مع دوران عجلة الحياة دون توقف تسقط من بين أيادينا العديد من الواجبات عن غير قصد، ابسطها الدفاع بجراءة عما تراه حقا وتراها حقيقة، تقابلت مع العديد من الشخصيات الوازنة بعد تقاعدها او خروجها من دائرة الضوء وتبعاته، واحزننى وأزعجنى حكاياتهم عن الفرص التى أضاعوها أثناء وجودهم فى السلطة نتيجة ما يسمى بالمواءمات وخجلهم من التعبير عن ارائهم وطرح مقترحاتهم امام الجهات الأعلي، واكتشفت ان هذه السمة متجذرة فى الشخصية المصرية او الموظف المصري، لكن حينما يتحرر الإنسان من قيوده الوظيفية التى تجعله حرا طليقا فى التعبير عن آرائه مهما كانت مزعجة للبعض، بيد ان العمل العام المثمر يحتاج إلى نوعية من البشر لديهم الجراءة المطلقة للدفاع عن مبادئهم وثوابتهم والتعبير عن ارائهم دون النظر إلى ردود افعال او أقوال الآخرين، لو تحرر الناس من الهوى والغرض لاستقامت الأمور، لكن المواءمات والحسابات والخواطر والخوف على المصالح المتحققة أو التى هى قيد التحقق تمثل خيانة للأمانة والحق والصالح العام.
> > > >
اما لماذا اكتب فى هذا الموضوع الان، فالسبب الرئيسى كم الفرص الضائعة على الوطن والأمة جراء الهوى والشخصنة والمواءمات وهذه الفرص من العهد الملكى ثم الناصرى ثم الساداتى وصولا إلى اللحظة الراهنة، اخطر هذه الظواهر هو التساهل وعدم التدقيق فى اختيار بعض من يشغل مواقع مؤثرة فى المجتمع وعدم احترام آراء اصحاب الخبرة فى هذه الاختيارات، الكارثة ان هذا المسئول الذى تسلل إلى منصبه فى غيبة المنطق ومذبحة تكافؤ الفرص يفشل فى اداء المطلوب منه لأنه ببساطة لم يكن مناسبا من الأساس لا فنيا ولا إداريا، اما الكارثة الأكبر فهى استمراره والدفاع عن قراراته البائسة لدرجة التنكيل بكل من ينتقده وغض الطرف عن نزواته الإدارية التى لا تخرج عن إطار منظومة الفوضى التى يحاول البعض الحفاظ عليها لتحقيق مصالحهم الذاتية ،
> > > >
اكتشفت بالصدفة ان من يدافع عن فاشل أو ضعيف أو فاسد ليس له مصلحة مباشرة إلا الدفاع المستميت عن اختياراته وترشيحاته هو فقط وليس حبا فى المسئول الضعيف، لذلك لم أعد اندهش حينما اسمع من احدهم أقولا مزعجة لكنها تصيب احيانا كبد الحقيقة.
« هو فلان ده تبع مين؟ او فلان ده مين اللى جابه ؟ بلاش تهاجم أو تنقد فلان لأنه تبع فلان فيظن فلان الأخير انك بتهاجمه فتهاجمك كلاب السكك مجاملة لفلان المهم» ،الحقيقة أننى شخصيا مؤمن ايماناً راسخاً لم يتزعزع لحظة ان الدولة المصرية كبيرة وعلى رأى الاستاذ هيكل «فى الآخر بتعمل الصح «، أنا أحب الرئيس وأثق به وأحسن الظن فى سيادته واراه مجردا موضوعيا متواضعا لا يخشى فى الحق لومة لائم، وارى ان الكثيرين لم يتعلموا من الرجل ما يعينهم على كيفية مواجهة كل تلك الادبيات الراسخة فى مجتمعنا وهى خطأ، فالرئيس يحاول تكسير وتبديد كل مسببات التراجع باحثا عن أدوات التقدم فقط.
> > > >
لكن هناك بالتأكيد رجال شرفاء كثر فى مواقع المسئولية، لكن ايضاً هناك أناس لا يستحقون مواقعهم وبقاءهم يمثل «عيباً سياسياً» وخصما من رصيد الحق، وهنا استحضر ما قاله يوما الرئيس « اللى مش قادر يشتغل يتفضل يستأذن «، وانا هنا أتحدث بتجرد فى العموم ولا اقصد أناساً بعينهم حتى لا تختزل كلماتى وتوضع فى سياق خاطئ، أنا اتساءل بصدق عن آلية اختيار المسئولين فى مصر بدءا من رؤساء الجهات والهيئات والمؤسسات وصولاً إلى الوزراء أنفسهم، وما دور الاكاديمية الوطنية للتدريب فى إعداد الكوادر القادرة على تحمل المسئولية ؟ وكيف يتم اكتشاف العناصر الموهوبة واجتذاب الطيور المهاجرة للمشاركة فى استكمال مشروعنا الوطنى الكبير؟
> > > >
واتساءل ببراءة حقيقية – وأشهد الله على ذلك – لماذا تحاط الترشيحات لأى منصب دائمًا بالسرية الشديدة ؟ وما هو الضرر من إعلان او تسريب أسماء المرشحين لمنصب ما على الرأى العام لنرى مزيدًا من المعلومات او الاراء او الترشيحات التى قد تكون افضل ؟ أنا أكتب عن ذلك فى وقت لا توجد فيه تغييرات ولا ترشيحات – كما اعتقد – ولا أشير إلى أحد بعينه ولكننى احاول ان أقول بعضًا من ملاحظاتى ان جاز لى ان افعل حبا واحتراماً.