، ومرتبط بكافة الجبهات وهو وراء إشعال المنطقة، وقد بدأت الفصول الأولى فى محاولة البحث عن التهدئة ووقف العدوان والنار بالأمس فى الدوحة بقطر، وإعطاء الفرصة للحلول السياسية والدبلوماسية، ووقف كافة الجبهات سواء فى غزة أو لبنان أو اليمن وهو الأمر الذى كان سيبدو صعباً ومعقداً فى حال كان الهجوم الإسرائيلى الذى تم تنفيذه على إيران واسعاً وملحقاً أضراراً بالغة وإستراتيجية لطهران، وترى مصر أن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية هو الضمانة الوحيدة لعدم تجدد الصراع، ولصالح السلام والاستقرار فى المنطقة، كما أن أكثر من مليونى مواطن فلسطينى يعيشون فى قطاع غزة فى حاجة شديدة لالتقاط الأنفاس ودخول المساعدات الإنسانية والغذاء والدواء، فى ظل الكارثة والمأساة الإنسانية التى تسبب فيها جيش الاحتلال وما ارتكبه من حرب إبادة ومجازر ومذابح حتى وصل عدد الشهداء إلى قرابة 43 ألف شهيد، وما يزيد على 100 ألف مصاب أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت مصداقيتها لدى الدول الحليفة والصديقة لها، ولم تعد تثق هذه الدول فى واشنطن المنحازة بشكل أعمى ومطلق لإسرائيل، وبالتالى بدأت مرحلة البحث لدى هذه الدول عن حلفاء جدد وأقوياء وهو ما ترجمه الزخم الذى شهدته قمة «بريكس» فى إشارة إلى أن واشنطن فقدت بسياساتها المتناقضة وإزدواجية المعايير حلفاءها.
فى ظنى أن ما جرى فجر الاحد الماضى فى هجوم إسرائيلى تمثيلى على إيران هو تمهيد وتهيئة لأمر سيحدث فى المنطقة ربما الوصول إلى إنهاء العدوان واستعادة الهدوء، لكن لا أحد يضمن نتنياهو.. وفى كل الأحوال لن يكون هذا الاتفاق إلا بعد حسم الانتخابات الأمريكية.