منذ ما يزيد على عشر سنوات كتبت مقالا بعنوان «سيادة الرئيس هؤلاء أخطر من أهل الشر» وكنت أقصد هؤلاء المختبئون خلف خطوط الوطن يتظاهرون بأنهم معه وهم يوجّهون سهامهم المسمومة فى ظهره، كنت اقصد كذلك الفاسدين والمهملين والمرتزقة، اليوم وبعد كل هذه المعارك والصولات والجولات التى خاضتها الدولة علينا أن نقف من جديد نتأمل ونفكر بتجرد فى ما آلت إليه الأمور فى العالم والإقليم من مستجدات، أنا للأسف من أنصار نظرية المؤامرة ولكن على طريقتى الخاصة.
حيث أتوقع أن كل ما يجرى أمامى هو جزء أو فصل او حتى سطر واحد من خطة وضعها آخرون- أعداء أو أصدقاء أو حتى أعدقاء!- لتحقيق مصلحة ما على حساب مصر، وأسير فى اتجاه التدقيق والمراجعة حتى يثبت العكس أو تصيب توقعاتي، بهذا المنطلق أنظر إلى بعض المنمنمات المزعجة التى تحدث أمام عينى وأحاول جاهدا أن أربط بينها حتى تتبدى أمامى الصورة كاملة وبكل الأبعاد، وحتى لا أرهق القارئ العزيز فى دهاليز ما يدور فى رأسى وحتى لا أمارس حماقة العقلاء بادعاء الفضيلة وتوقع حسن النوايا والتى تكون غالبا فى غير محلها،
أرى أمامى وحولى خطة لتشويه تاريخ مصر وزعاماتها ورموزها وتجفيف نهر القوة الناعمة الهادر وتحويله إلى بحيرة راكدة آسنة مياهها! من فضلك لا تسألنى لماذا، لكن عليك أن تسأل نفسك وتتساءل كيف ومتى ومن يفعل ذلك، بالطبع لن أجيبك هنا، فحماقتى لن تصل لهذه الدرجة من الصراحة الوقحة، لكن توقع منى همسا وغمزا ولمزا، وعلى صعيد آخر تماما هناك مجموعة من المواقف معظمها- للأسف- إعلامية تستهدف وتستقطب وتستضيف بعض الشخصيات المصرية منتهية الصلاحية وتستدرجها إلى مناطق نائية عن جغرافية الرسالة الإعلامية.
ودون أن تدرى تلك الشخصيات منتهية الصلاحية أنها تُبحر عكس التيار، تكون المفاجأة لهم ولنا أن جدار العبث قد ارتفع مدماكا جديدا! يا ساداتي: اعلموا أن فى هذا العالم لا شيء يحدث صدفة، وحقيقة الأمور ليست كما تبدوا أمامنا، وكلما كانت الأحداث طبيعية وتحدث أمام عينك وتظنها نتيجة لحدث تعرفة أو مقدمة لنتيجة تتوقعها فاعلم دون تردد أنها خطة محكمة وضعها آخرون لتحقيق مصالح محددة، اعلم كذلك أن المؤامرات لم ولن تتوقف فى هذا العالم وهذا الأمر بات للأسف طبيعيا ومتكررا ومتفهما فكل دولة تحاول نسج مصالحها على أنوال الآخرين دون أى رادع أخلاقي.
فى هذا الإطار وبهذه المنهجية أقرأ ما بين سطور الأحداث الجارية فى الإقليم حيث أنظر إلى الصورة من كل الزوايا فأقف على الحقيقة بكل الأبعاد، التليسكوب فى يمينى لأرى من خلاله الفكرة والعناوين و الميكروسكوب فى يسارى لأقرأ كل التفاصيل وأرى ما تحت الرماد من جذوة مشتعلة يستهوينى الوقوف على قمة الجبال لأرى كل ما يدور فى السهول والوديان، ونادرا ما أستملح الغوص فى التفاصيل دون الوقوف على العناوين العريضة، من هنا ومن أعلى نقطة فى المشهد أسمع «نباحا» يشتد فى الخارج يتبعه ويسير خلفه «نعيق» من البعض فى الداخل يواجهه ذلك كله بكل قوة «زئير».
أما النباح فصادر من كلاب أهل الشر فى كل مكان يطلقون شائعاتهم بلا توقف و يروجونها دون كلل أو ملل عبر منصاتهم الممولة وإعلامهم المأجور، وأما «النعيق» فصادر من البومات المستلقيات على بطونها فى جوف الليل تصدر أصواتا تشاؤمية على أنغام سواد قلوبهم، وأما «الزئير» فهو زئير أسود الوطن البناؤون المعمرون المقاتلون الذين يصلون الليل بالنهار من أجل إنجاز مشروعهم الوطني.
هنا وجب التنويه والتذكير بسؤال وتساؤل أرى هذا وقت طرحه الدقيق ألا وهو «هل هؤلاء النابحون وأولئك الناعقون يستوون مع من يزأرون دفاعا عن الوطن؟»
فنباح ضد الوطن فى الخارج ونعيق لإحباط المواطن فى الداخل يقابله جهد وعمل وصبر وتحمل لبقاء وبناء الدولة.. هل يستويان مثلا ! فأحيانا يختلط الحابل بالنابل والحق والباطل وتتحول الثوابت إلى متغيرات وتتلاشى الخطوط الحمراء وتحل محلها الخطوط الرمادية، ربما كانت هذه الحقبة هى الأصعب على مر التاريخ بكل تفاصيلها ومفرداتها ومقدماتها ونتائجها، فكل ما تخطه يداك أو ينطق به لسانك حتى ولو كان كلام الله سيكون هناك من يقف لك بالمرصاد مشككا ومشوها وضاربا بكل القيم والمبادئ عرض الحائط.
وخير من يعبث بثوابت الدين والدولة هم أهل الشر ومن قمة جبل الفضائح إلى قاع مستنقع الانحطاط يسقط الإخوان مجددا ليمارسوا أحقر سلوك بشرى على ظهر الأرض وهو «خداع النفس وعبادة الهوي» فالهزيمة النكراء التى منى بها التنظيم أمام إرادة الجماهير خلال السنوات الماضية أفقدتهم توازنهم وعقلهم وصاروا خارج خطوط الزمن والواقع وبدأوا رحلة التسكع فى أرض الشيطان ليدخلوا حارة الجنون ويمكثوا فى شوارع الضلال مترددين على حانات الأبالسة وكى لا ننسى وحتى لا تتوه الحقيقة وسط موجات الزيف والتشكيك لابد أن ننتبه ونقف بقوة مع الحق والحقيقة حتى يكتمل بناء وعى الأمة بأسرها، الخلاصة أن تعلم أن الأفاعى لا يرفعون الأذان ولا يخافون الله.